دقة - حياد - موضوعية

الهجوم المستحيل

2022-02-23 07:58:51

 

لو أن هناك خطة هجوم بالفعل، لها خطوات عملية وأركان معروفة وأهداف محددة، فلا بد أن تكون أعدت بتكليف من القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا بد أن تعرض عليه عقب انتهاء القيادة العامة منها وأن يصدق عليها، ثم يحدد هو ساعة الصفر بالاتفاق مع القيادة العامة وغرفة العمليات، وطبقًا لكل ما هو معلن وما ورد فى التحقيقات، لم تكن هناك خطة هجومية، ولم يصدر تكليف بذلك من القائد الأعلى. وهناك تصريح شهير للرئيس عبدالناصر فى مؤتمر القمة العربية سنة٦٤، فى الجلسة المغلقة للرؤساء والملوك العرب بأنه لا توجد خطة للهجوم على إسرائيل.

فى «اعترافات» الفريق صدقى محمود ذكر أنه منذ سنة ٦٤، كان يشكو من قلة الموارد، كان يريد بناء هناجر لمبيت الطائرات، حتى لا تظل فى العراء، مكشوفة ومعرضة لأن تضرب وهى جاثمة؛ وغير ذلك من المطالب، وكان رد عبدالناصر عليه- طبقًا لروايته- أشترى قمح للناس أو نبنى الهناجر؟.. ويذكر أنه وافق الرئيس على ذلك، والنتيجة العملية أنه لم يكن جاهزًا للقتال. صحيح كان هناك حماس لدى الطيارين الشبان وعبروا عن ذلك للرئيس مباشرة، لكن الحماس وحده ليس كافيًا لخوض القتال ولا الانتصارات.

المؤرخ الاسرائيلى «آفى شلايم» وهو أحد المؤرخين الجدد فى إسرائيل، يفاجئنا بأن الرادارات الإسرائيلية رصدت فى ٢٨ مايو ٦٧، طائرة استطلاع مصرية حلقت عاليًا فى محيط مفاعل ديمونة، أكثر من مرة، فسرت الحكومة الإسرائيلية هذا الأمر بأن مصر تستهدف المفاعل وربما تخطط لتدميره، لذا قرروا هم توجيه ضربة لنا وعجلوا بها، ولو صحت رواية المؤرخ الإسرائيلى فإن الضربة التى قامت بها إسرائيل علينا صباح الخامس من يونيو لا يمكن أن تتم دون سماح من أطراف دولية فى مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا.

الغريب أنه على كثرة أحاديث قادة ٦٧ فى مناسبات عديدة، وعبر فترات مختلفة، لم يشر أحد منهم إلى تلك الواقعة، هل حدثت بالفعل؟، أم هل كانت طائرتنا تقوم بمهمة عادية، لكن إسرائيل فهمتها على هذا النحو؟، هل تصور أحد القادة عندنا أنه بخطوة مثل تلك يظهر لإسرائيل «العين الحمراء»؟.

السؤال الأهم: هل كان ممكنا لمصر أن تبادر بشن هجوم على إسرائيل سنة ٦٧؟

الجواب هو، النفى المطلق. عالميا ما هو سبب الهجوم؟، إذا حدث ذلك فهذا يعنى أنك تتدخل للقضاء على دولة عضو فى الأمم المتحدة، وهذا لا يمكن أن يمر بالنسبة لأى دولة، فما بالنا بإسرائيل، والغرب كله يحمل فى ضميره وزر المحرقة «الهولوكوست»، فى هذه الحالة كان هجوم مصر يفسر فورًا وتلقائيا، بأنها تتجه لإقامة محرقة ثانيةً، وتعيد شبح هتلر، ولنتذكر جيدًا أن «صدام حسين» جرى له ما جرى وتم تدمير العراق واحتلاله، لأن صدام فى لحظة غرور وجهل سياسى هدد بحرق «نصف إسرائيل»، دعنا الآن من مسألة عدم ديمقراطية صدام، فطوال تاريخه كان سفاحا، وظل الغرب يدعمه، فهل اكتشفوا بعد أكثر من ربع قرن فى الحكم أنه كان ديكتاتورا، هل كان ديمقراطيا من قبل وبين عشية وضحاها صار ديكتاتورا؟.

باختصار كان من المستحيل على عبدالناصر أو غيره مهاجمة إسرائيل، الأسطول السادس كان فى البحر المتوسط جاهزًا للتدخل إذا حدث ذلك، سيناريو العدوان الثلاثى لم يكن اختفى، وكان سيناريو ضرب الإسكندرية واحتلالها كما جرى سنة ١٧٩٨ بأسطول ومدفعية نابليون، وكذلك المدفعية البريطانية والجنرال «سيمور» سنة ١٨٨٢- جاهزًا أيضًا.

من يريد أن يعرف معنى مهاجمة دولة أو التلويح بمهاجمتها عليه أن يتذكر تجربة صدام حسين مع الكويت سنة١٩٩٠، ويجب أن نراقب أزمة أوكرانيا الآن، وهناك أزمات أخرى مشابهة نعرفها جيدًا فى مصر.

سنة ٦٧، كان الاتحاد السوفيتى حليفًا وصديقًا للرئيس عبدالناصر، ولذا اقترح القادة السوفييت على عبدالناصر ترتيب لقاء فى موسكو يجمعه برئيس الوزراء الإسرائيلى، وافق الأخير على الاقتراح، وفى النهاية اعتذر عبدالناصر.

كانت حجة السوفييت فى تقديم هذا الاقتراح كالتالى: أنتم أخذتم كل ما تريدون، طردتم قوات الطوارئ الدولية وأغلقتم خليج العقبة، فماذا تريدون أكثر من ذلك؟، يجب أن تجلسوا ويتحدثوا معهم. ترى ماذا كان يمكن أن يكون موقف هذا الحليف لو بادرنا وهاجمنا إسرائيل؟!.

باختصار كان هجومًا مستحيلًا، لنتذكر أننا بدأنا حرب أكتوبر ٧٣، ومع ذلك فإن البيان الأول تحدث عن أننا تعرضنا للهجوم ودفاعاتنا تقوم بالرد، وفى النهاية كانت حربا لتحرير أرضنا المحتلة «سيناء»، ولم تكن هجومًا على إسرائيل، السلاح الذى قدمه السوفييت لنا، كان سلاحًا فى حدود ذلك الهدف، الذى سمّاه عبدالناصر «إزالة آثار العدوان» وليس الهجوم على إسرائيل.

حديث قادة الهزيمة عن الهجوم الذى حرمهم منه عبدالناصر يؤكد أن وعيهم السياسى كان محدودا للغاية، وهذا يعنى أن كفاءتهم القتالية- بالضرورة- كانت كذلك.

وإذا كان الهجوم مستحيلا فإن التلويح بالحرب أو خلق أجواء الحرب، ما لم يمارس بذكاء شديد ومرونة لا تسمح بمغامرات حمقاء أو أطماع قديمة لدى الخصم- يصبح فعلًا غير مدروس جيدًا، وتكلفته تكون باهظة للغاية؛ وطنيًّا وسياسيًّا وأخلاقيًّا.

حلمي النمنم

تابعونا على الشبكات الاجتماعية