فوعد الكريم ألزم من دين الغريم! ... وذات مساء من أيام العشرية المجيدة شَرُفت بلقاء فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لأول مرة، وهْوَ يومها قائد أركان الجيوش! كان ذلك في عزاء أخي صديقه وأخيه ورفيق دربه، فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي أقيم بمنزل الأسرة بلكصر. وكان القائدان يجلسان كعادتهما جنبا إلى جنب، ويتلقيان التعازي معا. وكان المصاب مصابهما معا.
.كان العزاء مهيبا، وجحافل المعزين تتدفق من كل حدب وصوب. ومع ذلك فقد احتفيا بنا، أنا وصديقي العزيز شاعر موريتانيا أحمدُ ولد عبد القادر، شفاه الله وعافاه ومد في عمره، فتقبلا تعازينا وتبادلا معنا عبارات ودية رقيقة.
كان الرجل يمثل - في نظري- قوة موريتانيا الصلبة الضاربة، وعقلها الرزين، وحصنها الذي تلجأ إليه في الملمات:
[عَندْ] "امْنَيْنْ إگيَّمْ لَعْيَاطْ ** وإعُودْ الگلْبْ اغْلافُ مَشْبُوحْ
وظل ذلك اليقين يسكنني، رغم عدم مخالطتي الرجل الكتوم المتواري غالبا عن الأضواء، والمنهمك غالبا في عمله الوطني الجليل!
"كانت مساءلة الركبان تخبرنا ** عن جابر بن فلاح أطيب الخبر"
وأوشكت مأمورية فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز الثانية على النهاية؛ فأصر قبل غيره، على الانصراف وعدم الترشح لمأمورية ثالثة، وترشيح خلف أمين. ووقع اختياره على أخيه ورفيقه وشريكه في النضال وبناء الوطن، الجنرال محمد ولد الشيخ الغزواني.
كان لا بد من خطوة تكرس عمليا ذلك التوجه؛ فعين الرجل وزيرا للدفاع.
قرأ الموريتانيون الرسالة بسرعة، فهُرِعوا زرافات ووحدانا إلى منزله مهنئين ومباركين، وكنت من بين الوافدين، فالتقينا للمرة الثانية. كان المشهد مهرجانا جماهيريا عفويا حاشدا ملأ المنزل الفخم والساحات المحيطة به! وكان الرجل يرتدي دراعة قديمة من الشكة، ويقف ساعات طويلة تمتد إلى وقت متأخر من الليل محشورا بين الوفود، يصافح ويتلقى التهاني بحذرِ وقلقِ من له دراية بمجتمعنا. وقلما يجد وقتا أو مكانا للجلوس رغم سعة المكان، لكثرة توافد الناس وتدافعهم نحوه. وكان محاطا بأصناف لا تحصى من البشر من بينها الصديق والشفيق والعدو والمحابي والمداهن.. قدموني له فحياني مبتسما فبادرته بالقول: إن الله ألقى إليك مقاليد البلاد فكن عند حسن ظن شعبك ووطنك بك واحفظ الأمانة كما يحفظ المؤمن دينه ونفسه وأهله! وأردفت بالحسانية: "وانتْفَخْ فِالْحُفْرَه"! فهز رأسه إيجابا وقال: إن شاء الله!
وتتابعت الأحداث، وترشح، فدعمته دون تحفظ. وجرت الحملة الانتخابية فخضتها لصالحه: حضرت المهرجانات وغيرها من النشاطات التعبوية الجماهيرية، وكتبت المقالات التوجيهية. وأعجبتني ملَكته الخطابية، ووضوح رؤيته، وكمال وصحة برنامجه الانتخابي، وتلبيته لمتطلبات المرحلة. فنوهت بذلك، وقلت في مقال بعنوان "لما ذا الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد رئيسا؟":
فالرجل هو أحد أبطال حركتي 3 و6 أغسطس المجيدتين اللتين أنقذتا البلاد والعباد من حضيض التيه والضياع والهدر والفساد والتمزق والخوف والإرهاب الذي كنا نتردى فيه! ومن لا يقف على صرح حركتي 3 و6 أغسطس لا حق له في الكلام في موريتانيا الجديدة، أحرى أن تسول له نفسه الطموح إلى الترشح لقيادتها، والعبور بها إلى بر الأمان في أول اختبارِ تداولٍ ديمقراطيٍّ للسلطة!
والرجل في رصيده منجزاتُ عشريةِ الأمن والسلم الأهلي والبِناء والنماء والإصلاح والحرية والديمقراطية التي أنعم الله بها علينا في هذا العهد الميمون؛ والتي هو أحد بُناتها وحارسها القوي الأمين الثابت رغم التحديات، والذي ظل ظهيرا وعونا قويا وشريكا فيها لأخيه وصديقه ورفيقه في الفكر والسلاح؛ فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز.
والرجل على خلق عظيم لا مراء فيه؛ فهو يجمع بين التواضع والزهد العريق وسمو النفس والطموح إلى المعالي والشجاعة والصرامة والحزم والثبات والتكتم. كما يجمع أيضا بين المعارف الأصلية والعلوم الحديثة المدنية والعسكرية. وهو كذلك من أقدم وأبرز جنرالات جيشنا الوطني الجمهوري البطل الذي بناه بعد اندثاره وقاده أزيد من عشر سنوات، ويتمتع باحترامه وتأييده.
والرجل فوق هذا وذاك هو مرشح رئيس الجمهورية، ومرشح رئيس البرلمان والبرلمان، ومرشح رئيس الحزب الحاكم والحزب الحاكم؛ وبالتالي فهو مرشح الأغلبية الذي ينعقد حوله إجماعها التام وتأييد معظم الشعب الموريتاني الذي منحها ثقته".
ودعوت للتصويت له، وصوتُّ له رئيسا للجمهورية، وما زلت متمسكا ببيعتي التي بايعت. وقد حضرت حفل تنصيبه وتسلمه لمقاليد الرئاسة. ذلك الحفل الذي كان مفخرة لبلادنا ولأمتينا ولشعوب العالم الثالث، وخزيا ووبالا على الطغاة والمفسدين، وقال عنه جهابذة الصحافة ما يلي:
"لم يكن المشهد الذي قدمته موريتانيا للعالم أمس مألوفا في الوطن العربي، رئيسان جالسان على المنصة نفسها، أولهما محمد ولد عبد العزيز المنتهية ولايته بعد عشر سنوات ضبط فيها الأمن، وقاتل الإرهاب، وطرد السفير الإسرائيلي، وأحدث بداية نهضة اقتصادية واجتماعية جيدة، وحافظ على استقلالية لافتة. والثاني الرئيس المنتخب محمد ولد الغزواني الذي بادر شعبه بخطاب التنصيب قائلا إنه سيكون رئيسا لكل الموريتانيين؛ شاكرا من انتخبه، وشاكرا أيضا من اختار المعارضة التي اعتبرها ضرورية ليستوي الوطن دون تفرقة ولا عنصرية، ومشددا على رفض أي إملاءات" (سامي كليب).
"شاهدت للتو ظاهرة حضارية ديمقراطية غير مسبوقة في موريتانيا.. رئيس منتخب سلم السلطة بطريقة دستورية لآخر منتخب، ويتعانقان بحرارة وهما في قمة اللياقة والحكمة، ودون طعن خناجر مسمومة في الظهر.. شكرا لموريتانيا وشعبها العظيم.. لم أسيطر على دموع الفرح وأنا أعانقهما إعجابا بهذه المفخرة". (عبد الباري عطوان).
وإنني لعلى يقين راسخ - رغم ما جرى ويجري- بأن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني سينجز وعده، وينفذ تعهداته الوطنية، ويبر يمينه التي أقسمها بين يدي الله وأمام شعبه! مهما كان مكر الماكرين وكيد الكائدين وإرجاف المرجفين.. فهو حازم وكتوم وعصي على اختراق وتحكم آفاتنا الأربع: الفساد والقبيلة والجهة والبطانة!
وعندما بدأ أعداؤه وأعداء الوطن التآمر عليه ودق إسفين بينه وبين أغلبيته وأصدقائه وأركان دولته باسم محاربة فساد زائفة تفضحها ممارساتهم، حاولت الاتصال به مباشرة؛ لا طمعا في منصب ولا امتياز.. بل لتقديم النصح، و«الدين النصيحة». ولما لم يتسن لي ذلك، نصحته عبر المتاح، وبينت له طبيعة ودوافع وأهداف تلك الحركة، في سلسلة مقالات متوفرة على الشبكة، هذه عناوينها: "رسالة مفتوحة من النخبة إلى فخامة الرئيس المنتخب" و"من روائع دروس تاريخنا المجيد" و"فخامة الرئيس أنتم في واد والنخبة في واد" و"حتى لا ينتكس العلم الوطني المرفرف" و"محاولة انقلاب فاشلة جديدة"..
وسأظل ما حييت - إن شاء الله- إلى جانبه وجانب الوطن والشعب!