يتميز هذا العصر بسرعة فائقة في جميع مناحي الحياة، تجديد وتجدد في كل شيء، والمحرك الأول للتجدد والسرعة هو العلم بكل فروعه رغم التفاوت، فنصيب العلوم التقنية هو الأوفر غير أن العلوم الإنسانية بكل فروعها استفادت من مناهجه وأدواته فشهدت تطورات هائلة جعلتها قريبة من اليقينية، واستطاع المهتمون سبر أغوار الكثير من المجاهيل في التراث فتم التعرف على الكثير من كنوز البشرية التي يمكن القول بشيء من التحفظ أن أصحابها سابقون لزمانهم وأن فكرهم صالح لزماننا،
اجل توصل مبدعون قدماء لفكر لا تحتاجه مجتمعاتهم بل اعتبروه شاذاً في عصرهم وحتى العصور اللاحقة فبقيت تلك الأفكار في الرفوف وربما بعضها ضُيع عمداً إن لم يكن ضاع بسبب الإهمال ، من تلك الإبداعات التي كانت خارجة عن السياق إبداعات الفذ، فريد عصوره أحمد باب التنبكتي (960هـ، - 1036هـ ، ) في كتابه (معراج الصعود إلى نيل حكم مجلوب السود، أو الكشف والبيان الأصناف مجلوب السودان) مصنف نادر من اكبر عالم عرفه مجالنا الصحراوي ، والكتاب في أصله جواب عن أسئلة وردته من سعيد بن إبراهيم الجراري حول استرقاق العبيد بعد إسلامهم؟ وهل فتحت أرض السودان أصلا بالسيف؟ وهل يُسترق من لم تعرف بلاده وجُهل حاله؟ ، فجاء رد التنبكي بأسلوب سلس ممتع وبحجج عليمة مقنعة، مفنداً ما اعتبره "عادات" خارجة عن الشرع، كعادات استرقاق الأحرار ، وكان له في كنوز التراث ما يعضض حجته في موضوع من المُكفرات تناوله في زمانه ، من تلك الكنوز المناعة الاستعباد الأخ في الدين نوازل أبي الأصبغ بن سهل، وفتوى مخلوف بن صالح البلبالي حول رقيق السودان، وكتاب السيوطي(رفع شأن الحبشان)، ولم يكن التنبكتي وحيدا في مجالنا الصادح بحرمة الاسترقاق بل صدح بها عالم كان سابقا عن زمانه بفهمه العميق ولد احمد الهادي المانع للرق بدوره.
ينبغي أن نتأسى بهذين العلمين،فهما أدري بواقع البلاد حيث قاما رغم فارق الزمن وبُعد الدار بينها بحركة تجديد العقول في عصر ليله دامس، فماذا يضرنا لو أدخلانا فكرهما إلى مناهج تعليمنا وبنينا على اجتهادهما النير، وشكلنا به لبنات صلبة ودعامات تقوي الأهداف المرسومة للقضاء على عادات ترسخت حتى أصبح البعض يعتبرها قضية إيمانية لا يجوز المساس بها ، ويعتبرون محاربتها بدعة ضلالية، واستجابة للتباع سنن أو ضغوط قوم موسى وعيسى، غير منتبهين إلى أننا دخلنا جُحرهم منذ فجر تاريخنا ولعل استعباد المسلم جزء من مسالكم التبديلة الوعرة التي تفننا في سلوكها كما أخبر المبعوث رحمة للعالمين، والمُبدل دينه حتى صار نقمة على العالمين، أو ليست القوانين المجرمة للرق بحاجة منا أن نواجه المرجفين والمشككين بنصوص رسمتها أيدي أعلام من هذا المجال الجغرافي والعلمي كان لها رأي مخالف لمشهور المذهب الذي لم يدع مجتهدوه يوما أن ما ينطقون به وحيا أو أن له صفة أكثر من رأي في موضع خطير جداً وهو الإفتاء.
فليس كل تجديد ضاراً ضرر التقليد الأعمى المبني على العادات التي تم تجاوزها، وليس قال علمائنا دينا منزلا يجب التمسك به بل هو رأي محكوم بزمانه ومكانه هكذا يقول العقل المحارب في ثقافتنا المذهبية رغم أوامر القرءان باستخدامه، بدل إعادة محفوظات الأسلاف التي أصبحت عبئا يشكل حركة التجديد في مسيرتنا وتطورات زماننا ،لنجرب إدخال فتاوى هذين العالمين التي نحتاجها، ونلغى تلك الآراء التي لم تعد تتماشى وواقعنا بكل ما يتطلب من تناغم وفكر نير يقوم على مناهج العلم اليقيني.