قبل أشهر وقف بنيامين نتنياهو يخطب بالكونغرس، ووقف الكونغرس مجتمعًا يصفّق مرة تلو مرة. ذهب نتنياهو وعاد من دون أن يتكبّد السلام على صاحب البيت الأبيض. وليس هناك من دليل - لمن يحتاج إليه - على الانقسام التاريخي بين تلة الكابيتول والبيت الأبيض أكثر من تلك الصفاقة المشتركة بين الضيف والمضيفين. واليوم إذ يقرُّ الكونغرس، أيضًا بالإجماع، مقاضاة السعودية للكارثة التي وقعت في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، نرى الفريقين في مواجهة أخرى.
.الفريق الذي يصنع سياسة أميركا من خلال رؤية شاملة إلى علاقاتها مع العالم، والفريق الذي يبني سياساته دائمًا على مصالح انتخابية واضحة تتعلق معظمها بالنفور الإسرائيلي. وكان أمين الريحاني قد كتب إلى الملك عبد العزيز أوائل الثلاثينات يقول له إن المعركة من أجل فلسطين يجب أن تُخاض هنا، وليس في الإمبراطورية البريطانية الآمنة، وقدم له نموذجًا عن الكلام الذي يقوله مرشحو مجلس الشيوخ من أجل إسرائيل التي لم تقم بعد.
بعد 11 سبتمبر صدرت ثلاثة «بيانات رسمية» تُعلن المسؤولية عن الجريمة: الأول إذاعة أسامة بن لادن المنزوع الجنسية السعودية، والثاني إذاعة الناطق باسم «القاعدة» سليمان أبو غيث، وهو كويتي منزوع الجنسية كذلك، والثالث إذاعة سيد البيانات والبلاغات المتتالية، وهو أيمن الظواهري، الذي تخلّى عن مصر وعن عائلته وعن مشاعره القومية، لكي يلتحق بأفكار تورا بورا وتنويرات جبال أفغانستان.
كيف توصل الكونغرس إلى أن السعودية هي المسؤولة عن تلك الجريمة الجماعية، وبالتالي تجب مقاضاتها؟ إذا كان من أعداد الإرهابيين، فهي حجة غير قائمة تحت أي قانون، خصوصًا أن الذين قادوا العمليات المجنونة، لم يكونوا من السعوديين. وقد سبق تفجير البرجين التجاريين، محاولة قام بها أحد الرُعناء بتدبير وأوامر من الشيخ عمر عبد الرحمن المصري، الفاقد البصر والبصيرة، والذي هو الآن في سجون أميركا، حيث يمكن لأهل الكونغرس الإصغاء إليه لمعرفة مدى تأثره بالفكر السعودي، وسجناء «القاعدة» الآخرين الذين لا بد أنهم استجوبوا لآلاف الساعات.
يخلط الكونغرس بين «لوكربي»، التي قام بها النظام الليبي، وبين كارثة البرجين. وعبثًا يبحث عن أدلة ما دام ليست هناك حقيقة. غير أن الواضح وجود رغبة في محاكمة الرؤية الدينية في المملكة. وهذا جدال عقائدي، لا سياسي ولا قضائي. وقد أقحم الكونغرس نفسه في متاهة بالغة التعقيد، ليس فقط في مواجهة السعودية، بل خصوصًا في مواجهة المؤسسات الأميركية الكبرى، التي كانت تسعى إلى نوع من الحوار الكوني مع الإسلام، فإذا بالكونغرس يحيل المسألة برمَّتها على الشرطة.
سمير عطا الله
*نقلاً عن "الشرق الأوسط"