منذ دعوة رئيس الجمهورية بمناسبة افتتاح النسخة الخامسة من المهرجان السنوي لإحياء المدن القديمة المنظمة بشنقيط نهاية 2014 كَافًةَ "خُلَطَاءِ" الهم السياسي الوطني إلي حوار جامع والحِرَاكُ السياسي مُسْتَمِرٌ من أجل إرساء الحوار المطلوب ينتعش حينا و ينكمش أحيانا متأثرا "بأحوال الطقس" الاقتصادي و الاجتماعي و النقابي و الطلابي و الحقوقي و الشرائحي و المَنَاخِي و "المِزَاجِي"...
.
و من الملاحظ أن الحوار السياسي عندنا حَرُونٌ و قد حَرُنَ منذ أشهر عند العقبة الأولي، عقبة "المُمَهِدَاتِ المَنْفُوخَةِ" مما يستوجب من الفرقاء السياسيين التقدم بمقترحات بديلة، الْتِفَافِيًةٍ و "تفاوضية" من أجل تجاوز العقبة الأولي فالمُحَاوِرُ الحَادِبُ المؤمن بأن الحوار علاجٌ للتحديات الراهنة و وقايةٌ من الأزمات المُتَرَبِصَةِ لا يُسَدُ عليه بَابٌ و لا يَمَسُهُ جمود علي النص و لا تَعَصُبٌ و لا فُتُورٌ من تكرار المحاولة و لا لُغُوبٌ.
و لو أن ببلادنا هيآت مستقلة لقياسات اتجاهات الرأي العام تمتلك وسائل علمية ذات مصداقية لتواترت علي أن 90% من الموريتانيين يَسْتَبْطِئُونَ الشروع في الحوار السياسي و إنهاء حالة "التجاذب السياسي الساخن" و "التأزيم بلا سبب" و أن هذه الأغلبية الغالبة تعتبر أن "النخب العليا" المستقلة "المُرَابِطَةَ" و "المُهَاجِرَةَ" وكذا الموالاة و المعارضة تتحمل مَسْؤُولِيًةً تَقْصِيرِيًةً في عدم بذل الجهد اللازم لتذليل عقبات الحوار.
و لا يخطئ المراقب الفطن وجود إشارات إيجابية و بِشَارَاتٍ مطمئنة هذه الأيام علي إمكانية التوافق السياسي من أهمها الموقف الأخلاقي رفيع الذوق الإنساني للشعب الموريتاني كافة و لرموز المعارضة بالمهجر و الداخل خاصة المتمثل في التضامن العاجل و العفوي مع رئيس الجمهورية و عائلته بعد الوفاة المفاجئة لولده المرحوم أحمدو ولد عبد العزيز و اثنين من رفاقه إبان مهمة خيرية في "الشرق" الموريتاني.
و في نفس السياق تَتَنَزًلُ لغة و مضمون رسالة الشكر علي التعازي و التضامن التي بعث بها رئيس الجمهورية إلي الشعب الموريتاني و التي كانت مليئة بعبارات الإشادة بالتضامن العفوي الصادق لرموز المجتمع علي اختلاف مَنَازِعِهِمْ بل ذهبت إلي حد التعبير عن أن مِنْحَةَ إظهار التلاحم و التضامن العفوي و الإنساني للشعب الموريتاني قد ساهمت في التخفيف من مِحْنَةِ المُصاب الجَلَلِ و المفاجئ الذي ألم بالأسرة الرئاسية.
كما لا تبتعد لغة و مضمون المقال الذي نشره الرئيس الدوري للمنتدي الوطني للديمقراطية و الوحدة عن السياق نفسه حيث جدد التضامن الإنساني مع الرئيس و دعا إلي الإسراع في إطلاق"الحوار السياسي المُنْتَظَرِ" مطالبا الموالاة و شركاءه في المنتدي بالاستعداد لتقديم تنازلات سياسية مما يفهم منه الاتهام الصريح للموالاة بإعاقة الحوار و الاعتراف الضمني بمسؤولية المعارضة عن التقصير في تقديم التنازلات الضرورية لتسريعه.
و في خانة المناخ السياسي الإيجابي يمكن أيضا تصنيف استقبال رئيس الاتحاد من أجل الجمهورية لضيوف حزب التجمع الوطني للإصلاح و التنمية (تواصل) الذين حَضَرُوا و حَاضَرُوا في نواكشوط الأسبوع المنصرم رغم أن حزب تواصل هو أحد أَلَدِ أحزاب المعارضة خِصَاًما و يشغل حاليا زعامة مؤسسة المعارضة ويُشَاعُ أنه ليس من "القَشْعَرِيرَةً" التي تعرفها الساحة النقابية و الطلابية ببعيد.!!
و في تقديري أن واجب النخب الوطنية العليا هو استغلال هذا المناخ السياسي الإيجابي الآنف بيانه و التفكير العملي الحاسم في معالجة الأسباب التي جعلت الحوار السياسي يَحْرُنُ عند العقبة الأولي و التي من أهمها في اعتقادي "النًفْخُ" في ممهدات الحوار و مواضيعه علي النحو الذي بدا أشبه بمن يريد تَنْظِيفَ و تَضْمِيدَ جرح بسيط فيلجأ إلي تخدير كلي و فريق إنعاش وطاقم جراحي متكامل و عَالِيِ التخصص.!!
المختار ولد داهي ، سفير سابق