نواكشوط –«القدس العربي»: أظهرت زيارة الأميرال بوب بوور رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو لموريتانيا، التي أنهاها للتو، بما شملته من لقاءات مع الرئيس الغزواني وكبار مساعديه في القطاع العسكري والأمني، شدة انشغال حلف شمال الأطلسي بالأوضاع الأمنية المتفلتة في منطقة الساحل الإفريقي، التي شهدت انقلابات والتي أصبح الحضور الروسي فيها مشهوداً عبر الشراكات مع الحكومات وعبر التحالف مع مجموعة فاغنر.
وأكدت الزيارة كذلك أن موريتانيا باتت النافذة الوحيدة المتاحة للبلدان الغربية في الساحل الإفريقي، لتنسيق الشراكات بعد أن سدت الأنظمة العسكرية في مالي والنيجر وبوركينافاسو الأبواب أمام الشراكات مع الدول الغربية، وبعد أن قامت هذه الأنظمة بإلغاء اتفاقيات عسكرية كانت تربطها بدول غربية تتقدمها فرنسا والولايات المتحدة، بحجة ما سمته الأنظمة المذكورة “استعادة السيادة المسلوبة باتفاقيات تخدم طرفاً واحداً”.
وشكلت زيارة الأميرال بوب بوور لنواكشوط، وفقاً لمصادر مهتمة بهذا الشأن، خطوة أساسية في دفع التعاون بين الناتو وموريتانيا التي يصفها الحلف بأنها “الشريك المهم منذ سنوات طويلة”.
وحسب تصريحاته للأميرال بوور، فقد تناولت مباحثاته مع المسؤولين العسكريين والأمنيين الموريتانيين “موضوعات عدة على رأسها مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود”.
وأظهرت هذه المباحثات تطابقاً في وجهات النظر، حسبما أشار له الأميرال؛ كما أكدت أن “التحديات الأمنية الماثلة تحديات شمولية التأثير، وأنها تتطلب ردوداً جماعية شمولية كذلك”.
وأكد حلف الناتو في إيجاز صحافي “أن الأميرال بوور اطلع خلال زيارته لموريتانيا على المقاربة الأمنية الموريتانية الخاصة بمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود؛ وهما بحسب الناتو، تهديدان يعاني منهما الطرف الموريتاني معاناة دول حلف الأطلسي منهما”.
وأكد بوور في اجتماعه مؤخراً في نواكشوط، مع وزير الدفاع الموريتاني الجنرال حننه ولد سيدي ومساعديه “أن الأمن لم يكن في أي وقت من الأوقات شأناً محلياً صرفًا؛ فالتهديدات التي نواجهها جميعاً منتشرة على نطاق واسع، كما أنها متداخلة ومترابطة بعضها ببعض، وهذا ما جعل حلف الناتو، يضيف الأميرال بوور، يتبنى مقاربة عالمية في مواجهة الإرهاب والجريمة العابرة، وهذا ما جعله أيضاً يعمل بنشاط مع شركائه في كافة أنحاد المعمورة، وبخاصة مع موريتانيا التي تعتبر شريكاً لا استغناء عنه في المنطقة الساحلية، وذلك لموقعها المتميز ولدورها الخادم للاستقرار، ولاندفاعها في مجال التعاون والتنسيق الدولي”.
وجاءت زيارة الاطلاع التي أداها الأميرال بوور للكتيبة الثانية للقوات الموريتانية الخاصة، لتؤكد عمق علاقات التعاون بين حلف شمال الأطلسي والقيادة العامة للجيوش الموريتانية.
وأكد رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي “الناتو” الأميرال روبيرت باور في مقابلة مع وكالة “الأخبار” الموريتانية المستقلة “أن الحلف يولي أهمية قصوى للتعاون مع موريتانيا”، مردفاً “أن زيارته لنواكشوط جاءت لتعطي إشارة بذلك”.
وأضاف “أن الحلف شرع في برامج لتعزيز قدرات القوات المسلحة الموريتانية تتعلق بستة مجالات”، مردفاً “أنه تقرر استمرار المحادثات والتقييم المتبادل، وكذا قياس مدى رضا الشركاء في موريتانيا عن مستوى التعاون الثنائي مع الناتو.
كما أضاف “أنه سيحمل معه نتائج لقاءاته ومحادثاته في نواكشوط إلى بروكسل لتكون أساساً إضافياً لاستمرار الطرفين في تدعيم شراكتهما”.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان لاهتمامهم المتزايد بموريتانيا علاقة بوجود قوات فاغنر الروسية في منطقة الساحل، وتحديداً في مالي وبوركينا فاسو النيجر، قال الأميرال روبيرت باور: “إذا كنتم تظنون أن وجودنا هنا هو نتيجة ظهور مجموعة فاغنر في النيجر ومالي وبوركينا، فإن ذلك استنتاج غير صحيح”؛ لكن المسؤول العسكري البارز في حلف الناتو، اعترف في تصريحاته “بوجود قلق بالغ لدى حلف الناتو اتجاه وجود ونشاط مجموعة فاغنر”.
وأضاف: “نحن نعمل مع موريتانيا منذ 29 سنة، وأنا لست الضابط السامي الأول الذي يترأس هذه اللجنة، والذي يقوم بزيارة موريتانيا، لدينا روابط كثيرة، وهنالك الكثير من الزيارات الرسمية التي تنطلق من مقر الحلف، وأنا الضابط الأعلى رتبة في حلف شمال الأطلسي”.
وتهدف الشراكة بين موريتانيا والناتو التي ظهرت جلية للعيان عام 2021 بعد الإعلان عن تنفيذ برنامج دعم قدرات الدفاع الموريتانية، إلى دعم صمود قطاعي الدفاع والأمن في موريتانيا، بما في ذلك تحسين مستويات وضوابط التكوين لصالح القوات الموريتانية المشتركة في عمليات حفظ النظام التابعة للأمم المتحدة.
ويؤكد التعاون العسكري بين موريتانيا وحلف الناتو الذي بدأ في عام 1995، مدى حرص الحلف على تعميق وترسيخ شراكاته في إفريقيا.
وستكون القمة المقبلة لحلف الناتو المقررة في واشنطن والتي تتصادف مع الذكرى الـ 75 لتأسيس الحلف، ومع الذكرى الثلاثين لانطلاقة الحوار المتوسطي، مناسبة لتعميق الشراكات بين الناتو ودول بينها موريتانيا. ومن شأن الإجراءات التي ستقررها القمة المرتقبة لحلف الناتو، على أساس تقرير جديد أعده خبراء مستقلون حول أنجع الطرق لإرساء حسن الجوار راسخ مع دول الجنوب، أن تعزز التعاون البيني لصالح السلام والاستقرار، كما أنها ستظهر أكثر أهمية التقاء أمم من أصول مختلفة داخل حلف مخصص لدفاع المشترك. وتعتبر شراكة حلف الناتو مع موريتانيا مثالاً حياً لما يسعى له الحلف بخصوص وضع استراتيجية أكثر اتساعاً في مجال التعاون مع الأمم التي تربطها مع الناتو حدود مشتركة. وستعزز هذه المقاربة الأمن الإقليمي، كما ستساهم في تقوية السلام والاستقرار العالمي، مبرزة التداخل القائم بين التحديات الأمنية والتعاون الدولي.