وعمدت إلى اكتتاب شبابهم في القوات المسلحة وقوات الأمن. وقد مكنت هذه المبادرة من دمجهم في الحياة النشطة ومن وضع حد نهائي لتك الكارثة البيئية
.
.
لقد ساهم النظام الاستثنائي، كثيرا، في تفكيك مجتمعنا، وفي الإبقاء على العبودية، بتعليقه عمليا لمرسوم إلغاء الرق وبتعزيز سلطة القبيلة التي كان أب الأمة قد أضعفها كثيرا. تلك السلطة القبلية لدى العرب البربر والزنوج الموريتانيين؛ وتتغذى من الكد، الذي نادرا ما يدفع أجره، لأولئك العبيد الذين أجبرتهم السلطات العمومية على التنازل والعفو عن الذين انتزعوهم من جذورهم وما زالوا يرفضون تبنيهم رغم قرون عديدة من التعايش في مناخ يحكمه الإسلام السني.
خلافا للمكونات الوطنية الأخرى ليس للحراطين وطن سوى موريتانيا، ليست لديهم امتدادات في البلدان المجاورة. إنهم ثمرة تاريخنا، وجغرافيتنا، وانحرافاتنا ونوبات جنونها. وبفضل بشرة هؤلاء وثقافة أولئك، يشكلون تناغما لا غنى عنه لتدعيم وحدتنا الوطنية. لم يتأثر نبلهم بكل تلك القرون من الغبن، والإذلال، والازدراء. طيلة تلك الحقب الصعبة كلها، حافظوا على سلامة شرفهم، وكرمهم، وكرامتهم، ونزاهتهم، وفخرهم.
ينحدر الحراطين من السكان الزنوج الأفارقة في المناطق المحاذية التي تعرضت لغزوات خلال القرون الأخيرة من قبل قبائل العرب البربر والزنوج الأفارقة. وبعد سلخهم من جذورهم وتعريبهم بفعل المصير، اكتسبوا مع مرور الزمن هوية جديدة أفرو ـ عربية. كما هو حال آخرين في أماكن أخرى بقارات أخرى تم قطعهم من جذورهم بقوة القدر، حيث تم تغريبهم وتنصيرهم أو تلحيدهم واكتسبوا هويات أخرى أفرو ـ أورو ـ أمريكية.
حين يتخلصون من عقلية الهيمنة لدى العرب البربر والحساسية المفرطة لدى الزنوج الموريتانيين؛ يقودهم إيمان لا يتزعزع، فإن الحراطين يشكلون؛ بلا ريب، همزة الوصل الأساسية بين هؤلاء وأولئك، ومركز جاذبية وحدنا الوطنية، والأمل في مستقبل مشرق للأجيال القادمة في بلدنا، شريطة أن يعوا ذلك.
إن مصير الماتشودوس، عبيد التكرور، والكوم عبيد السوننكي، ومنسيي الجمهورية والحرية؛ ممن لا وجود لهم حتى في أجندة الانعتاقيين، يجب أن يعالج دون حساسية بكثير من الجدية والتحكم. وبما أن هؤلاء لهم نفس لون البشرة وأحيانا نفس الأسماء التي لدى أسيادهم، فإنهم يعطون الانطباع بالعيش ضمن نظام قائم على المساواة؛ بينما هم ضحايا للكثير من مظاهر التمييز المخفية. وجوههم تحمل غالبا سحنات معاناتهم المعنوية والنفسية. لقد تم سلبهم، وترهيبهم، وغبنهم، وحرمانهم من كرامتهم وأراضيهم وأحيانا ممتلكاتهم فباتوا يتعرضون لاستبداد أسيادهم الذين لا يستطيعون الإبلاغ عنهم. بعض هؤلاء مثل الكوم؛ وهي المجموعة الأكثر استعبادا في البلد، أي سوننكي كيديماغا، يعانون من التمييز حتى في الجنائز. ولا يملكون، فيما يبدو، الحق في الصلاة داخل المسجد مثل أسيادهم وبعد موتهم لا يحق لهم أن يدفنوا في نفس المقابر.
يتواصل-
العقيذ عمر ولد ابيبكر