{إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا
على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم منكم فألئك هم الظالمون}.
صدق الله العظيم.
.أنا طبعا ضد التطبيع مع إسرائيل. أو معه على الأصح؛ على لغة شيخنا وأستاذنا الشيخ محمد سالم ولد عدود، الذي قال إن التطبيع بيننا وبين إسرائيل هو العداوة والمقاطعة. وما سوى ذلك مخالف للطبيعة وشذوذ عن المعتاد ومعصية. ذلك أن الصهيونية وهي عقيدة الكيان الإسرائيلي الغاصب في فلسطين، لا تقوم على أساس معاداة الدين الإسلامي والمسيحية والعرب والمسلمين والمسيحيين والعمل على اجتثاث كل ذلك من الأرض فحسب؛ بل هي عدوة كذلك للإنسانية جمعاء، لأنها عقيدة عنصرية استعمارية متطرفة تعيش على الربا والمضاربة والاحتكار، وتنتهج أساليب الإرهاب والقتل والتدمير والتشريد وإهلاك الحرث والنسل، وانتهاك جميع الحقوق الإنسانية طريقا لبلوغ أهدافها وأحلامها الاستعمارية الاستيطانية التوسعية الخبيثة. وهي - زيادة على ذلك كله- عدوة لموريتانيا لثلاثة أسباب رئيسية هي:
- أن موريتانيا بلد عربي وإسلامي عريق.
- أنها وقفت منذ وجودها مع الحق العربي واستخدمت نفوذها وعلاقاتها مع شقيقاتها الإفريقية في طرد إسرائيل صاغرة من إفريقيا إثر عدوان 1967.
- أنها أول دولة عربية "مطبعة" تكسر قيود الهيمنة الأمريكية الصهيونية المعاصرة وتخرج من حظيرة ثالوث "التطبيع" وتنزل العلم الإسرائيلي من سماء عزتها وتطرد السفارة الإسرائيلية صاغرة، وتستدعي الجرافات لدك حصون إسرائيل في انواكشوط.
فإسرائيل بكل تأكيد هي التي كانت - وما تزال- ترعى أعمال التخريب والشقاق في موريتانيا، وتسعى لتفكيك اللحمة الوطنية، وتستغل النعرات العنصرية والشرائحية في ذلك، وتغازل المؤسسات الحزبية والأهلية القابلة للاستغلال والاختراق وتمولها وتوجهها. وقد استفادت كثيرا من فترة وجودها في البلاد فوسعت نشاطاتها التخريبية، وخلقت أصدقاء ونقاط ارتكاز.. الشيء الذي جعل سياسة التطبيع التي دامت زهاء عقد من الزمن هي أكبر كارثة على سلامة ووحدة وأمن البلاد.
هذا عن "التطبيع" وطبيعة إسرائيل.
أما فيما عداه، فإني أرى ما يلي:
أولا: أن من العدل والإنصاف النظر إلى المطبعين على حقيقتهم باعتبارهم فئتين: فئة فاعلة، وفئة مفعول بها. بدل النظر إليهم باعتبارهم جسما واحدا لا يتجزأ. والحكم على كل فئة انطلاقا من طبيعتها والدور الذي قامت به. وبذلك يكون المطبعون الحقيقيون هم أولئك الذين صاغوا سياسة التطبيع وتبنوها وخططوا لتنفيذها وسوغوها كمخرج وحيد من عزلة دعم العراق المهزوم وجريمة التصفية العرقية التي قادها في حين غفلة من الشعب والدولة غلاة وسفهاء تغلغلوا في السلطة وكادوا أن يهدموا كياننا لولا قوة العروة الوثقى التي تربط الموريتانيين وحكمتهم ووجود قادة وأبطال استطاعوا رأب الصدع وإصلاح ذات البين. ومما لا شك فيه أن أغلبية هذه الفئة التي تتولى كبر التطبيع تقف اليوم في معارضة السلطة الحالية التي أطاحت بهم وبمشاريعهم وامتيازاتهم؛ سواء أكانت مجاهرة بمعارضتها وتقف في صفوف تنظيمات المعارضة أم خارجها أم مندسة في كشكول الموالاة.
أما فئة المفعول بهم من سياسيين وأتباع ممن استظلوا بظل التطبيع أو الذين سكتوا عنه ضمن الأغلبية الصامتة فلا أظن تحميلهم وزر التطبيع إلا ظلما، لأنهم كانوا مفعولا بهم وضحايا في بعض الأحيان. ولن يستثني من يحملهم وزر ما أكرهوا عليه إلا النزر القليل جدا من الطيف السياسي والاجتماعي يومئذ. {منكفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ..} الآية.
ذلك أن الكثيرين في ذلك العهد كانوا يتخذون من التظاهر بموالاة النظام وتبني سياساته وسيلة لحماية أنفسهم وذويهم من جميع صنوف البغي. ومنهم من يكتفي بـ"أضعف الإيمان"! وهذا ما عبر عنه بحق ونفاذ بصيرة السيد محمد فال ولد عمير في افتتاحية شهيرة بعنوان "من يخدع من؟" كتبها إبان زيارة الرئيس آنذاك لولاية الترارزة ومبالغة نخب تلك الولاية في الاحتفاء به والترحيب. وما جاز على المثل يجوز على مماثله.
ثانيا: أن مصلحة الوطن تفرض علينا اليوم أن لا تعمينا شجرة التطبيع -على ثقلها وكثافتها وخطورتها- عن غابة السياسيين والنقابيين و"الحقوقيين" الموجودين في شتى المواقع، ويحابيهم ويغازلهم ويزكيهم بعض قادة الأحزاب، وتسبح بحمدهم وتمجدهم الصحافة الصفراء، وهم أخطر على الوطن اليوم من جل المطبعين؛ لما ينفثونه من سمومٍ هدَفُها تخريب وحدة واستقرار وأمن وازدهار البلاد. ولقيامهم بنفس الدور الذي تخططه وتمليه إسرائيل وغيرها، دون أن يكون لهم دور سابق في التطبيع، ودون أن يتبنوه أو ينادوا به اليوم، لما سيكون لذلك من تأثير سلبي على بلوغ مآربهم وهم المجربون.