دقة - حياد - موضوعية

تفاصيل محاكمة وإعدام الأمير المختارولد اعلي الكوري(ح4)

2017-03-20 20:52:40

قبل الدخول في فقرات الترجمة الجزلة التي قام بها الأستاذ الكبير سيدي ولد متالي حول تفاصيل اعتقال ومحاكمة وإعدام الأمير التروزي المختار ولد امحمد ولد اعلي الكوري ولد أعمر ولد اعلي، نرى من الضروري أن نوضح للقارئ الظروف والملابسات السياسية والصراعات السلطوية المحيطة بحياة هذا الأمير اليافع الذي تربى يتيما وسعى إلى الإمارة وهو مراهق.

.




لقد حكمت إمارة الترارزه أسرتان من عقب اعلي شنظوره ولد هدي ولد أحمد بن دامان. فبعد أحمد بن دامان، مؤسس الإمارة إثر  معركة انتيتام سنة 1631، والمتوفى سنة 1636، تأمّر ابنه هدي ما بين 1636 و 1684، ثم تولى بعده الإمارة ابنه السيد ثم بعده اخوه أعمر آكجيل ليصل الحكم إلى اعلي شنظوره الذي تأمر من سنة 1703 إلى سنة 1726. وحسب محمد فال ولد بابه وولد أبو مدين فقد تأمر بعد اعلي شنظوره أخوه الشرقي ولد هدي، إلا أن المختار ولد حامدن وبول مارتي يحذفان الشرقي من لائحة أمراء الترارزه، علما بأن خلافة الشرقي لأخيه اعلي شنظوره، على شؤون الإمارة، خلال مقامه في المغرب بحثا عن السند ضد البراكنه، لا يرقى إليها الشك.

بعد اعلي شنظوره، بدأ عهد أهل أعمر ولد اعلي الذي تواصل لمدة 74 سنة (تزيد أو تنقص قليلا حسب الخلاف في تواريخ الوفيات). وقد تميزت إمارة أهل أعمر ولد اعلي بأمور كثيرة، من أهمها أنها لم تشهد انقلابا واحدا لا هادئا ولا دمويا، بل لم يمت من أمرائهم مقتولا غير واحد توفي في معارك خارجية (ضد تحالف بين إمارة البراكنه والدولة الألمامية)، كما أنها الإمارة الوحيدة التي لم تعتمد التوريث الأبوي (أي أن الإمارة وصلت من أعمر ولد اعلي إلى ابنه المختار، لكنها من عهد المختار تعاقبت بين الإخوة وأبناء العمومة (داخل أسرة أهل أعمر ولد اعلي) إلى أن تم الانقلاب على حكمهم.

أول من حكم من أسرة أهل أعمر ولد اعلي هو أعمر نفسه الذي مارس السلطة الأميرية ما بين 1726- 1756، تولى بعده الإمارة أبنه المختار ولد اعمر ولد اعلي الذي حكم ما بين 1756- 1771، وتولى بعده أخوه اعلي الكوري ولد أعمر ولد اعلي الذي حكم ما بين  1771- 1784 (قتله جيش المامي عبد القادر: أحد أمراء الدولة الدينية في فوتاتورو المتحالف مع إمارة البراكنه). تولى بعده الإمارة ابن أخيه محمد الجواد ولد المختار ولد أعمر، وذلك ما بين  1784- 1792، ثم تولى بعده الإمارة أخوه عاليت ولد المختار ولد أعمر في الفترة ما بين 1792- 1794، ثم تولاها بعده أخوه أعمر ولد المختار ولد أعمر ولد اعلي المعروف بـ"أعمر ولد كمبه" الذي حكم ما بين 1794- 1800، وتوفي في زهرة العمر دون أن يترك أي وريث بالغ من جميع أفراد أسرة أهل أعمر ولد اعلي

ثم يصل الحكم، في انقلاب أبيض، إلى أهل المختار الشرقي الذين عـُـرفت إمارتهم بـ"إمارة أهل محمد لحبيب".، وكان أعمر ولد المختار ولد الشرقي ولد هدي أول من حكم منهم في الفترة ما بين 1800-1829.

وكان امحمد ولد اعلي الكوري ولد أعمر ولد اعلي أول بالغ من أسرة أهل أعمر ولد اعلي يقود معارضة مسلحة ضد حكم أعمر ولد المختار (ولد الشرقي)، فحاول، خلال أيام مشهودة، استرداد الحكم، واستنجد في سبيل ذلك بحلفاء من داخل قبيلته، ومن أبناء عمومتهم أولاد دمان، ومن أصهاره إدوعيش خاصة في عهد الأمير محمد ولد امحمد شين.

وتولى الإمارة بعد أعمر ولد المختار ابنه محمد لحبيب الذي حكم في الفترة ما بين 1829-1860، وقتل من قبل أبناء إخوته في محاولة انقلابية فاشلة، ليتولى الحكم من بعده ابنه سيدي ولد محمد لحبيب الذي تأمّر في الفترة ما بين 1860-1871 وسقط قتيلا في انقلاب دبره أخوه أحمد سالم (الأول) ولد محمد لحبيب. وقد عرفت فترة إمارة أحمد سالم، الممتدة لثلاث سنوات، مناوشات ومعارك طاحنة مع أخيه أعلي (ابن اجّمبت: ملكة الوالو) انتهت بقتل الأول في شهر مايو 1873، ليستتب الحكم لأخيه الأمير اعلي ولد محمد لحبيب الذي قتل سنة 1886 في انقلاب دبرته جماعة من أولاد أحمد بن دامان من ضمنها أبناء أخيه خاصة أحمد الديد (الأول) ولد سيدي ولد محمد لحبيب ومحمد فال ولد سيدي ولد محمد لحبيب. وهنا أخذ محمد فال ولد سيدي السلطة الأميرية سنة 1886 في جو مضطرب لم يشهد استقرارا حتى قتل بعد أربع سنوات (سنة 1890) على يد ابن عمه أحمد سالم (الثاني) ولد اعلي (الملقب بياده)، وقيل ان محمد فال تنازل عن الإمارة لعمه أعمر سالم قبل مقتله، وإن تأكد ذلك يكون أعمر سالم قد حكم من 1890 إلى  حين مقتله في إحدى معارك الصراع على السلطة سنة 1893. ثم استتب الأمر للأمير أحمد سالم ولد اعلي (بيّاده) من 1893 حتى اغتيل سنة 1905 على يد جماعة يقودها أحمد الديد (الثاني) ولد محمد فال ولد سيدي ولد محمد لحبيب.

في هذه الفترة بالذات دخلت الإمارة في العهد الفرنسي، فتأمر أحمد سالم ولد ابراهيم السالم وأحمد الديد ولد محمد فال بالتزامن تقريبا، حتى توفي أحمد سالم سنة 1929، لتبقى الإمارة عند أحمد الديد ولد محمد فال ولد سيدي حتى يوم وفاته سنة 1944، ويرثها منه ابنه محمد فال (ولد عمير)، ثم تعود لعقب أحمد سالم ولد ابراهيم السالم (ممثلا أولا في احبيب ولد أحمد سالم).

في هذه الظروف، كانت المصالح الاقتصادية، المتمثلة في تجارة الصمغ وما تدره من ضرائب، وفي الإتاوات والإكرامات الممنوحة من قبل الفرنسيين والوسطاء التجاريين، قد طغت على كل الجوانب الأخرى، فتفكك، شيئا فشيئا، حلف أهل أعمر ولد اعلي تبعا لموازين القوة، وقلّ عددهم هم أنفسهم، ولم تنجح محاولات امحمد ولد اعلي الكوري في استعادة السلطة بالقوة، إلا أن أهل أعمر ولد اعلي، رغم كل ذلك، ظلوا يتمتعون بوزن كبير وبمكانة قوية جعلت حضورهم في الإتاوات والإكرامات بارزا، بل ظلوا يرفضون التنازل عن نصيبهم تحت أي ظرف. في هذا السياق يظهر الشاب المختار ولد امحمد ولد اعلي الكوري الذي ترك له والده أمجادا داخلية، وعلاقات كبيرة خارجية، وأموالا طائلة في عاصمة المصالح الفرنسية الإفريقية: سان الويس.

لقد مات عنه والده وتركه يتيما، فتربى في سان الويس (اندر) حيث عقاره وأمواله، وحيث عايش الفرنسيين (وكان يتكلم الفرنسية بطلاقة، كما كان يلبس الزي الفرنسي بإتقان، ويضع ربطة العنق تماما مثلما يضعها الأوربيون). وقد وصفته وثائق المستعمر بأنه شاب وسيم ذو طباع حضرية راقية لا يتحلى بها أي بيظاني حينها.

وكان هذا الشاب، المولود بين 1810 و1815، يسعى لاسترداد السلطة على خطى والده امحمد ولد اعلي الكوري وأبناء عمومته أولاد أعمر ولد اعلي الذين لم يبق منهم أي بالغ عندما توفي آخر أمرائهم أعمر ولد المختار ولد أعمر ولد اعلي الملقب أعمر ولد كمبه. إلا أن جملة من الظروف لم تساعده في مسعاه، من بينها:

أولا: صغر سنه، فقد بحث عن الإمارة وهو بعد لم يبلغ الـ 18 من العمر.

ثانيا: تفكك القوة التي كانت تساند ذويه من أولاد أحمد بن دمان وأولاد دمان وأخواله إدوعيش الذين أتوا مرتين بخيلهم ورجلهم وقاتلوا في أقصى الجنوب، لكنهم فشلوا في استعادة الحكم لابن ابنتهم وإن انتصروا في إحدى المعركتين اللتين شاركوا فيها إلى جانب والده امحمد وأنصاره الدامانيين: معركة أفجار سنة 1817 ومعركة أباخ (الصطاره) في ذات السنة 1817.

ثالثا: ميول الفرنسيين إلى الأسرة الحاكمة الجديدة لاعتبارات من أهمها أن مصلحتهم تقتضي التعامل مع جهة واحدة وزعيم واحد، بالإضافة إلى ما استشفوا من قلة حظوظ الأسرة الأميرية الأولى في استرجاع عرشها.

رابعا: قبوله للتنازل عن المطالبة بالإمارة (لفقدان السند الداخلي والخارجي)، ورفضه المطلق البات للتنازل عن المصالح والإكرامات التي كانت من حق أجداده على ضفة النهر (كالإتاوات، والتعويضات عن توقف القوارب التجارية والمزايا المادية التي تمنحها سلطات سان الويس)، الأمر الذي شكل مساسا بهيبة الإمارة وبجزء من سلطاتها وبعض مصالحها الحيوية، فكان لابد لها أن "تتصرف" بشكل أو بآخر، خاصة أن الأمير الشاب يعتبر، وربما يعتبر بعض أبناء عمومته المباشرين، أن التنازل عن المزايا الخاصة بهم سيكون بمثابة التخلي عن جزء آخر من أمجادهم أو عن النصيب المتبقي من سيادتهم (بعد أن أجبرتهم الظروف على التخلي عن السلطة).

خامسا: المؤامرات الداخلية والشراك التي وضعت للشاب فوقع فيها دون أن يحسب عواقبها، ومن أبرزها عملية قتل التاجر جاك موليفار: صديق والده وصاحب المكانة الكبيرة لدى الفرنسيين، ما جعل فرنسا تعتبر أنها إن لم تقتل قاتله ستخسر هيبتها وسمعتها لدى سكان المنطقة، فكان لابد لها من استدراج الشاب إلى اندر لتجعل منه مثالا تروع وتردع به كل من يحاول المساس بمواطنيها وحلفائها. وعند القراءة المتأنية لما بين سطور الوثائق الفرنسية، نكتشف أن الإمارة شاركت في عملية الاستدراج تلك لأن الشاب أظهر قدرات فائقة على المنافسة، ولأنه ينبئ بمستقبل واعد قد يهدد أركانها ولربما تمكن، بحنكته وشجاعته وعلاقاته وثرائه المادي وما لديه من مقومات التفاهم مع الفرنسيين، من انتزاع السلطة وإعادة الإمارة إلى نسختها الأولى.

إذن قـُتل التاجر الخلاسي سنة 1831 على يد المختار ولد أمحمد ولد إعلي الكوري، أو على يد أبناء عمومته أولاد أعلي بوشارب، أو على يدهم جميعا (انطلاقا من شهادات مختلفة تم الإدلاء بها خلال جلسات المحاكمة المنعقدة في سان لويس سنة 1832)، أو قتل بحضور الشاب المختار وتمت فبركة التهمة لجره إلى المشنقة (فهو يحرج الإمارة لأنه يطالب بنصيب من الدخل، ويحرجها لأنه مهيأ لقيادة التناوب السياسي، ويحرج فرنسا لأنه يفرض إتاوات وإكرامات مضاعفة على اعتبار أنها تدفع نفس الإتاوات والإكرامات للإمارة، ويحرجها لأنه يشكل قطبا ثانيا، وفرنسا تعتبر أن مصالحها تقتضي التفاوض والتعاطي مع قطب واحد). وهكذا وجهت له التهمة، وحكم عليه بالإعدام، ونفذ فيه الحكم رميا بالرصاص، ليكون بذلك أول بيظاني يحاكم محاكمة عصرية مكتملة الأركان: من رئيس محكمة، مرورا بالقضاة، فممثلي النيابة، إلى المحامين، والشهود، وبذلك يكون أيضا أول بيظاني يصدر عليه حكم بالإعدام وينفذ فيه رميا بالرصاص. علما بأن بعض أعضاء المحكمة أصيبوا بحزن شديد وإحباط كبير إثر تنفيذ الإعدام في الشاب المختار لأنه، بالنسبة لهم، أعدم على خلفية أحداث وقعت وهو بعد لم يصل سن البلوغ القانوني (كان سنة 1931 في حدود الـ 16 من العمر، وإن حاول رئيس المحكمة تقديم أدلة غير مؤصلة على أنه في حدود الـ 21 سنة)، كما يعتبره بعض الفرنسيين من أقرب البيظان إلى نمط حياتهم العصرية، وأنه يتكلم لغتهم بطلاقة، ويمكن التفاهم معه أكثر من غيره، بالإضافة إلى أنه ضحية لمؤامرة تروزية-فرنسية بشعة لم يفهم أبعادها لصغر سنه.

ومهما يكن، فإن ملفه يظل نقطة سوداء في جبين العدالة الفرنسية، سيجد، في يوم من الأيام، من يرفع اللبس عن قضيته ويفكك ألغازها وطلاسمها. كما سيظل مفخرة تروزية لأنه، وإن أنكر التهمة، رفض التنازل عن مصالح ذويه، ورفض المساومة في حقهم على المراسي والمراكز التجارية، ورفض الخضوع لسلطة لا تقبل به شريكا، وذهب إلى مكان الإعدام متماسكا بخطى واثقة حسب شهادات الفرنسيين أنفسهم.

محرر زاوية "تاريخ مغيّب"في صحيفة ناواكشوط

 

 

الحلقة الرابعة من تفاصيل الملف حسب ترجمة الأستاذ سيدي ولد متالي

 

... فهذه الشعوب لا تؤكد نسبها إلا بتأكيد علاقتها التي لا جدال فيها...
يقول العالم " مارلين" في كلمة "عمر" من موسوعته:
"...
و لكن الجهات المعنية و حتى القطاع العمومي.. يسمح لها، حسب الظروف، أن تدحض هذه البراهين بالأدلة و بشهود آخرين.."
لنفتح الآن المجلد 16 من مجموعة {سيري} الجزء الأول.. ص59 .. لنقرأ فيها:
"...
تكون قضايا الحالة المدنية من اختصاص المحكمة الجنائية عندما تُقدم بوصفها عنصرا من الحكم بوجود فداحة الجريمة.."
هكذا حكمت المحكمة الخاصة بروما و أكدت حكمها محكمة الاستئناف على قرارات المدعي العام { مارلين}..." انظر تلك القرارات و الأحكام في المجموعة المذكورة أعلاه..."
أيها السادة:
لقد كانت محكمة روما تحاكم لدى المحكمة الجنائية بدون محلفين، تماما مثل محكمة الاستئناف بالسنغال.. و الطريقة التي كانت تقدم بها أمامها قضايا الحوادث من حيث التكييف، بدون شك، هي نفسها التي تقدم بها أمامكم قضايا السن القانونية .. و من هنا فإن منطوق القرار سيكون واحدا.. هذا إذا قبلت المحكمة ذلك..
فإذا افترضنا أن المسمى المختار المتهم بالقتل العمد مع سبق الإصرار لا تتجاوز سنه الآن 17 سنة، أي أن عمره عند ارتكاب الجريمة لم يكن يصل 16 سنة.. فإن ثبتت تلك السن له فإنه ستطرح قضية الاختصاص إذا سلمنا بصدقية تلك السن له.. و عند ذلك فإن المتهم سيحكم عليه بأحكام تأديبية بسيطة.. و إذا افترضنا العكس فإن المتهم لن يحكم عليه بأي عقوبة..
و اعتمادا على المادة 46 من المسطرة المدنية، و باعتبارها من اختصاص المحكمة الجنائية عندما تؤخذ باعتبارها عنصرا من عناصر القرار حول فداحة الجريمة.. و من هنا يلزم الاستماع إلى الشهود لصالح المتهم و الإدارة العمومية من أجل إثبات دليل السن و أن يُستمع في هذه الجلسة حول الحالة المدنية و إضافة ذلك باعتباره ملحقا بالملف الأصلي من أجل عقد جلسة واحدة دون اللجوء إلى الاستئناف..
و سيعلن الدفاع حول هذه النقطة رجوعه إلى بصيرة القضاة..
و المجلس سيعلن حكمه طبقا لقرارات الإدارة العمومية..
و قد تم الاستماع إلى ما يقدر بثلاثين شاهدا حول إشكالية السن.. و من هؤلاء الشهود من كان لصالح المتهم.. و قد أجمع هؤلاء على أنهم سمعوا من بعض البيضان و من محمد نفسه {والد المتهم} أن المختار ولد بفترة وجيزة قبل معركة " إنتيمركاي" التي كانت سنة 1816 .. و لكن المتهم نفسه يُقر أنه عندما هاجر والده إلى " إدوعيش" أي حوالي 1819 .. بأنه رافقه ممتطيا جملا و مدعوما بسواعد أمه و أنه كان له في تلك الفترة شقيق و شقيقة أصغر منه.. و أن سنتين على الأقل هما الفاصل العمري بين الأطفال الثلاثة...
في حين صرح شهود آخرون أنه منذ سنة 1822 عندما تعرفوا على المختار لأول مرة..تابعوا تقدم سنه و أنه كان عمره في تلك الفترة ما بين العاشرة و الثانية عشرة من العمُر.. مما يفرض أن عمره الآن لا يقل عن 20 أو 22 سنة..
كما استُمع إلى شهود آخرين حول أصل التهمة.. و رد المختار على شهاداتهم البينة بأنه جاء إلى مسرح الجريمة مع القتلة.. و لكن ليصرفهم عن ارتكاب الجرائم..
و اعترف أنه أطلق النار و لكنه أطلقها في الهواء .. متخذا منها إنذارا بالخطر يوجهه إلى ماليفوار...
الكلمة الآن للسيد المحامي العام الذي بدأ بتقديم ملاحظات قبل أن يفصل الاتهامات الموجهة ضد المتهم قائلا:
"
أيها السادة:
لم تصل أية مرافعة في المستعمرات إلى المستوى الذي وصلت إليه هذه المرافعة.. و لذلك فإنه من الجوهري أن نجعلها في مستوى الانضباط الممكن من أجل تأسيس القانون على قواعد مضبوطة في المستقبل..
أيها السادة:
إنكم لا تصدرون في المحاكمات الجنائية عن أي قانون مضبوط للقضايا الجنائية..
فما فتئ الوزير يأمر بأن نقترب، قدر الإمكان، من المسطرة الجنائية الفرنسية.. و على الخصوص بالرجوع إلى الأشكال المعتمدة في المستعمرات الأخرى..فحتى في فرنسا التي تنطق فيها المحاكم في قضايا النوازل.. فإنه ما زالت تُطرح لها، في البداية هذه الإشكالات...
و يحق للمتهم و لوكيل النيابة أن يعترضا على ذلك.. و تُقرأ الحلول في الجلسة.. و تطالب النيابة العامة بالحكم ثم تنسحب المحكمة للتداول.. و تعود للنطق بذلك القرار..
و في المستعمرات الأخرى التي لا يوجد فيها إلا مجالس بدون محاكم و مع ذلك تضم مجالسها 7 قضاة مثل مجلس الاستئناف في السنغال تطبق هذه الإجراءات البسيطة.. و لا فرق بينها مع الأخرى سوى أن المحكمة تنسحب إلى قاعة مداولاتها من أجل طرح الإشكالات الناتجة عن النقاش.. و تعود لتقرأها في جلسة علنية.. و ليس هذا فقط.... فالأمر القانوني بتاريخ 7 يناير 1822 حول النظام القضائي في السنغال لا يحدد النصاب القانوني التي تتخذ به الأغلبية في إعلان الإدانة..
و المادة 14 تنص، فعلا، على أنه في حالة تعادل الأصوات فإن رأي المتهم يكون مرجِحا..و لكن ذلك، حسب رأينا، لا يكون إلا في حالة عدم وجود أغلبية.. و إلا فإن الأغلبية البسيطة بإمكانها أن تدين.. هذا فضلا عن أن المتهم يمكنه أن يمثل أمام عدد زوجي من القضاة لا أن يمثل أمام عدد غير زوجي.. و هنا تسير الأمور لصالحه..لأنه في الحالة الأولى لا بد من صوتين من أجل إصدار حكم إيجابي في موضوع الإدانة..
هذا مع العلم أن النسخة القديمة من مسطرة المرافعات الجنائية تكرس أيضا هذا المبدأ العام.. أي أنه في حالة تصويت المحكمة فإن رأي المتهم مرجح.. علما أن 7 ضد 5 ليست كافية لإعلان الإدانة.. فكان من المفروض أن تنطق المحكمة ذاتها حول هذا الموضوع الواقعي.. و حول العدد المعلوم للمحلفين و القضاة المحدد للحل..
و أخيرا، سادتي، لا يمكن أن يوجد ترجيح إلا إذا كان العدد زوجيا.. فالأمر القانوني لم ينص إلا على هذه الحالة.. و يتم التعويل على حكمتكم و نباهتكم المعروفتين و خبرتكم القانونية في الحالة المنافية...
ونظن، نحن، أن الإدانة لا يمكن لها أن تعلن إلا بأغلبية صوتين على الأقل.. أي أكثر من 4 أصوات على 7 و 3 أصوات على 5 ... لكن دون تحديد عدد الأصوات التي يمكنها أن تقرَ القرار...
و يمكننا الاستئناس قانونيا بما يلي:
1
ـ المادة 344 من قانون المرافعات الجنائية في جزر الآنتيل و بوربونه و غويان..
2
ـ المادة 347 الجديدة من قانون المرافعات الجنائية الفرنسية..
3
ـ رأي مجلس الدولة في 30 و 27 من السنة الثانية عشرة الملخص كما يلي في الجدول الأبجدي في مجموع نوازل {سيري}..عند لفظ " لجنة عسكرية"..
"...
إن مرافعات اللجنة العسكرية الخاصة لا تُتخذ إلا بالأغلبية البسيطة من الأصوات فلا بد، على الأقل، من أكثر من صوتين للإدانة وفقا للقانون 13 من العام الخامس في ما يخص لجان الحرب.."
هذا، أيها السادة، مع العلم أنه ألا يمكنكم أن تفكروا أن نية محرر الأمر القانوني بتاريخ 7 يناير 1822 كان يقتضي أن مجلس الاستئناف في السنغال يوفر أقل من الضمانات و يترك أقل من الحظ للمتهم أمام اللجان العسكرية للجمهورية و الامبراطورية؟
كلا... إنه لا ينبغي أن يكون ذلك مدار شك لديكم....
يتواصل...

تابعونا على الشبكات الاجتماعية