لا أتذكر أنني زرت "المرابطون" يوما. غير أن من شرفته الأقدارُ بالسفر مع طواقمها يكون كمن زارها المرات تلو المرات. إنهم يعطونك الانطباع بأن الهيئة التي أنجبتهم أو أنجبوها يستحيل أن تكون من طينة "الأخريات".
.
في الطريق إلى الفيفاء اللامتناهي، حيث الغبار والإعياء والأحلام الجميلة، هناك على هضبة لحماده، أو في شعاب "الزمور الأكحل"، يضاحكك، يداعبك، يحادثك، يفيدك، يعلمك، يخدمك، يبجلك، ينير مساءاتك ويعلل صباحاتك فتية كلهم نشاط وحيوية ومهنية وشرف وكبرياء متواضع. من المحرر، إلى المراسل، إلى المصور، لا فرق بين أعضاء فريق "المرابطون": نفس الانضباط، نفس الخلق الرزين، نفس الابتسامة، نفس الموضوعية، نفس الصراحة ونفس الكفاءة.
قرأت مرة مقالا للفتى المهذب محفوظ ولد السالك حول الغائب الحاضر إسحاق ولد المختار. ولا شك أنه وُفق أيما توفيق في وصف الرجل. لكن ما أثار استغرابي أن الكاتب محفوظ كان، في مقاله، كمن يصف نفسه بأدق العبارات: فلئن "أضحت الصحافة مجالا خصبا لكل من فشل في مختلف مناحي الحياة، إلا أن ذلك لم يمنع من وجود استثناءات ـ وإن قلــّـت ـ آمَنَ أصحابها بشرف هذه المهنة، واحترام أخلاقياتها وضوابطها التي أضحت مهجورة، وفوق كل ذلك من قدّروها حق تقديرها، ومنحوها ما تستحق من تضحية، وما تستلزم من شجاعة" على حد تعبيره.. ولنا هنا أن نتساءل: أيمدح الفتى المهذبُ نفسَه؟ تالله، لا.. لكنه أبدع في صنع مرآة صقيلة ناعمة فعكسته دون أن يدري، بل أكثر من ذلك، عكس بها صورة كل طواقم "المرابطون" كما عايشتهم وجربتهم في تلك الأسفار الشاقة الطويلة.
إن قناة تحلــّـت طواقـمُها بهذه الخصال لا يمكن أن تحترق استديوهاتها. كذب، إذن، من قال بأن استديوهاتها احترقت، فأولئك الفتية الأماجد سَـوّروا وحصّـنوا اسيتديوهات "المرابطون" بحيث يستحيل أن تحترق لأنهم اقتنوا مواد بنائها من ما يمكث "في الأرض".