دقة - حياد - موضوعية

تفاصيل محاكمة وإعدام الأمير المختارولد اعلي الكوري(ح3)

2017-03-19 06:33:27

قبل الدخول في فقرات الترجمة الجزلة التي قام بها الأستاذ الكبير سيدي ولد متالي حول تفاصيل اعتقال ومحاكمة وإعدام الأمير التروزي المختار ولد امحمد ولد اعلي الكوري ولد أعمر ولد اعلي، نرى من الضروري أن نوضح للقارئ الظروف والملابسات السياسية والصراعات السلطوية المحيطة بحياة هذا الأمير اليافع الذي تربى يتيما وسعى إلى الإمارة وهو مراهق.

.



لقد حكمت إمارة الترارزه أسرتان من عقب اعلي شنظوره ولد هدي ولد أحمد بن دامان. فبعد أحمد بن دامان، مؤسس الإمارة إثر  معركة انتيتام سنة 1631، والمتوفى سنة 1636، تأمّر ابنه هدي ما بين 1636 و 1684، ثم تولى بعده الإمارة ابنه السيد ثم بعده اخوه أعمر آكجيل ليصل الحكم إلى اعلي شنظوره الذي تأمر من سنة 1703 إلى سنة 1726. وحسب محمد فال ولد بابه وولد أبو مدين فقد تأمر بعد اعلي شنظوره أخوه الشرقي ولد هدي، إلا أن المختار ولد حامدن وبول مارتي يحذفان الشرقي من لائحة أمراء الترارزه، علما بأن خلافة الشرقي لأخيه اعلي شنظوره، على شؤون الإمارة، خلال مقامه في المغرب بحثا عن السند ضد البراكنه، لا يرقى إليها الشك.

بعد اعلي شنظوره، بدأ عهد أهل أعمر ولد اعلي الذي تواصل لمدة 74 سنة (تزيد أو تنقص قليلا حسب الخلاف في تواريخ الوفيات). وقد تميزت إمارة أهل أعمر ولد اعلي بأمور كثيرة، من أهمها أنها لم تشهد انقلابا واحدا لا هادئا ولا دمويا، بل لم يمت من أمرائهم مقتولا غير واحد توفي في معارك خارجية (ضد تحالف بين إمارة البراكنه والدولة الألمامية)، كما أنها الإمارة الوحيدة التي لم تعتمد التوريث الأبوي (أي أن الإمارة وصلت من أعمر ولد اعلي إلى ابنه المختار، لكنها من عهد المختار تعاقبت بين الإخوة وأبناء العمومة (داخل أسرة أهل أعمر ولد اعلي) إلى أن تم الانقلاب على حكمهم.

أول من حكم من أسرة أهل أعمر ولد اعلي هو أعمر نفسه الذي مارس السلطة الأميرية ما بين 1726- 1756، تولى بعده الإمارة أبنه المختار ولد اعمر ولد اعلي الذي حكم ما بين 1756- 1771، وتولى بعده أخوه اعلي الكوري ولد أعمر ولد اعلي الذي حكم ما بين  1771- 1784 (قتله جيش المامي عبد القادر: أحد أمراء الدولة الدينية في فوتاتورو المتحالف مع إمارة البراكنه). تولى بعده الإمارة ابن أخيه محمد الجواد ولد المختار ولد أعمر، وذلك ما بين  1784- 1792، ثم تولى بعده الإمارة أخوه عاليت ولد المختار ولد أعمر في الفترة ما بين 1792- 1794، ثم تولاها بعده أخوه أعمر ولد المختار ولد أعمر ولد اعلي المعروف بـ"أعمر ولد كمبه" الذي حكم ما بين 1794- 1800، وتوفي في زهرة العمر دون أن يترك أي وريث بالغ من جميع أفراد أسرة أهل أعمر ولد اعلي

ثم يصل الحكم، في انقلاب أبيض، إلى أهل المختار الشرقي الذين عـُـرفت إمارتهم بـ"إمارة أهل محمد لحبيب".، وكان أعمر ولد المختار ولد الشرقي ولد هدي أول من حكم منهم في الفترة ما بين 1800-1829.

وكان امحمد ولد اعلي الكوري ولد أعمر ولد اعلي أول بالغ من أسرة أهل أعمر ولد اعلي يقود معارضة مسلحة ضد حكم أعمر ولد المختار (ولد الشرقي)، فحاول، خلال أيام مشهودة، استرداد الحكم، واستنجد في سبيل ذلك بحلفاء من داخل قبيلته، ومن أبناء عمومتهم أولاد دمان، ومن أصهاره إدوعيش خاصة في عهد الأمير محمد ولد امحمد شين.

وتولى الإمارة بعد أعمر ولد المختار ابنه محمد لحبيب الذي حكم في الفترة ما بين 1829-1860، وقتل من قبل أبناء إخوته في محاولة انقلابية فاشلة، ليتولى الحكم من بعده ابنه سيدي ولد محمد لحبيب الذي تأمّر في الفترة ما بين 1860-1871 وسقط قتيلا في انقلاب دبره أخوه أحمد سالم (الأول) ولد محمد لحبيب. وقد عرفت فترة إمارة أحمد سالم، الممتدة لثلاث سنوات، مناوشات ومعارك طاحنة مع أخيه أعلي (ابن اجّمبت: ملكة الوالو) انتهت بقتل الأول في شهر مايو 1873، ليستتب الحكم لأخيه الأمير اعلي ولد محمد لحبيب الذي قتل سنة 1886 في انقلاب دبرته جماعة من أولاد أحمد بن دامان من ضمنها أبناء أخيه خاصة أحمد الديد (الأول) ولد سيدي ولد محمد لحبيب ومحمد فال ولد سيدي ولد محمد لحبيب. وهنا أخذ محمد فال ولد سيدي السلطة الأميرية سنة 1886 في جو مضطرب لم يشهد استقرارا حتى قتل بعد أربع سنوات (سنة 1890) على يد ابن عمه أحمد سالم (الثاني) ولد اعلي (الملقب بياده)، وقيل ان محمد فال تنازل عن الإمارة لعمه أعمر سالم قبل مقتله، وإن تأكد ذلك يكون أعمر سالم قد حكم من 1890 إلى  حين مقتله في إحدى معارك الصراع على السلطة سنة 1893. ثم استتب الأمر للأمير أحمد سالم ولد اعلي (بيّاده) من 1893 حتى اغتيل سنة 1905 على يد جماعة يقودها أحمد الديد (الثاني) ولد محمد فال ولد سيدي ولد محمد لحبيب.

في هذه الفترة بالذات دخلت الإمارة في العهد الفرنسي، فتأمر أحمد سالم ولد ابراهيم السالم وأحمد الديد ولد محمد فال بالتزامن تقريبا، حتى توفي أحمد سالم سنة 1929، لتبقى الإمارة عند أحمد الديد ولد محمد فال ولد سيدي حتى يوم وفاته سنة 1944، ويرثها منه ابنه محمد فال (ولد عمير)، ثم تعود لعقب أحمد سالم ولد ابراهيم السالم (ممثلا أولا في احبيب ولد أحمد سالم).

في هذه الظروف، كانت المصالح الاقتصادية، المتمثلة في تجارة الصمغ وما تدره من ضرائب، وفي الإتاوات والإكرامات الممنوحة من قبل الفرنسيين والوسطاء التجاريين، قد طغت على كل الجوانب الأخرى، فتفكك، شيئا فشيئا، حلف أهل أعمر ولد اعلي تبعا لموازين القوة، وقلّ عددهم هم أنفسهم، ولم تنجح محاولات امحمد ولد اعلي الكوري في استعادة السلطة بالقوة، إلا أن أهل أعمر ولد اعلي، رغم كل ذلك، ظلوا يتمتعون بوزن كبير وبمكانة قوية جعلت حضورهم في الإتاوات والإكرامات بارزا، بل ظلوا يرفضون التنازل عن نصيبهم تحت أي ظرف. في هذا السياق يظهر الشاب المختار ولد امحمد ولد اعلي الكوري الذي ترك له والده أمجادا داخلية، وعلاقات كبيرة خارجية، وأموالا طائلة في عاصمة المصالح الفرنسية الإفريقية: سان الويس.

لقد مات عنه والده وتركه يتيما، فتربى في سان الويس (اندر) حيث عقاره وأمواله، وحيث عايش الفرنسيين (وكان يتكلم الفرنسية بطلاقة، كما كان يلبس الزي الفرنسي بإتقان، ويضع ربطة العنق تماما مثلما يضعها الأوربيون). وقد وصفته وثائق المستعمر بأنه شاب وسيم ذو طباع حضرية راقية لا يتحلى بها أي بيظاني حينها.

وكان هذا الشاب، المولود بين 1810 و1815، يسعى لاسترداد السلطة على خطى والده امحمد ولد اعلي الكوري وأبناء عمومته أولاد أعمر ولد اعلي الذين لم يبق منهم أي بالغ عندما توفي آخر أمرائهم أعمر ولد المختار ولد أعمر ولد اعلي الملقب أعمر ولد كمبه. إلا أن جملة من الظروف لم تساعده في مسعاه، من بينها:

أولا: صغر سنه، فقد بحث عن الإمارة وهو بعد لم يبلغ الـ 18 من العمر.

ثانيا: تفكك القوة التي كانت تساند ذويه من أولاد أحمد بن دمان وأولاد دمان وأخواله إدوعيش الذين أتوا مرتين بخيلهم ورجلهم وقاتلوا في أقصى الجنوب، لكنهم فشلوا في استعادة الحكم لابن ابنتهم وإن انتصروا في إحدى المعركتين اللتين شاركوا فيها إلى جانب والده امحمد وأنصاره الدامانيين: معركة أفجار سنة 1817 ومعركة أباخ (الصطاره) في ذات السنة 1817.

ثالثا: ميول الفرنسيين إلى الأسرة الحاكمة الجديدة لاعتبارات من أهمها أن مصلحتهم تقتضي التعامل مع جهة واحدة وزعيم واحد، بالإضافة إلى ما استشفوا من قلة حظوظ الأسرة الأميرية الأولى في استرجاع عرشها.

رابعا: قبوله للتنازل عن المطالبة بالإمارة (لفقدان السند الداخلي والخارجي)، ورفضه المطلق البات للتنازل عن المصالح والإكرامات التي كانت من حق أجداده على ضفة النهر (كالإتاوات، والتعويضات عن توقف القوارب التجارية والمزايا المادية التي تمنحها سلطات سان الويس)، الأمر الذي شكل مساسا بهيبة الإمارة وبجزء من سلطاتها وبعض مصالحها الحيوية، فكان لابد لها أن "تتصرف" بشكل أو بآخر، خاصة أن الأمير الشاب يعتبر، وربما يعتبر بعض أبناء عمومته المباشرين، أن التنازل عن المزايا الخاصة بهم سيكون بمثابة التخلي عن جزء آخر من أمجادهم أو عن النصيب المتبقي من سيادتهم (بعد أن أجبرتهم الظروف على التخلي عن السلطة).

خامسا: المؤامرات الداخلية والشراك التي وضعت للشاب فوقع فيها دون أن يحسب عواقبها، ومن أبرزها عملية قتل التاجر جاك موليفار: صديق والده وصاحب المكانة الكبيرة لدى الفرنسيين، ما جعل فرنسا تعتبر أنها إن لم تقتل قاتله ستخسر هيبتها وسمعتها لدى سكان المنطقة، فكان لابد لها من استدراج الشاب إلى اندر لتجعل منه مثالا تروع وتردع به كل من يحاول المساس بمواطنيها وحلفائها. وعند القراءة المتأنية لما بين سطور الوثائق الفرنسية، نكتشف أن الإمارة شاركت في عملية الاستدراج تلك لأن الشاب أظهر قدرات فائقة على المنافسة، ولأنه ينبئ بمستقبل واعد قد يهدد أركانها ولربما تمكن، بحنكته وشجاعته وعلاقاته وثرائه المادي وما لديه من مقومات التفاهم مع الفرنسيين، من انتزاع السلطة وإعادة الإمارة إلى نسختها الأولى.

إذن قـُتل التاجر الخلاسي سنة 1831 على يد المختار ولد أمحمد ولد إعلي الكوري، أو على يد أبناء عمومته أولاد أعلي بوشارب، أو على يدهم جميعا (انطلاقا من شهادات مختلفة تم الإدلاء بها خلال جلسات المحاكمة المنعقدة في سان لويس سنة 1832)، أو قتل بحضور الشاب المختار وتمت فبركة التهمة لجره إلى المشنقة (فهو يحرج الإمارة لأنه يطالب بنصيب من الدخل، ويحرجها لأنه مهيأ لقيادة التناوب السياسي، ويحرج فرنسا لأنه يفرض إتاوات وإكرامات مضاعفة على اعتبار أنها تدفع نفس الإتاوات والإكرامات للإمارة، ويحرجها لأنه يشكل قطبا ثانيا، وفرنسا تعتبر أن مصالحها تقتضي التفاوض والتعاطي مع قطب واحد). وهكذا وجهت له التهمة، وحكم عليه بالإعدام، ونفذ فيه الحكم رميا بالرصاص، ليكون بذلك أول بيظاني يحاكم محاكمة عصرية مكتملة الأركان: من رئيس محكمة، مرورا بالقضاة، فممثلي النيابة، إلى المحامين، والشهود، وبذلك يكون أيضا أول بيظاني يصدر عليه حكم بالإعدام وينفذ فيه رميا بالرصاص. علما بأن بعض أعضاء المحكمة أصيبوا بحزن شديد وإحباط كبير إثر تنفيذ الإعدام في الشاب المختار لأنه، بالنسبة لهم، أعدم على خلفية أحداث وقعت وهو بعد لم يصل سن البلوغ القانوني (كان سنة 1931 في حدود الـ 16 من العمر، وإن حاول رئيس المحكمة تقديم أدلة غير مؤصلة على أنه في حدود الـ 21 سنة)، كما يعتبره بعض الفرنسيين من أقرب البيظان إلى نمط حياتهم العصرية، وأنه يتكلم لغتهم بطلاقة، ويمكن التفاهم معه أكثر من غيره، بالإضافة إلى أنه ضحية لمؤامرة تروزية-فرنسية بشعة لم يفهم أبعادها لصغر سنه.

ومهما يكن، فإن ملفه يظل نقطة سوداء في جبين العدالة الفرنسية، سيجد، في يوم من الأيام، من يرفع اللبس عن قضيته ويفكك ألغازها وطلاسمها. كما سيظل مفخرة تروزية لأنه، وإن أنكر التهمة، رفض التنازل عن مصالح ذويه، ورفض المساومة في حقهم على المراسي والمراكز التجارية، ورفض الخضوع لسلطة لا تقبل به شريكا، وذهب إلى مكان الإعدام متماسكا بخطى واثقة حسب شهادات الفرنسيين أنفسهم.

محرر زاوية "تاريخ مغيّب"في صحيفة ناواكشوط

 

 

الحلقة الثانية من تفاصيل الملف حسب ترجمة الأستاذ سيدي ولد متالي

... فمنحوه قوة حقيقية و إن كانت تلك القوة قد وُضعت تحت أيادٍ سيئة مما كرس خطورتها..
و مع أنه كان للأمير محمد لحبيب أبناء و إخوة تمْكنهم خلافته في الإمارة.. فإن المختار، وريث الأمراء القدامى، كان يعتبر نفسه و تعتبره طائفة عريضة من القبيلة ولي العهد المفترض لهذا العرش الذي سُلب من والده على يد الملك الحالي لترارزه..
تلكم هي، سادتي، القوة الحقيقية للمختار.. و يمكنكم من خلال ذلك أن تتفهموا ببساطة كيف أن رجالا يرمون إلى أن ينتقموا انتقاما خاصا يريدون البحث عنه ليدفعوا به، بوصفه قائدا ساميا، لإعلان الحرب فجأة ضد السنغال.. فجعلوا منه بديلا يعولون عليه للوقوف أمام قوانيننا التي هي أشد صرامة و صدقية .. و لا يمكن تجاوزها.. كقوانينهم...
و لكن.. لماذا قبل المختار هذه المهمة القذرة التي أقحم فيها.. خاصة أنه لم تكن له مصلحة شخصية في الانتقام لإعلي { ول بوشارب}؟
{ الإجابة على هذا السؤال} تكمن، سادتي، في طموح المختار و تطلعه إلى الاستيلاء على العرش.. و لكي يمتلك امتيازاتٍ تُخوله الوصول إلى أشياء أهم.. مما دفعه إلى تصرفات متهورة.. لم تُمْل عليه إلا خدْعات بائسة {تمثلت} في اغتيال صديق من أجل إضرام حرب بين السنغال و ترارزه، إن حالفه الحظ في ذلك فهي فرصة كي يستعيد عرش أسلافه..
هذا هو دافع الانتقام الذي ينظر له آخرون و يسندون تنفيذه إلى المختار..
إنها مصالح سُلطوية و طموح يُبحث عنه بمغامرات لا تليق بشخصية شريفة..
ذلكم، سيداتي، هو السبب الحقيقي للجريمة التي نتابع صاحبها..
ها هو، حسب تصورنا، ما جعل من المختار وحشا قاتلا بدلا من أن يكون بطلا..
و هو ما يستدعي اليوم كل الحرص على توقيفه.
لقد كنتم شاهدين، سيداتي، على مستوى انحطاط القيم الذي تكرسه هذه التصرفات التي سردتُ لكم تفاصيلها..
إن كل هذا الشعب الذي يبدو اليوم مسالما, و الذي ينتظر بكل ثقة الحكمَ الذي ستصدرونه.. كل هذا الشعب على استعداد للخروج من اجل الانتقام لموت المسكين ماليفوار.. و لا بد من منعهم من ذلك لأن حربا، و أكررها، بين ملك ترارزه و السنغال هي بالضبط ما يصبو إليه المختار بكل ما أوتي من دهاء و ينبغي أن نكون حريصين كل الحرص على الوقوف ضد رغبته تلك..
لقد توبع هجوم الأمير و المتمالئين معه باعتباره جريمة سطحية.. و عندما طلبنا من أمير ترارزه {محمد لحبيب} تسليمهم أو طردهم من أرضه و تجريدهم من امتيازاتهم و حقوقهم لديه.. أبدى عجزه الحقيقي أو المفترض عن ذلك.. بينما منع والي السنغال المسمى المختار من إكرامياته..
و ستسمعون، سادتي، حول هذه النقطة و عن تفاصيل هامة قراءة لشهادة مكتوبة من الوالي نفسه جوابا على الأسئلة التي تظن أنه ينبغي طرحها على ممثل الملك هذا.. و هي في شكلها صيغها اللائقة و المنصوص عليها للمستعمرات الأخرى.. و التي ينبغي أن تطبق في السنغال..
و المختار مُدرج بالفعل في قوائم ترارزه.. و لا نريد استباق الأحداث لنطلعكم على السبب منذ الآن.. وول ككن قلقله من فقدان إكرامياته، و هو آخر دوحة عرش أسلافه.. و رغبته الجامحة في الحصول على هذه الوسيلة الوحيدة لضمان قوته و إشباع رغباته دفعته إلى المجيء ل سان لويس لكي يمثل أمام الوالي و يطالب باسترجاعها...
خاطب المختار الوالي بعبارات نابية.. و سيحكم المجلس في ما يخص خروجها عن حدود اللباقة.. و ذلك بعد قراءة الرسالة التالية المكتوبة باللغة العربية و التي ترجمها السيد" آلانه"، عدة سان لويس.. { نشرنا رسالة المختار في الحلقة الأولى...}..
إن رسالة مثل هذه لا يخفي فيها المتهم تهديده المُغشى بالعبارات الخطابة المعسولة لتجعل المرء يقلع عن كل مظاهر الباقة مع صاحبها.. و هو ما تم بالفعل...
و عندما فوجئ { المختار} في حي "كِت إندر" سلمَ نفسه طواعية للفرقة التي جاءت لتوقيفه.. و صرح أنه لم يأت إلا لكي يبرئ نفسه من الجريمة التي ألصقت به و يبحث عن إكرامياته..
و ستستمعون، بعد قليل، إلى شهادة الشهود على كل هذه الوقائع التي تحدثنا عنها آنفا..
أيها السادة.. إن تكييف الملف الذي قام به رئيس المحكمة الابتدائية قاد إلى ظروف و مستلزمات ستساعدكم على الحكم { في هذه القضية}..
ف{هذا} المتهم.. إما أن رجالا يعرفون قوانيننا استطاعوا أن يجدوا له منفذا كي يسدوا له نصائح عندما كان، افتراضا، في الخفاء..
و إما أن حذره و دهاءه الطبيعيين خولاه وسيلة للاتصال بقضاته.. و أخيرا.. إما أنه، و إن كان ذلك حقا، في اعتقادي، أنه أعلن منذ بداية المحاكمة أن سنه لا تتجاوز سبع عشرة سنة.. و قام، اللحظة، بتأكيد ذلك أمامكم.. و هذا يُفضي على أنه لم يتجاوز السادسة عشرة عند ارتكاب الجريمة.. و بهذه المناسبة.. فإذا قبل ذلك عند المجلس.. فإنه سيثير إشكالية اختصاص المحكمة..
و كما تعلمون فإن المتهم الذي لا يتجاوز ست عشرة سنة، و المرتكب لجريمة تقتضي عقوبة الإعدام لا يدان في قوانيننا و كما تعلمون فإن المتهم الذي لا يتجاوز ست عشرة سنة، و المرتكب لجريمة تقتضي عقوبة الإعدام لا يدان في قوانيننا إلا بعقوبات تأديبية بسيطة..
و خدمة للمجتمع الذي نمثله.. و للحق و للعدالة.. و من أجل تكييف هذه القضية، فإننا سنلزم المختار، إذا تمادى في القول إن عمره، بالفعل، 17 سنة، فإذا أجاب بالإيجاب على ذلك.. ألزمناه أن يحضر شهودا لكي يسمعوكم شهادتهم و يدلوا بحججهم على ذلك..
و من جانبنا فقد استدعينا شهودا من أجل إثبات العكس..
بقي لنا الآن أن نلتمس من المحكمة أن تأمر بإجراء ها التحقيق أمامها قبل الاستماع للشهود الآخرين.. و تُقر نتائجه و تلحقها بوصفها مُلحقاتٍ بالملف الأصلي للمحكمة الجنائية لكي يبت في ذلك خلال جلسة واحدة..
و لكي لا يخامركم شك، أيها السادة، في حقنا أن نوجه لكم ملتمسات، و في اختصاص المحكمة الجنائية في قضايا الدولة.. اسمحوا لنا أن نطلعكم على ما نص عليه القانون الفرنسي في هذه النقطة..
تنص المادة 46 من القسطرة المدنية على ما يلي:
"
إذا لم يوجد سجل أو ضاع السجل فإن الدليل يؤخذ من الأسرة أو من الشهود.. و في هذه الحالة فإن عقود الزواج و الميلاد و الوفاة... تثبت بالتصريحات و الوثائق الصادرة عن الآباء أو الأمهات.. و مثلهما في ذلك الشهود".
و إذا كان هذا الدليل مسموحا به في فرنسا فإنه من المناسب اعتماده من طرف الأجانب الذين لم تصلهم،قط، المدنية الحديثة....
يتواصل..

تابعونا على الشبكات الاجتماعية