عبر الصحراء الموريتانية تتم عمليات تهريب للسلاح من جميع الأنواع إلى داخل بلاد شنقيط ومنه إلى دول الجوار. جماعات مسلحة بعضها "إيديولوجي"، وعصابات للمهربين احترفت التكسب من وراء السلاح الذي ينشر الفوضى والقتل، ويوقف النشاط الإقتصادي، في حرب مفتوحة عبر الصحراء الشاسعة.
.كيف يتم تهريب السلاح إلى موريتانيا؟ للإجابة على هذا السؤال لجأنا إلى عدد من الخبراء الأمنيين الذين أجمعوا على أنه يتم تهريب الأسلحة عبر الحدود المترامية غير المراقبة والفاصلة بين موريتانيا وكل من المغرب والسنغال ومالي والجزائر. فيما يزيد من انتشار السلاح داخل موريتانيا وجود تنظيمات مسلحة قريبة من الحدود الموريتانية، مثل جبهة البوليساريو التي تنادي باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، ومتمردي الطوارق في مالي، وبقايا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يتخذ من الحدود بين مالي وموريتانيا مقراً له.
"تتم داخل معسكرات هذه التنظيمات عمليات بيع الأسلحة إلى عصابات تنشط في منطقة الساحل الأفريقي. وتتحكم العصابات التي لها أذرع في كل دولة من دول المنطقة في سوق دولي واسع للأسلحة، تزود مهربي السلع وتجار المخدرات والإرهابيين والمتمردين بمختلف أنواع الأسلحة"، يقول محمد الغالي ضابط موريتاني عمل لسنوات ضمن وحدة مكافحة الإرهاب.
الغالي أوضح لـ"العربي الجديد" أن وجود هذه التنظيمات على حدود موريتانيا عائق كبير أمام تجفيف منابع السلاح، كما أن التحكم في أراضي شاسعة كالأراضي الموريتانية ليس بالأمر السهل على حد قوله.
وتابع "العصابات المتاجرة في الأسلحة تغدو وتروح على الأراضي الموريتانية، خاصة على الحدود مع الشمال المالي في منطقة مفتوحة من التراب الموريتاني ينتقل تجار السلاح فوقها حيث يدخلون أسواق المدن والقرى للتزود بالمحروقات والمواد الغذائية، ثم يعودون للصحراء حيث تتم الصفقات مع زبائنهم وفق معطيات تنسيق سرية بينهم".
ولفت الضابط الغالي إلى وجود أنواع من عصابات السلاح، منها من يقبل البيع بالقطعة ومنها من يبيع بالجملة، وبعضها عبارة عن أذرع لعصابات الإرهاب تعمل على بيع السلاح من أجل الحصول على تمويل لتنظيماتها.
وعن أنشط العصابات حالياً في الساحل الأفريقي يؤكد الغالي أن طوارق مالي والعصابات المتفرعة عنهم يغرقون المنطقة بأسلحة من مخلفات الحرب الأخيرة في مالي.
تجارة عابرة للدول
خطورة تهريب السلاح إلى موريتانيا تبدو من دراسة سابقة أجرتها ممثلية الأمم المتحدة في موريتانيا كشفت أن أكثر من 92 % من الموريتانيين يملكون أسلحة أغلبها عبارة عن مسدسات وبنادق خفيفة. فيما كشفت دراسة أخرى للمعهد الدولي لدراسة الأسلحة وجود 70 ألف قطعة سلاح يتداولها السكان المدنيون في موريتانيا، وأكدت الدراسة أن أهم مصادر السلاح المتداول بطرق غير شرعية في موريتانيا هي السوق السوداء ومخازن الجيش وقوى الأمن.
مؤخراً تزايد نشاط تهريب الأسلحة في المغرب العربي، خاصة بعد الحرب الأخيرة في مالي التي ترتبط معها موريتانيا بحدود برية هي الأطول لكلا البلدين، تزيد على 2200 كيلومتراً معظمها يقع في صحراء قاحلة وعرة المسالك والطرق.
وفضلاً عن كونها سوق مهمة لتجارة الأسلحة، تمثل موريتانيا معبراً رئيسياً لتجارة السلاح في منطقة الساحل، ففي شهر يونيو الماضي ضبط الدرك الموريتاني شحنة أسلحة في طريقها إلى الجماعات المسلحة في شمال مالي، شملت أكثر من مائتي رشاش كلاشنكوف.
وفي شهر مايو/ أيار الماضي، أحبطت وحدة عسكرية جزائرية على الحدود مع موريتانيا محاولة تهريب كمية كبيرة من السلاح، وتم اعتقال مسلحين من جنسيات جزائرية وموريتانية، اعترفوا بصلتهم بجماعات إرهابية، إذ أسفرت العملية عن مصادرة كمية كبيرة من الذخائر الحربية تتمثل في 17 قطعة رشاش كلاشينكوف، و3 رشاشات ثقيلة، و12 قذيفة آر بي جي، وفقاً لما أكدته مصادر أمنية لـ"العربي الجديد".
المصادر لفتت إلى أن مهربي الأسلحة ممن يتم ضبطهم ينحدرون من تشاد ومالي وموريتانيا والنيجر والجزائر ونيجيريا والسينغال وليبيا وبوركينا فاسو. وأشارت إلى أن عصابات تهريب السلاح سبق أن شنت هجمات ضد مراكز للجيش الموريتاني، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في عمليات مختلفة، كما خطفت وقتلت رهائن من دول غربية انتقاماً من ضبط شحنات الأسلحة، واعتقال عناصرها. فيما تؤكد تقارير أمنية مغربية وجزائرية أن الأسلحة التي تهرب الى الجزائر والمغرب تمر عبر عدة منافذ من موريتانيا، واعتبرت التقارير أن محور النيجر موريتانيا مروراً بمالي هو أخطر محور لتهريب السلاح في المنطقة.
ويكشف مهرب سلاح عرف نفسه بـ"الشيخ أحمد" التقته "العربي الجديد" أن أغلب زبائنه يشترون السلاح للحماية الشخصية، ويصرون على تجريبه قبل شرائه، قائلاً " ليس هناك من ضرر منه لأنه للحماية الشخصية".
وأوضح الشيخ أحمد أن أغلب عصابات الأسلحة مكونة من جنسيات مختلفة، ونادراً ما يكون أعضاؤها من بلد واحد، قائلاً "تعدد الجنسيات يعني لغات مختلفة وسهولة الاتصال، واتساع رقعة الترويج، وسهولة الاختراق والاختفاء عند الضرورة في أماكن متعددة".
"الحدود الشمالية والشرقية لموريتانيا مفتوحة وغير مراقبة" يقول الشيخ أحمد، وبالتالي تتم عبر الخلاء الفسيح عمليات تهريب ضخمة تشمل الأسلحة والمواد المدعومة والمحروقات والمخدرات والبشر. وحول تمويل شبكات السلاح قال الشيخ أحمد "التمويل متعدد المصادر بعضه عبر التجارة غير المشروعة كتهريب المهاجرين والمواد المدعمة والسيارات المسروقة والمخدرات، ومنه تمويل تقدمه الشبكات الدولية لتجارة السلاح الموجودة في مالي والنيجر".
أسواق الأسلحة
"لم تتغير أنواع الأسلحة التي تهرّب إلى موريتانيا عبر الحدود الشرقية، ولازالت الأسلحة الفردية البسيطة مثل المسدسات وبنادق الصيد مفضلة لدى الموريتانيين" يقول محمد سالم، الذي كان يعمل مقتفي أثر عبر الصحراء، ثم مساعداً لجماعات متاجرة بالأسلحة.
يقول سالم لـ"العربي الجديد" موريتانيا ثاني أهم سوق للسلاح في المنطقة بعد مالي، وهي القناة الرئيسية لتهريب الأسلحة إلى المغرب والجزائر، وتوجد في البلاد أسواق سوداء لبيع الأسلحة تلبي طلبات الراغبين في قطع خفيفة وقليلة، أما من يريد أسلحة أخرى وبكميات كبيرة فعليه التوجه إلى مدينة غاو أو كيدال أو الخليل في مالي، ففي هذه المناطق يلتقي تجار السلاح ومهربوه في شمال إفريقيا".
وعن كيفية الوصول إلى أسواق السلاح بهذه المنطقة يقول محمد سالم لـ"العربي الجديد"، "في سوق أكاوان شمال مالي يستقبل المسلحون الزبون حين يدخل منطقة معروفة لدى تجار السلاح، وبعد الاطمئنان إليه يقوده المسلحون عبر ممرات جبلية دقيقة إلى موقع الأسلحة المخفي بين الجبال، وهناك يجد أسلحة حربية ومسدسات روسية وبنادق ورشاشات مختلفة، وتتم الصفقة بمجرد الاتفاق على السعر، حينها يمكن للتاجر حمل بضاعته وإذا أراد إستلامها في مكان آخر عليه الاتفاق مع مهربين متخصصين في نقل الأسلحة يضمنهم التاجر الذي باع له البضاعة".
"تجار السلاح والمهربين يهتمون بالتفاصيل الدقيقة أثناء عملهم، ويتوفرون على وسائل نقل متطورة وأجهزة إلكترونية تفوق في بعض الأحيان إمكانيات الأجهزة الأمنية" يقول سالم، متابعاً أنهم يرتبطون بشبكات التهريب الدولي القادرة على اختراق الأجهزة الأمنية، والحصول على تفاصيل تحركاتها.
تضرر البشر والاقتصاد
انتعاش تجارة الأسلحة الفردية والذخيرة الخفيفة وتورط شبكات إجرامية في تهريبها لبيعها في موريتانيا أو نقلها لحساب جماعات إرهابية متطرفة على الحدود، دفع الباحثين والخبراء إلى دق ناقوس الخطر، محذرين من استمرار تداول قطع الأسلحة والتنقل بها، والتغاضي عن تفعيل القوانين الخاصة بحيازة السلاح تحت ذريعة العادات والتقاليد.
ويقول محفوظ ولد الغيلاني الباحث الموريتاني المتابع لنشاط تهريب الأسلحة "بفعل إهمال المنطقة وتركها عرضة للنشاط الإجرامي وتهريب وتجارة الأسلحة، نشأت عصابات إجرامية تعمل وراء الحدود الشرقية وتنشر ثقافة التسلح غير القانوني داخل الأنسجة العرقية والدينية في المنطقة".
الغيلاني أوضح لـ"العربي الجديد" أن الحروب والاستقرار الهش وضعف المراقبة الأمنية للحدود وتفكك الجماعات المسلحة وتناثرها في دول المنطقة ينعكس سلباً على دول الساحل الأفريقي ويزيد الأعباء عليها.
ويدعو الباحث الغيلاني إلى مواجهة مافيا تهريب الأسلحة بأساليب متطورة، وتكثيف المراقبة على الحدود الشرقية والتعاون والتنسيق الأمني بين دول المنطقة لمكافحة تهريب الأسلحة والمتاجرة بها.
أما الباحث الاجتماعي محمد ولد الخرشي فيقول إن جرائم انتشار السلاح والعبث به لم يسلم منها حتى الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي تعرض إلى لإطلاق النار حين كان يقود سيارته الخاصة خارج نواكشوط، فأصيب برصاصتين، كما أن إبنه بدر ولد عبد العزيز كان يلهو بمسدسه فانطلقت رصاصة أصابت فتاة كانت برفقته، في حادث معروف لدى الموريتانيين وقع قبل عامين، إذ سلم بدر نفسه إلى الشرطة، وبعد تنازل الفتاة التي أصيبت بشلل نتيجة الحادث عن حقها تم الإفراج عنه.
الخرشي أضاف أن تأثير انتشار السلاح في المجتمع الموريتاني يتمثل في إزهاق الأرواح، وعمليات الاغتيال والخطف وتهريب المواد المحظورة، إضافة الى تأثيره سلباً على الاستقرار والسياحة، وعلى التنقيب عن النفط والمعادن بسبب قلق المستثمرين والشركات الدولية من العمل في صحراء موريتانيا المفتوحة والمليئة بالسلاح.
المصدر العربي الجديد