تفصل 9 سنوات تقريبا بين ذلك الهدف المارادوني الشهير الذي سجله الأرجنتيني ليونيل ميسي في مرمى خيتافي ومحاكاته أمس لركلة الجزاء الشهيرة التي نفذها أسطورة آخر هو الهولندي يوهان كرويف.
حينما مررها "البرغوث" أمس لزميله لويس سواريز ليخدع سيلتا فيجو والجميع في المباراة التي انتهت بفوز النادي الكتالوني (6-1) ليعزز من صدارته للدوري الإسباني.
كانت تسعة مواسم لم يتوقف فيها ميسي عن التطور حتى أصبح أسطورة بل عبقريا لا يمكن تكراره في كرة القدم الحديثة؛ أفضل لاعب كرة قدم في كل العصور بشكل لا يقبل النقاش.
سجل ميسي في تلك الفترة 299 هدفا مع برشلونة في الليجا وفاز فيها بخمس كرات ذهبية والأهم من هذا أنه لم يتوقف عن ابهار جماهير كامب نو، التي عادت أمس لتضع أياديها فوق رؤوسها من فرط الذهول حينما شعرت بعد الخدعة التي نفذها الأرجنتيني في ركلة الجزاء أنها أمام لحظة تاريخية وساحرة وصعبة التكرار.
ابتكر ميسي أمس لنفسه حلا مدهشا وعبقريا في الوقت ذاته لمواجه سوء الطالع الذي يواجهه في ركلات الجزاء. تصرف فذ آخر.الدليل رقم مليون على مهارة وشجاعة وجرأة "برغوث روساريو".
لم تكن هناك أبدا حالة من الود والتناغم بين لاعب والجمهور بهذه القوة والفترة وعلى الرغم من محاولات البعض لتشويه فنه عن طريق الاستفزاز أو التقليل من شأنه، تمسك ميسي بأهم مبدأ تعلمه من صديقه تشافي هيرنانديز: كرة القدم عبارة عن كرة وأصدقاء.
وعثر النجم الأرجنتيني في الأوروجوائي لويس سواريز والبرازيلي نيمار على العناصر المثالية لفرقة العزف الهجومية التي تحلو له. إنها تلك الصحبة التي تخرج كل ثلاثة أيام للملعب لتقضية بعض الوقت للضحك والتلاعب بالكرة بين أقدامهم.
كانت تلك السنوات التسعة بين لعبة وأخرى هي الوقت الذي احتاجه ميسي لاتمام عملية تحوله الكروي ليصبح لاعبا كاملا. من ذلك الفتي صاحب الشعر الطويل والنظرة التائهة متكرر الاصابات والمهووس بالتسجيل لم يتبق تقريبا أي شيء.
من ذلك اللاعب الفردي الذي ظل يدفن رؤوس الحربة واحدا تلو الأخر من حوله في ملعب كامب نو، لأن أيا منهم لم يتمكن من فهم أنه هو من كان يجب عليه بدء وانهاء اللعبة، لم تتبق أي ملامح لأن ميسي وصل إلى قمة النضج في مسيرته.
لا يزال نهم ميسي للألقاب حيا ولكنه لم يعد يحتاج لتغذية اعتزازه بذاته أو غروره ليشعر أنه الأفضل، فهو يتنزه فوق العشب الأخضر موزعا الحلوى على من حوله، ومباراة الأمس أكبر دليل على هذا.
كان بامكان "البرغوث" تسجيل هدفه الـ300 في الليجا، ولكنه فضل حل مشكلته في ركلات الجزاء باهداء لويس سواريز امكانية اكمال ثلاثيته وتسجيل "هاتريك"، ربما لمساعدته في سباق الـ"بيتشيتشي" مع البرتغالي كريستيانو رونالدو لاعب ريال مدريد.
رحل ميسي عن الملعب بابتسامة عريضة كما لو كان هو من سجل الـ"هاتريك"، وهذا أمر طبيعي فمنذ فترة وأصبحت سعادته لا تعتمد على "تسمين" إحصائياته، بل التمكن من مساعدة الفريق وزملائه على تقديم الأفضل لمواصلة حصد الألقاب.
يقول مانيل استيراتي البطل الأوليمبي الإسباني في كرة الماء بكتابه (كل أشقائي)، إنه حينما بدأ في التخلي عن فكرة ضرورة أن يسجل بنفسه للبحث عن الأمجاد الشخصية، كانت تلك اللحظة التي شعر فيها بأنه أفضل لاعب كرة ماء بالعالم.
حدث شيء مشابه لهذا مع ميسي، فموسم تلو الأخر بدأ في تحسين تعافيه واستخدام قدمه اليمنى ورؤية الملعب والمشاركة، هذا بخلاف تحوله إلى أستاذ في الركلات الحرة.
لم يقتصر التحول على هذا، فخارج الملعب دخل في عالم الأبوة الذي ساعده على النضج وتحسين طريقة تخاطبه مع الغير واكتساب قيمة أكبر داخل غرفة الملابس.
بفضل هذا التحول، تحول برشلونة من معادلة (ميسي+10 لاعبين) ليصبح "الفريق الذي يلعب وفقا لرؤية ميسي على المستطيل الأخضر".
وهو الأمر الذي يبدو للوهلة الأولى أنه شيء واحد ولكنه على الرغم من هذا مختلف تماما؛ لأنه سابقا كان يوجد ميسي فقط؛ أما الآن فالكرة الموسيقية التي يقدمها البلاوجرانا تعزف مُنظمة بفضل نوتة ذلك المايسترو الأرجنتيني التي يحملها في رأسه بين قدميه