خلص تحقيق استغرق سبع سنوات ونشرت نتائجه يوم أمس الأربعاء إلى أن تبرير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير وتخطيطه لحرب العراق وتعامله معها ينطوي على العديد من الإخفاقات فيما يمثل حكما قاسيا على دور بريطانيا في الصراع.
.ووجد التحقيق أن بلير قال للرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش قبل ثمانية أشهر من غزو العراق عام 2003 إنه سيدعمه "أيا كان الأمر" وفي نهاية المطاف أرسل 45 ألف جندي بريطاني إلى المعركة بينما لم تكن الخيارات السلمية قد استنفدت.
وبعد مرور أكثر من 13 عاما على الغزو لا يزال العراق في حالة من الفوضى، ويسيطر تنظيم داعش على أجزاء كبيرة من أراضيه. وأعلن التنظيم المتشدد المسؤولية عن الهجمات على مدن غربية.
ويريد الكثير من البريطانيين أن يواجه بلير محاكمة جنائية لقراره القيام بعمل عسكري تسبب في وفاة 179 جنديا بريطانيا وأكثر من 150 ألف مدني عراقي في السنوات الست التالية.
ويقول منتقدون إن التدخل البريطاني عمق أزمة الثقة في الساسة والمؤسسة الحاكمة. وصدر التقرير بعد 13 يوما من توجيه البريطانيين ضربة قاصمة لزعمائهم السياسيين بالتصويت لصالح ترك الاتحاد الأوروبي.
وأتيح للجنة التحقيق الاطلاع على وثائق حكومية سرية بصورة لم يسبق لها مثيل واستغرق استكماله وقتا أطول من المشاركة البريطانية في الصراع. وقالت اللجنة في تقريرها إن بلير اعتمد على معلومات مغلوطة وترى أن الطريقة التي تمت إجازتها بها قانونيا غير مرضية.
وقالت اللجنة إنه جرى التضخيم من شأن التهديد الذي مثلته أسلحة الدمار الشامل التي كان من المعتقد أن صدام حسين يمتلكها وهو التبرير الأصلي للحرب وإن التخطيط لتداعيتها لم يكن كافيا.
وقال رئيس اللجنة الموظف الحكومي السابق جون تشيلكوت "إنه كشف حساب لتدخل شابته الكثير من الأخطاء لا تزال عواقبه مستمرة حتى اليوم."
وفي دفاع مطول استمر لساعتين تقريبا شرح بلير قراره مساندة بوش وخوض الحرب دعما للولايات المتحدة في مارس آذار 2003 بينما وجد التحقيق أن صدام لم يمثل تهديدا وشيكا.
وبلير هو رئيس الوزراء الوحيد من حزب العمال الذي فاز بالانتخابات العامة ثلاث مرات وشغل المنصب لمدة عشر سنوات حتى عام 2007 وتمتع بشعبية كبيرة في أوج مجده لكن حرب العراق أضرت بشعبيته كثيرا.
وقال بيان أصدره فريدي فورد المتحدث باسم بوش إن الرئيس السابق لم تتح له الفرصة لقراءة التقرير لكنه دافع عن هدف الحرب وهو الإطاحة بصدام.
وأضاف البيان "على الرغم من الإخفاقات المخابراتية والأخطاء الأخرى التي اعترف بها فيما سبق فإن الرئيس بوش ما زال يعتقد أن العالم بأسره أفضل بدون صدام حسين في السلطة."
وسلط التقرير الضوء على ما حدث بين بلير وبوش في الأشهر التي سبقت غزو مارس آذار 2003 وهو الأمر الذي ظل لفترة طويلة موضع تكهنات بشأن صفقات ووعود سرية.
وفي مذكرة مؤرخة في 28 يوليو تموز 2002 أي قبل الغزو بثمانية أشهر قال بلير لبوش "أنا معك أيا كان الأمر. لكن هذا هو وقت تقييم الصعوبات بصراحة."
وخارج المبنى الذي أعلن فيه تشيلكوت نتائج التحقيق هتف محتجون "توني بلير مجرم حرب" لكن التقرير نفسه لم يذهب إلى حد قول إن الحرب كانت غير مشروعة.
"انتهينا إلى أن الظروف التي تقرر خلالها أن هناك أساسا قانونيا للتحرك العسكري لم تكن مرضية على الإطلاق."
وقال ريج كيز والد الجندي توماس كيز (20 عاما) وهو واحد ممن قتلوا "نعلم جميعا اللاعبين الرئيسيين... الذين شاركوا في أكثر الحلقات فوضى في السياسة البريطانية. نود أن يواجه كل هؤلاء اللاعبين الرئيسيين شكلا من أشكال المحاسبة."
وأضاف "إذا كان هذا من خلال القنوات القانونية فإننا سندرس ذلك ونرى ما هو ملائم وقابل للتنفيذ. تمت إحالة الأمر للمحامين."
* حزن بلير
قال بلير إنه كان سيتخذ نفس القرار مرة أخرى وإنه لا يرى أن القرار هو سبب الإرهاب الموجود اليوم وألقى باللوم على قوى خارجية في استمرار العنف الطائفي في العراق وعلى إرث الربيع العربي في ظهور متشددي تنظيم الدولة الإسلامية.
لكنه أقر بارتكاب أخطاء.
وقال بلير "تبين أن التقييمات التي قامت بها المخابرات وقت خوض الحرب خاطئة. تبين أن التبعات أكثر عدائية وأطول مدة وأشد دموية مما كان يمكن أن نتصوره على الإطلاق."
وأضاف "من أجل كل هذا أعبر عن مزيد من الأسف والندم والاعتذار أكثر مما تعتقدون."
وقال تشيلكوت إنه لم يكن هناك تهديد وشيك من صدام وقت الغزو وإنه كان يجب توقع الفوضى التي عمت العراق والمنطقة فيما بعد.
وقال التقرير إن بريطانيا انضمت لغزو العراق دون أن تستنفد الخيارات السلمية وإنها بإقدامها على ذلك قوضت سلطة مجلس الأمن الدولي.
وقال تشيلكوت "أصبح من الواضح الآن أن السياسة بشأن العراق وضعت على أساس معلومات مخابراتية وتقييمات مغلوطة لم يتم الاعتراض عليها رغم أنه كان يجب أن يحدث ذلك."
وأضاف أن تقديرات حكومة بلير للتهديد الذي مثلته أسلحة الدمار الشامل العراقية "طرحت بثقة غير مبررة."
ولم يتم العثور على أسلحة من هذا النوع بعد الحرب.
وطوال التقرير انتقد التحقيق الذي تكلف عشرة ملايين جنيه إسترليني (13 مليون دولار) قيادة بلير وقال إنه غالى في تقدير قدرته على التأثير على القرارات الأمريكية بشأن العراق واتخذ قرارات هامة دون التشاور مع حكومته.
* لا نجاح استراتيجي
شمل التقرير قائمة بالأخطاء وقال إن الحرب كانت سيئة الموارد وسيئة التخطيط وفي الاضطرابات التي تلت الغزو كان هناك فشل كامل في إجراء إعادة تقييم للسياسات وكان الهدف الاستراتيجي الوحيد خفض أعداد القوات.
وقال التقرير "لم تصل (الحرب) مطلقا إلى نجاح استراتيجي."
وقال تشيلكوت إن بريطانيا لم تملك القدرة على المشاركة في حملات في العراق وأفغانستان وقال إنه كان من المذل أن يضطر الجيش في عام 2007 إلى إبرام اتفاق مع ميليشيا باتت مهيمنة على مدينة البصرة في جنوب العراق التي كان يفترض أنها خاضعة لسيطرة بريطانيا.
وما زال العراق يكافح عنفا منتشرا منذ الحرب. وقُتل 250 شخصا يوم السبت في أسوأ تفجير بسيارة ملغومة تشهده العاصمة العراقية بغداد منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.
وقال كاظم حسن الجبوري وهو عراقي صور وهو يحطم تمثال صدام بمطرقة بعد الغزو "أتمنى أن يعود صدام. هو أعدم الكثير من أقربائي لكن يبقى أحسن من هؤلاء السياسيين ورجال الدين الذين أوصلوا العراق للوضع الذي هو به."
ولآخرين عانوا في عهد صدام وجهة نظر مغايرة وقال بعض هؤلاء إنهم "يشعرون بالامتنان" لحكومتي واشنطن ولندن لإنهاء حكمه.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعد إعلان نتيجة التحقيق يوم الأربعاء "لا يمكن أن نعود بالزمن إلى الوراء لكن يمكننا أن نضمن استيعاب الدروس والتعامل معها."
وقال جيريمي كوربين زعيم حزب العمال الحالي للبرلمان إن الحرب عمل عدائي استند إلى ذريعة كاذبة وساعدت في إذكاء الإرهاب وانتشاره في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط