لقد تابعتُ اليوم، ومن خلال موقع "بلوارميديا"، المقطع المثير من المؤتمر الصحفي الذي نظمته كتلة المعاهدة. ولقد خرجتُ بعد متابعتي لهذا المقطع بجملة من الملاحظات من أهمها
.
1 ـ لم تكن الطريقة التي تحدث بها الرئيس مسعود تليق به،
وفي اعتقادي بأن الرئيس مسعود قد أخطأ في حق نفسه، وأخطأ في حق المعجبين به، وأخطأ بالتأكيد في حق الصحفي عبد المجيد ولد إبراهيم، وعلى الرئيس مسعود أن يعتذر للصحفي ولنقابة الصحفيين، وذلك لأنه، وببساطة شديدة، كان قد أخطأ في حق هذا الصحفي الذي طرح سؤالا عاديا كان على الرئيس مسعود أن يجيب عليه بطريقة لائقة ومهذبة.
2 ـ يبدو أن الرئيس مسعود قد جاء إلى المؤتمر الصحفي وهو يحمل معه شحنة كبيرة من الغضب، وكان لابد لهذه الشحنة من أن تنفجر، سواء سأله الصحفي عبد المجيد أو لم يسأله. ويبدو أيضا أن الرئيس مسعود قد أصبح في السنوات الأخيرة سريع الغضب، لا يتردد في مدح نفسه أمام الناس، ومن المؤكد بأن ذلك لا يليق بشخص بحجم الرئيس مسعود. لا تليق به هذه العصبية التي أصبحت تلازمه كلما تحدث أمام الملأ، ولا يليق به أن يزكي نفسه وأن يمدحها أمام الناس، خاصة وأن الناس لم تبخل عليه يوما بالمدح.
3 ـ على الرئيس مسعود أن يعلم بأن عطاءه السياسي قد بلغ منتهاه، وبأنه لم يعد بإمكانه أن يزيد من رصيده السياسي، فهناك أمور كثيرة قد تغيرت في هذه البلاد، ولا داعيَّ لذكرها هنا. وعليه أن يعلم بأن إصراره على مواصلة العمل السياسي لن يكون له من الفوائد إلا أنه سيجبره على أن يستهلك ما تبقى من رصيده السياسي الذي كان قد بذل من أجل تحصيله جهدا كبيرا استمر لعقود من الزمن.
على الرئيس مسعود أن يعلم بأن الاستثمار المباشر في السياسة لم يعد مربحا بالنسبة له، ولكن، وفي المقابل، فإن هناك مجالا واعدا، لو استثمر فيه الآن الرئيس مسعود لحقق مجدا عظيما، ولارتفع مكانا عليا سيكون من الصعب أن يصل إليه أي زعيم موريتاني آخر.
لقد ناضل الرئيس مسعود ضد العبودية نضالا مشهودا، ولقد حمل مشعل هذا النضال في الماضي، وعليه أن يحمله في الحاضر. وإذا كان الماضي قد استوجب أن تُمنح الأولوية للنضال الحقوقي و السياسي ضد العبودية، فإن الحاضر يتطلب أن تمنح هذه الأولوية للنضال الاجتماعي والتنموي ضد العبودية. لقد آن الأوان لأن يقود أولئك الذين قادوا في الماضي النضال الحقوقي والسياسي ضد العبودية، أن يقودوا في الحاضر والمستقبل النضال الاجتماعي والتنموي ضد العبودية، والذي لا شك أن الكل لا يزال يصر على أن يتقاعس عنه.
إن الرئيس مسعود هو اليوم الأكثر جدارة وتأهيلا لحمل لواء النضال التنموي ضد العبودية، كما حمل بالأمس لواء النضال السياسي ضد العبودية. على الرئيس مسعود أن يبتعد قليلا عن العمل السياسي المباشر، وعليه أن يطلق الآن "مؤسسة مسعود للتنمية الاجتماعية"، وهو بلا شك، وبحكم مكانته الوطنية والدولية سيجد لتلك المؤسسة تمويلا كافيا، إن هو قرر تأسيسها. وهنا ألتزم للرئيس مسعود بأني سأكون من أول المتطوعين لمؤسسته الاجتماعية إن تم تأسيسها، وسأكون ممن سيساهم في وضع التصورات والبرامج لهذه المؤسسة المنتظرة.
4 ـ لا يمكن أن نطلب من الرئيس مسعود الاعتذار دون أن نطلب أيضا من نقابة الصحفيين أن تعتذر هي أيضا عن أخطائها. فإذا كان الرئيس مسعود قد أخطأ في حق صحفي، فإن العديد من الصحفيين المنخرطين في هذه النقابة، وفي غيرها من النقابات والتجمعات الصحفية، كانوا قد أخطؤوا في حق الكثير من الموريتانيين، وعليهم أن يعتذروا عن ذلك. وإذا ما اقتصرنا على القناة التلفزيونية التي تمت الإساءة على الصحفي العامل بها خلال المؤتمر الصحفي للمعاهدة، فإنه يمكننا أن نقول بأنه في هذه القناة كان قد أسيء إلى العلماء، وإلى كل شرائح المجتمع من قبل ضيوف تتعمد هذه القناة على استضافتهم، وذلك رغم أنهم غير مؤهلين ـ أخلاقيا وعلميا ـ لأن يستضافوا في برامج مباشرة تناقش قضايا حساسة جدا.
ففي هذه القناة أسيء وفي أكثر من مرة لكل شرائح ومكونات المجتمع فوصفت شريحة البيظان ب "لَبَيْظان" وبالبربر. وفي هذه القناة تم تكفير موريتانيين في برامج مباشرة. وفي هذه القناة قد قيل وفي برنامج مباشر بأن "لمعلمين" لا يمكن أن يخرجوا من أصولهم اليهودية التي وضعهم فيها المجتمع، وبأن عليهم أن يقبلوا بأن يكون يهودا مقابل الشرفاء في هذه البلاد، وبأنه علينا كمجتمع أن نجعل منهم جالية مسلمة من أصول يهودية نضغط بها على العالم ونستفيد من المساعدات التي ستمنح لها!! وفي هذه القناة هناك من طالب بأن نستنجد بدول الخليج، وبكل من قتل منهم نفسا وأراد أن يعتق رقبة، وأن نسمح له بأن يعتق رقبة من رقاب موريتانيا، وأن نؤسس صندوقا خاصا من تلك الأموال المتحصلة من عتق الرقاب!! وفي هذه القناة تحدث أحدهم باسم "البيظان" وخاطب الشرائح والمكونات الأخرى بما لا يليق. تلكم كانت مجرد أمثلة من الإساءات المتكررة التي يرتكبها الصحفيون وضيوفهم في حق كل شرائح ومكونات هذا المجتمع، ومع ذلك فإننا لم نسمع بمن يطلب اعتذارا من هذه القناة، ولا من صحفييها، ولا من ضيوفها.
الطريف في الأمر أن أحد ضيوف القناة المبجلين، كان قد أساء إلى الصحافة ـ كل الصحافة ـ في برنامج مباشر، ووصفها بالحقيرة، وأصر على ذلك الوصف ورفض أن يعتذر عنه، ورغم ذلك فإننا لم نسمع عن بيان للنقابة تطالب فيه بالاعتذار من هذا "الناشط الحقوقي".
أعلم بأن البعض منكم سيقول بأن هذا "الناشط الحقوقي" لا يمكن أن يقارن بالرئيس مسعود، ولا أن تقارن أخطاؤه بأخطاء الرئيس مسعود. هذا كلام صحيح، ولكن لا تنسوا أن الصحفيين هم من أعطى لهذا "الناشط الحقوقي" مكانة تعادل مكانة الرئيس مسعود إن لم تكن أرفع منها، ولذلك فعليهم أن يساووا بين أخطاء الرجلين، ويوازنوا بين ردة فعلهم عند التعامل مع تلك الأخطاء.
حفظ الله موريتانيا..