لم ألتق في حياتي بالرئيس اعل ولد محمدفال، مع أني ـ بحكم عملي في الصحافة المركزية ومراسلا جهويا في معظم مناطق الوطن ـ التقيت بأغلب الضباط من جيله والجيلين بعده في الجيش الوطني. ولكني التقيت مباشرة بكثير من رفاقه وزملائه، وبكثير من ضباط الصف والجنود البسطاء الذين خدموا تحت إمرته.
.
وإلى سنة 2006 كنت أغلب الجانب "الشرير" في الرجل، بدون أي سبب واقعي أو مبرر حقيقي (وهذه حالة ليست نادرة فينا)!
ربما كان منصب الرجل مديرا للأمن الوطني عشرين سنة في نظام بوليسي قمعي فاسد ومفسد... كفيلا بتلويث سمعة الأولياء والأصفياء، فضلا عن ضابط "مستغرب" حتى النخاع. كما أن وجوده في هذا المنصب "الرفيع" في معمعان انتشار الفساد وخراب الذمم وألفة الدرهم والنفوذ بين ضباط الحكم... هو شبهة أخرى تلاحق الرجل لا محالة.
ولكن ما سمعت من الضباط والجنود؛ ومنهم من يكره الرجل لذلك، ولأسبابه الخاصة... هو أنه كان ضابطا عسكريا ممتازا بكل المعايير؛ أظهر الشجاعة في القتال على عدة جبهات، وامتاز بالقوة والتواضع والدقة والوطنية في القيادة، ورعاية جنوده... في مختلف الوحدات والمناطق العسكرية؛ وخاصة في الظروف الصعبة جدا، التي هي مختبر الرجال الحقيقي!
أما ما رأيت أنا فكان لي مفاجأة أيضا، وهو فترة رئاسة الرجل وقيادته لمرحلة انتقالية نادرة، تم فيها تشكيل حكومة لها ـ بمقاييسنا المتواضعة طبعا ـ صفات الدولة من حيث مستوى الأشخاص والصلاحيات والتنسيق الحكومي...
وكانت إدارة الرجل ظاهرة المنزع الديمقراطي من خلال تنظيم انتخابات من أفضل ما تم في هذا البلد حتى الآن (رغم شوائبها وعيوبها الكثيرة).
أما واسطة العقد في حكم الرجل، فكانت في نظري أمرين بارزين: أحدهما نظري هو تعديل الدستور وتحصين مواد المأموريات بهذه الطريقة "المدرعة" التي أعيا "المهاجمين" قبل أسابيع اختراقُها، في النهاية!
أما الأمر الآخر فعملي، وهو تلك الصورة المتألقة التي بهرت العالم وأعادت الاحترام والتقدير لهذه الجمهورية عدة أشهر... عندما سلم هذا الضابط العسكري السلطة بسلاسة وإخلاص (لا تنسوا أن هناك تسليمات مسرحية سابقة ولاحقة!) وتوجه إلى شانه بشرف وأمانة كما يبدو(بالطبع كان من شركائه أو صنائعه من لم يعجبه ذلك فقطع أثره، مستغلا انسحابه "الكامل" من ميدان الصراعات على السلطة).
لم أتطرق هنا إلى أمور سلبية، يأخذها البعض على الرجل وأهمها قبوله، وربما دفاعه، عن استمرار العلاقات مع العدو الصهيوني. ونفوره من الاعتراف بحزب إسلامي، رغم فتح أبواب الحرية السياسية والإعلامية... لم أتطرق لذلك؛ لأنه لا ينفي ما ذكرت، ولأني لا أسعى لتزكية الرجل أو تلميعه، ولأن هناك من يرون أن هذا يحسب له لا عليه! لكونه كان ـ حسب هذا الرأي ـ شعورا منه "بالمسؤولية" وابتعادا من الدماغوجية والشعبوية الانتهازية! وهو وجه له اعتبار يجب أن يكون مقيدا ومؤقتا فعلا.
وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها * كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ
من صفحة محمد محفوظ أحمد