الحقيقة أن برام ولد الداه ولداعبيدملأ دنيا موريتانيا وشغل ناسها،ورغم اختلاف المواقف السياسية منه فإنه صنع لنفسه موقعا سياسيا كبيرا تجلى في تنامي مناصريه وتربعه على عرش أهم شخصية سياسية من شريحةالحراطينالمناوئين للاسترقاق والتهميش الطبقي
..
ورغمأن حرقه لمتون الفقه المالكي لاقىرفضا واستهجانا شديدين باعتبارهعملا غير حضاري وغير مقبول إسلاميا، فإنه أعاد موضوع الرق إلى الواجهة بقوة وخلققوة ضغط ساهمت في اعتقادنا في تمزيق حاجزالصمت وهواجس الخوف التي كانت سائدة قبل عملية المحرقة مما عجل بالعديد من القرارات والإجراءات الرسمية المتعلقة بالقضاء على الرق مثل فتوى رابطة العلماء الموريتانيين المجرمة للظاهرة وخارطة الطريق الصادرة عن الحكومة الموريتانية بالتعاون منالهيآتالدولية الحقوقية.
جديد السيد برام ولد الداه ولداعبيدهو رسالته الأخيرة ذات الطابع الإسلاميالوعظيالتي تتداولها الآن وسائل الإعلام.
لا تعبر الرسالة عن أي تراجع للسيد برامعنمنهجه السابق في محاربةالرق،حيث استخدم عباراتمثل: الحراطينوالمظلومين والمضطهدينوالمحرومون والحقوق المغصوبة.... كما لم يعلن عنالتأسف أو التوبة مما يراه خصومه مواقف متطرفة تجاه المنظومة الفقهية التي عبر عن رفضه لموقفهابعملية المحرقة المثيرة.
الطابع الدينيالوعظيلرسالة السيد برام ولد الداه ولداعبيدواضح فهي تبدأبأمابعد ،وتذكر المستهدفينبها( الحراطين) بأن صلاح دنياهم وآخرتهم في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأن الإسلام هو الضامنالوحيد للقضاء على الرق.
فماهو سر هذا التحول والانتقال من خطاب حقوقي شبه لبرالي إلى خطاب ديني وعظي؟
أولا لم يعرف برام بتبني الأفكار العلمانية كما يتفق من يعرفونه حق المعرفة بأنه متدين محافظ على الصلاة في الجماعة،وخلال الضجة الإعلامية التي تلت محرقته الشهيرة لم يتهم الإسلام بأنه دين استرقاق بل ظل دائما يحرص في خطابه على أن المسلمين هم من رسخوا الرق من خلالاجتهاداتفقهائهمالمنطلقة من العادات ،ما لوحظ عليه ولقي استهجانا شديد من طرف الكثيرين هو بعض الانتقادات التيلايليقتوجيههاللمشايخ والعلماء.
الظرفالسياسي الذي صدرت فيه الرسالة
اختار السيد برام الظرف الزمن الذي ينشر فيه رسالته بدقة حيث تزامنت مع حراك سياسي قوي في حركة إيرا فقد خلاله دعم العديد من مناصريه في المسار السياسي. حيث اختار بعضهم مغازلة النظام والانسجام معه،كما أعلن آخرون العصيان وهموا بإزاحته من واجهة الحركة. تزامنت الرسالة أيضا معتجددالماجهاتالإعلامية والسياسية بين الموالاة والمعارضة ومع زيارةبانكيمون الذي بدأ زيارة المنطقة المغاربية بموريتانيا.
يعي برام الذي يجيد استخدام واستغلال وسائل الإعلام لتسويقخطابه أن هذا الفضاء سيساهم جدا في تسويقرسالته.
في اعتقادي أن فترة إقامة السيد برام في السجن وعدم حصوله على قوة ضغط دولية ووطنية تفرض على الحكومة الموريتانية إطلاق سراحه،وتخلي العديد من قادة الحركة عن استراتيجية المواجهة كلها عوامل جعلته يتخذ من السجن معبداللتاملومراجعة الحسابات والاستراتيجيات فاختار أن يسحب البساط من تحت خصومه بخطاب إسلامي باعتبار أن الإسلام عامل وحدة متفق عليها من طرف كل الشرائح الموريتانية.
يريد برام أن يواجه خصومه بالسلاح الذي واجهوه به،بالأمس يتهمبالتجرؤعلى العلماء بما يوجه لهم من انتقادات حادة أما اليوم فإنه يتبنى خطابا إسلاميايتسم بالوعظ والورع ولا مكان لاتهامه في دينه.
جانب آخر يتعلق بهذه الرسالة يتداول ضمن شبكات التواصل الاجتماعي الوطني وهو أنرئيس المنتدى الإسلامي لنصرة الرسول صلي الله عليه وسلم الشيخ علي الرضى ولد محمد ناجىمن داعمي السيد برام الواقفين خلفرسالته وهناك عدة مؤشرات دالة على هذا التصور.
أعتقد أن السيد برام بعد أن تبلورت لديه الفكرة وجمعأمره للإعلان عن هذا التحول السياسي الهام في منهجه النضاليأختار أن يشد أزره بشخصية وازنة مثل الشيخ علي الرضى،مما سيكسبه مصداقية دينية في مواجهة خصومه الذين يتهمونه بالمس من الإسلام ورموزه الروحية والعلمية ولا ضير في ذلك فهو الرابح معنويا وسياسيا،وإذا استقرأنا بيان السيد السعد ولد لليد المنشق عن رفيق دربه فإن بيانه المعنون ب الغلبةللحراطينوالنصر للقضية مهما تحالفتم خلف الشيخ فالشيخ المعني هنا هو الشيخ علي الرضى،وفي رأي الشخصي أن هذه الرسالة ستشكل دفعا إيجابيا للسيد برام ولد الداه ولداعبيدوتحسن من صورته النضالية التي ربطها خصومه بالتمويلاتالأحنبيةوالهيآتالتنصيرية ذات الأجندات المناهضةللإسلام ولوحدة الشعب الموريتاني.
وفي اعتقاديــأيضاــ أن تراجع السيد برام عن توجهاته التي عبرت عنها هذه الرسالة سيشكل خطرا كبيرا على مكانته النضالية،فهو إما أن يواصل في نفس السياق ويزاوج بين استخدام العامل الحقوقي والإسلامي وإما أن يتراجع عن مضمون الرسالة ويعود إلى منهجه السابق فيفشل في صياغة خطاب متوازن متماسكوفي ذلك ما فيه من الخطر على مستقبله النضالي.
محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم