لقد كانوا خمسة جمعتهم مقاعد الدراسة والتحصيل العلمي مدة من الزمن تزيد على العقد وجمعهم ذالك الكوخ الخشبي اربع سنوات ,ذالك الكوخ الذي كانوا يطلقون عليه البرج مما يدل على صدق نظرية علم اللسانيات التي لا تشترط اي رابط دلالي بين اللفظ و المعنى او نظرية اعتباطية اللغة,
.لم يكونوا زملاء و اصدقاء فقط بل كانوا اخوة اشقاء تعاطوا رحيق المحبة وشربوا مدام الإيثار كثيرا ما مرضوا جميعا لمرض احدهم و ما ان يمن الله عليه بالشفاء حتى تراهم و كأنما نشطوا من عقال كان فرح كل واحد يعد مخزونا استراتيجيا لمحاربة الكآبة والحزن عند البقية وفضفاضة "مترفهم" فراشا وغطاء عن البرد لبقيتهم لا تجمعهم قبيلة و لا تربطهم جهة كانت فقط الاقدار وضعف ذات اليد والرجل.
كانت هنالك قواسم تجمعهم و خصائص تميزهم فقد ولدوا جميعا في اسر يقضي فيها الاب يومه بحثا عن لقمة عيش لعياله وتصرف الام نهارها في اعداد ما يسدون به رمقهم وتسهر ليلها لينام عيالها في دفئ وحنان.
كانوا جميعا من ابناء الضواحي او "الكبات" المُرَحلة مع بداية التسعينيات من القرن المنصرم لا يعرفون للترف طريقا و لا يحلمون بغير دفتر متناغم الالوان وقطعة خبز تصارع الجوع وتهزم جحافل الحاجة والفاقة.
كان همهم الوحيد ان ينهوا تلك المرحلة "بسلام" ان يتخرجوا من الجامعة و ان ينهوا دراستهم على احسن وجه ليحققوا الكثير من الاحلام الوردية الزاهرة التي اكملوا رسومها النظرية في مخيلاتهم و ظنوا واهمين انه لا يفصلهم عن تحقيقها غير قطعة من الورق "المقوى" خُطت فيها الاسماء بعناية تامة واطلق عليها اسم شهادة او اجازة.
واصلوا ليلهم بنهارهم وبذلوا جهدا مضنيا ليحققوا احلامهم و كان الواقع مغبرا و الرؤية شبه منعدمة لمن لا يرتدي نظارات تحمل "ماركة" النفاق و التملق والوساطة و المحسوبية.
تنكرت لهم الأيام ورمتهم ايدي النوى ليجوبوا قفارا وقفارا رمت بهم امواج بحر الحياة ليذهب احدهم الى المانيا علها تكون ارحم به و ذهب اثنان الى ليبيا ليعملا على مشاريع خاصة بهم تحت قصف الطائرات ومن بين برك الدم و اكوام البارود ورحل آخر ميمما عاصمتنا الاقتصادية ومنطقتها الحرة ليدير مصنعا لقريب له بعدما ذهبت سنوات من عمره و نفذت ميزانيته و ميزانية من يعوله في شراء طوابع الخزينة العامة املا في ان يغلط احد المصححين و يصحح له ورقة مسابقته تصحيحا "عادلا".
و تقاذفت الخامس الأيام ليصحوا وقد لفظه الوطن لا يحمل معه غير قلم وبضعة اوراق بيضاء.
كثيرا ما ضحكوا حد البكاء وهم يستمعون الى الناطق الرسمي باسم الحكومة او الى وزير الاقتصاد او حتى رئيس الدولة وهو يتحدث عن خفض البطالة وعن بحبوحة العيش وعن معدلات النمو وعن المجلس الاعلى للشباب و عن وكالة التشغيل.
طالما خنقتهم العَبرة وهم يستمعون الى المهرولين من المعارضة وهم يتحدثون عن المأمورية الثالثة وعن الغزو السعودي لليمن.
طالما ضحكوا وهم يستمعون لبرلماني متزلف مصفق يثني على جو العدل والمساوات طالما ضحكوا من كل ذالك وهم يعرفون زميلهم فلان الذي عين مديرا بعدما علق المجلس الأدبي اسمه على جدران الجامعة ومنعه من الامتحان بسبب الاختلاس.
طالما ضحكوا وهم يستطردون الحديث عن الزميلة الموظفة المرموقة التي كانت وفية جدا لمقاعد الدراسة لتتطلب منها السنة الأولى فقط اربع سنوات.... آه يادنيا
طالما تذكروا الكثير من تلك الامثلة وطالما حاولوا تلمس النقص الذي يعانون منه طالما حللوا وضعياتهم يستطرد احدهم في الحديث ليقول لزميله ماهي المشكلة؟
ما هو العائق؟
السنا نتحدث لغتين او ثلاثة؟
اليست لدينا الرغبة في الاندماج؟
هم بطبيعة الحال ليسوا نشازا و ليسوا بدعا هم مجرد مثال على جيل بل اجيال عاشوا مهزلة حكم العسكر و متزلفيهم.
هم مجرد عينات تصلح للدراسة والبحث لمعرفة اثر التهميش والظلم الذي وقع على هذه البلاد منذ ان ابتلاها الله في نخبها الحاكمة.
قطعا لن يفارقهم الأمل بغد احسن لهذه البلاد و لن يكسر اليأس من عزيمتهم وسعيهم لأن تنصف اجيال عانت من التهميش و التغيب و مورست عليا اكبر عمليات الظلم الى وهي ظلم الوطن
محمد ولد محمودا