أكد رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، أن تعزيز المكتسبات التي تحققت خلال السنوات الخمس الماضية، والتأسيس عليها لبناء الدولة التي يطمح لها جميع المواطنين، دولة القانون والأمن والتنمية، يوجب الإسراع في تنفيذ البرنامج الانتخابي الذي زكاه الموريتانيون.
وأضاف في خطاب ألقاه اليوم الخميس بالمركز الدولي للمؤتمرات” المرابطون” في نواكشوط، خلال حفل تنصيبه رئيسا للجمهورية، أن هذا البرنامج بالنسبة له ليس مجرد وثيقة أعدت لغرض الدعاية الانتخابية بل هو عقد وعهد ولن يدخر جهدا للوفاء بما تضمنه من التزامات، داعيا الجميع من أحزاب سياسية وقادة رأي ومجتمع مدني وكافة القوى الحية إلى تضافر الجهود في سبيل المشاركة في التنفيذ المحكم والناجع لهذا البرنامج بما يضمن تحقيق كل أهدافه ومقاصده.
وجدد رئيس الجمهورية تأكيده على أن المأمورية الحالية ستكون بالشباب وللشباب، لأنه أمل الأمة وعدتها وعتادها حاضرا ومستقبلا.
“بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
أصحاب الفخامة رؤساء الدول والحكومات،
معالي الوزير الأول،
أصحاب المعالي رؤساء الوفود المشاركة،
السيد رئيس الجمعية الوطنية،
السيد رئيس المجلس الدستوري،
السيد رئيس مؤسسة المعارضة الديمقراطية،
السيدات والسادة الوزراء،
السيدات والسادة أعضاء مكتب الجمعية الوطنية،
السيدات والسادة أعضاء المجلس الدستوري،
السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الهيئات الدستورية،
السيدات والسادة المنتخبون،
السيدات والسادة السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية،
السيدات والسادة ممثلو المنظمات الدولية،
السيدات والسادة المدعوون الكرام،
مواطني الأعزاء،
أيها الشعب الكريم،
يسعدني ويشرفني كثيرا، أن أرحب باسمي شخصيا، وباسم الشعب الموريتاني، بإخوتي أصحاب الفخامة والمعالي وقادة الدول ورؤساء الوفود، شاكرا لهم مشاركتنا هذا الحدث المفصلي في تجدد دورة الحياة الديمقراطية ببلادنا، معتزا كثيرا ومقدرا، حق التقدير، ما يعبر عنه حضورهم اليوم من معاني التشبث بتوطيد ما يجمعنا وإياهم من علاقات أخوة وصداقة وتعاون متنوعة عريقة.
ويطيب لي كذلك التوجه بالشكر والتهنئة للشعب الموريتاني صانع هذا الحدث المتميز على الثقة التي منحها لي عبر انتخابات طبعتها الشفافية والسلاسة على نحو أكد نضج تجربتنا الديمقراطية وتشبث مواطنينا بدولة القانون والمؤسسات.
وإنني لأشكر كل الذين صوتوا لي وانتخبوني لمأمورية جديدة راجيا أن أكون على قدر ثقتهم وحسن ظنهم.
وشكرا كذلك لمن صوتوا لمرشحين غيري فأنا متفهم لما قد تكون صدرت عنه خياراتهم من شعور بنقص أو تقصير مني هنا أو هناك، سأعمل بحول الله وقوته على تداركه.
فأنا رئيس لكل الموريتانيين، مهما اختلفت رؤاهم، وتباينت مواقفهم، أنا مسؤول عنهم، وأمامهم جميعا، مسؤول عن آمالهم وتطلعاتهم المشروعة، التي سأعمل جاهدا على تحقيقها.
وبودي هنا أن أنوه بمهنية وكفاءة هيئاتنا المعنية بالانتخابات، مشيدا في الآن ذاته، بالدور البناء الذي لعبته القوى الحية في مجتمعنا والأحزاب السياسية والمجتمع المدني وقادة الرأي، في ضمان سلاسة ونزاهة هذا الاستحقاق الرئاسي.
كما يطيب لي التوجه بجزيل الشكر لكافة المرشحين لهذه الانتخابات على ما أسهموا به من دور في التنظيم الجيد لهذه الاستحقاقات، وعلى مشاركتهم في الرفع من مستوى النقاش وفي تنويع الخيارات المتاحة للمواطنين.
إن التباين في الرؤى والبرامج المنسجم مع قيم العمل السياسي المسؤول الحافظ للضرورات الوطنية الكبرى من أمن ووحدة وطنية ولحمة اجتماعية هو عامل ثراء ونضج للحياة السياسية في المنظومات الديمقراطية.
مواطني الأعزاء،
أنا معتز وممتن وشاكر لما حظيت به من ثقتكم ودعمكم ومواكبتكم طوال المأمورية المنصرمة التي استطعنا خلالها، بفضل الله، وبمؤازرتكم جميعا، إرساء دعائم جسر العبور الآمن ببلدنا إلى مستقبل أفضل من خلال ما حققناه معا من إنجازات أحس المواطن أثرها الإيجابي في حياته اليومية على مختلف الأصعدة، كالأمن والاستقرار، وصون الوحدة الوطنية، وتهدئة الحياة السياسية، ومكافحة الفقر والغبن والإقصاء، ودعم الفئات المجتمعية الأكثر هشاشة، وتحسين النفاذ إلى الخدمات الأساسية، والتأسيس للمدرسة الجمهورية، وتعزيز البنى التحتية، والعمل على تنويع الاقتصاد ودعم القطاعات الإنتاجية، والتأسيس إجمالا لتنمية مستدامة شاملة.
وإن تعزيز هذه المكتسبات، والتأسيس عليها لبناء الدولة التي نطمح لها جميعا، دولة القانون والأمن والتنمية، ليوجب منا الإسراع في تنفيذ برنامجنا الذي زكيتموه، فصار بذلك في قوة العقد الانتخابي.
إن هذا البرنامج بالنسبة لي ليس مجرد وثيقة أعدت لغرض الدعاية الانتخابية بل هو عقد وعهد لن أدخر جهدا للوفاء بما تضمنه من التزامات.
وإنني لأدعوكم جميعا، أدعو الأحزاب السياسية وقادة الرأي والمجتمع المدني وكافة القوى الحية إلى تضافر الجهود في سبيل المشاركة في التنفيذ المحكم والناجع لهذا البرنامج بما يضمن تحقيق كل أهدافه ومقاصده.
مواطني الأعزاء،
عملا بمقتضيات هذا البرنامج سأمنح الأولوية لضمان الأمن والاستقرار لما يمثله ذلك كأساس وشرط لا غنى عنهما لإنجاز أي برنامج تنموي. وفي هذا الإطار، سنعبئ كل الجهود والموارد من أجل التنفيذ المحكم لمختلف جوانب استراتيجيتنا الأمنية المندمجة، وسنقف بكل حزم وقوة في وجه كل ما من شأنه أن يخل بأمن واستقرار بلدنا.
كما سأعمل باستمرار على توطيد الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية من خلال التصدي لكل أسباب الفرقة وعدم الانسجام التي تتغذى من صور نمطية زائفة كالتراتبية الوهمية المقيتة، وكالتعصب القبلي والشرائحي الجاهلي، ومن خلال السعي إلى تكريس مساواة الجميع في الكرامة والحقوق والواجبات، وإلى توزيع أكثر عدالة للثروة وللفرص.
إن لحمتنا الاجتماعية، ووحدتنا الوطنية، هما سدّنا المنيع وحصننا الحصين في وجه كل التحديات، ولن نقبل المساس بهما مطلقا تحت أي ظرف، ومخطئ جدا من يعتقد كائنا من كان أن بإمكانه بأي وجه من الوجوه وتحت أي يافطة أن ينال من وحدتنا ولحمتنا الاجتماعية.
أيها المواطنون أيتها المواطنات،
لقد أكدت مرارا أن هذه المأمورية ستكون بالشباب وللشباب، وأجدد اليوم التأكيد على ذلك.
نعم، ستكون مأمورية بالشباب، لأن الشباب هو أمل أمتنا، وعدتها وعتادها، حاضرا ومستقبلا، فلا أمل لأمة تترك شبابها في مهب الريح، ضائعة طاقاته خارج مسارات التعليم والتكوين والاندماج والمشاركة.
وستكون مأمورية للشباب، لأننا سنكرس كل سياساتنا العمومية لمحاربة البطالة، ولتعليم وتكوين ودمج الشباب، كل الشباب، مهما اختلفت مساراته.
وسنعمل، من بين أمور أخرى كثيرة، على إنشاء جهاز إداري مدعوم بالإمكانيات الضرورية والصلاحيات الواسعة، يعنى بمعالجة قضايا الشباب بكل أبعادها، وكذلك على إنشاء آلية لتنظيم خدمة تطوعية مدنية، تساهم في التأطير والتكوين وغرس قيم التآخي والمواطنة.
ولأن نجاعة السياسات العمومية في خدمة الشباب والمواطن عموما رهينة بقيام حكامة رشيدة فستكون حربنا ضد الفساد حربا مصيرية لا هوادة فيها.
فلا تنمية، ولا عدل، ولا إنصاف مع الفساد، ومن ثم فلا تسامح معه مطلقا.
والحرب على الفساد والرشوة وسوء التسيير حرب الجميع، حرب المنظومات الإدارية والقضائية، حرب أجهزة الرقابة والتفتيش، حرب النخبة من مثقفين وقادة رأي ومجتمع مدني وصحافة ومؤثرين اجتماعيين، ولا سبيل للنصر في هذه الحرب بنحو حاسم إلا بتضافر جهود الجميع.
وستندرج سياستنا في مجال محاربة الفساد ضمن استراتيجية أشمل لإصلاح الإدارة وعصرنتها وتقريبها من المواطن وتحسين خدماتها.
إننا ندرك أن ما تتطلبه الإصلاحات العميقة من تغيير في المقاربات، والعقليات، والمسلكيات، وآليات العمل، غالبا ما يصطدم بمقاومة اجتماعية وإدارية قوية، ونحن مطالبون جميعا بالعمل على منع هذه المقاومة من كبح ديناميكية الإصلاح أو إعاقتها عن تحقيق أهدافها.
مواطني الأعزاء،
سنستمر في دعم برامج ومشاريع شبكة الأمان الاجتماعي للتحسين من جودتها ومن معايير استهدافها ولتعزيز تنوعها وشمولها، كإحدى دعائم حربنا ضد الفقر والغبن والإقصاء، وسنضع تأهيل وترقية رأس المال البشري على سلم أولوياتنا في المرحلة المقبلة، وفي هذا الإطار سنستمر في مشروع المدرسة الجمهورية، ودعم المنظومة التعليمية، بتوسيع العرض، ورفع نسب النفاذ، وتحسين القدرة الاستيعابية، كما سنعمل على تنويع وتوسيع عرض التكوين المهني والجامعي.
فليس أنجع من التعليم، والتكوين، والتأهيل في تغيير حياة الفرد والمجتمع إلى الأفضل.
كما سنعمل على أن تتحسن بنحو ملحوظ نوعية ونسب النفاذ إلى الخدمات العمومية الأساسية من ماء، وكهرباء، وتغطية صحية، كما سنحارب التضخم والغلاء، ونعمل على كل ما يساعد على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
ويتطلب كل ذلك إجراء الإصلاحات الضرورية للمحافظة على التوازنات الاقتصادية الكبرى ولتنويع الاقتصاد، والتركيز على القطاعات الإنتاجية، في سعي حثيث إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، وهو ما سنعمل جاهدين عليه بحول الله وقوته، مستغلين بحكمة وعقلانية، كل مواردنا الطبيعية.
مواطني الأعزاء،
سنواصل في تعزيز نظامنا الديمقراطي بالعمل على ترسيخ مبدإ فصل السلطات وتعزيز استقلاليتها وتوطيد انسجام عمل المؤسسات الدستورية، وكذلك بالتحسين المستمر لقدرات وآليات عمل الهيئات المشرفة على الانتخابات.
كما سأظل متمسكا بمبدأ الانفتاح، والتهدئة السياسية والتشاور والنقاش واليد الممدودة على الدوام، لكافة مكونات الطيف السياسي لراسخ قناعتي بأن ذلك هو النهج القويم في تدبير الشأن العام.
ولذا كان تنظيم حوار جامع للطيف السياسي عنوانا بارزا في برنامجي الانتخابي.
ونحن نريد لهذا الحوار أن يكون جامعا صريحا ومسؤولا، ولا يقصي أحدا ولا يستثني موضوعا جوهريا. كما نريده حوارا تترفع أطرافه عن المزايدات، والمشاكسات العقيمة، وعن الانسياق وراء البحث عن تحقيق مكاسب شخصية أو حزبية ضيقة، على حساب الصالح العام المتوخى منه.
وكلي ثقة أنه سيكون كذلك، لما تمتاز به عادة نخبتنا السياسية من وعي، ونضج، ومسؤولية وتشبث بالمصالح العليا للوطن.
سنستمر على المستوى الخارجي في اعتماد دبلوماسية نشطة، قائمة على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل، والتعاون البناء، والتمسك بقيم السلم والأمن والإخاء بين شعوب العالم.
ولن ندخر جهدا في الإسهام بقوة في الاندماج الاقتصادي للقارة الإفريقية، وفي المحافظة على أمنها واستقرارها، وفي تحقيق سائر أهداف أجندة 2063.
وسنظل، كما كنا تاريخيا، دعاة سلم وإخاء واتحاد وحلقة وصل بين العالمين العربي والإفريقي ساعين دواما إلى تعزيز روابط الصداقة مع مختلف التجمعات القارية خاصة تلك التي تجمعنا بها أواصر تاريخية ومصالح مشتركة.
مواطني الأعزاء،
إن ما يعترض سبيلنا من تحديات على طريق بناء موريتانيا التي نريدها جميعا، وخطورة ما يجتاح العالم حولنا من أزمات متداخلة، أمنية واقتصادية وبيئية عميقة، ليفرض علينا الحرص على البقاء متحدين كالجسد الواحد أو البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا.
فبذلك وبه فقط، تكون أهدافنا حقا في متناولنا، فلنتحد ولنشمر عن سواعد الجد، وسنحصل بحول الله وقوته على الوطن الذي ننشده جميعا.
عشتم وعاشت موريتانيا حرة آمنة مزدهرة.
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.