أدرج تكيف الأقاليم مع التغيرات المناخية في المغرب العربي في قلب ملتقى دولي نظم في الفترة ما بين 2 إلى 4 نوفمبر 2015 بالقنيطرة في المغرب من طرف جامعة ابن طفيل بالشراكة مع عدة مختبرات ومعاهد مغاربية وفرنسية. وقد تطرقت المواضيع التي التباحث بشأنها ما يلي:
.· تقييم وآثار التغيرات المناخية والمعرفة بالتغيرات المناخية؛
· التغيرات المناخية: الانعكاسات على الأقاليم والمساعي العملية من أجل تقليص الآثار والتكيف؛
· الحكامة واستراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية؛
· إدراك التغيرات المناخية من طرف السكان؛
· الأشكال المحلية والتغيرات المناخية.
وقد مثلت موريتانيا في هذا الملتقى من طرف المعهد الموريتاني للتكوين والدراسات والبحث والتنمية (IMFRED).
وتم التطرق إلى الحالة في البلاد من خلال مداخلتين. إحداهما حول التطور المناخي لموريتانيا والمغرب والمحيط القريب منهم أما الثانية فقد تناولت إدراك التغيرات المناخية وسلوك السكان في الجنوب الموريتاني.
وقد لاحظت المداخلة الأولى المقدمة من طرف البروفيسور ليلى عمراوي أن الهشاشة المناخية حيث موارد المياه تؤثر بقوة في الوضعية الاقتصادية وذلك راجع أساسا إلى انخفاض الكميات الإجمالية للتساقطات المطرية المصاحب لارتفاع درجات الحرارة.
ولهذا السبب فإن ظروف الحرارة والتساقطات المطرية والتغيرات المناخية كانت موضوعا لعدة دراسات. غير أن هناك أبعادا أخرى تؤثر في حركة الجو في طبقاته السفل لم تنل نفس الحظ من الدراسة. مثل الضغط الجوي والرياح. ومن جهة أخرى فإن التيارات الصاعدة (Upwelling)في الشواطئ المغربية-الموريتانية التي تشكل عنصرا مهما في الديناميكية المناخية لكلا البلدين والتي تبين استمرارية الميكانزمات المناخية، لم يتم التطرق إليها إلا نادرا في الدراسات والأبحاث حول التغيرات المناخية في شبه المنطقة.
تقترح البورفيسورعمراوي إذا تحليلا للتغيرات المناخية الأخيرة في المغرب وموريتانيا ومحيطهما القريب يأخذ في الاعتبار الظروف الحرارية والدينامية المناخية الشاطئية أي التيارات الصاعدة (Upwelling & TSM)ثم الديناميكية الجوية في المساحات المكونة من الضغوط الجوية والرياح بالاستناد على معطيات المركز الوطني الأمريكي للبحوث الجوية NCARإضافة إلى الصور الحرارية الصادرة عن جهاز الطاقة الإشعاعية AVHRR(Advanced VeryHightResolutionRadiometer). لقد تم تحليل كافة أبعاد .الأرصاد الجوية ودراسة التغيرات والتحولات المناخية طيلة السنة بصفة سنوية وشهرية وموسمية. إن التحليل الذي يقوم على الانحدار الخطي و وتصنيف هيبرsegmentation d’Hubertمكن من تبيان أن الفضاء المغربي الموريتاني عرف خلال العقود الستة الأخيرة للتغيرات المناخية متباينة سواء على المستوى الفضائي أو الموسمي مع ملاحظة نقطة مشتركة تتمثل في انقطاع مناخي رئيسي خلال سنوات السبعينات. كما سجلت فترة انقطاع أخرى باستخدام منظور هيبير. وتتعلق بسنوات التسعينات فيما يتعلق بتتبع مسار درجات الحرارة والهواء في الحظائر الوطنية البحرية PNM.
وإجمالا، فإن سيناريو التغير المناخي الذي يرتسم عبر هذه التحليل يبدو مرتبطا بتعزيز الضغط الجوي المرتفع للبحر المتوسط الصحراوي وإضعاف للهبوط الحراري الصحراوي.إن تغير الرياح التجارية البحرية من ناحية السرعة والاتجاه إضافة إلى التيارات المتصاعدة Upwellingالشاطئية يمكن ربطها بتغير الضغط الجوي المرتفع الأزوري نحو الغرب خلال العقود الثلاثة الأخيرة. والواقع أننا يمكن أن نفترض أن الجنوب الشرقي سيميل إى برودة درجة الحرارة بينما ستطور الباقي نحو الاحتباس الحراري. وهو اتجاه إيجابي للتساقطات المطرية التي تمكن ملاحظتها في الجزء الساحلي.
وقد تناولت المداخلة الثانية المقدمة من الدكتور عبد الله جارا موضوع إدراك التغيرات المناخية وسلوك المزارعين في جنوب موريتانيا. ويعمل في هذه المنطقة أساس نوعان من المزارعين أساسا. ويتعلق الأمر بالزراعة من مياه فيضانات متتالية إلى تساقطات مطرية جيدة والزراعة المطرية المرتبطة أساسا بالتساقطات المطرية. إن التغيرات المناخية التي ترجمت خلال السنوات الأخيرة بانخفاض سقوط الأمطار وعدم انتظامها خلفت تغيرات هامة على مستوى سلوك السكان في استغلال بيئتهم. إن الهبوط الشديد للتساقطات المطرية جعل معظم السكان الممارسين للزراعة المطرية ينصرفون إلى قطع الأخشاب وتحويلها إلى فحم بغية التجارة مما دمر الغابات بشكل متسارع وعلى نحو كبير.أما الفئة الأخرى من المزارعين فقد تحول إلى زراعة الفيضانات النهرية انطلاقا من نهر السنغال. مما ينجم عنه أثر مهم على الغطاء النباتي ويهدد نهر السنغال بالتصحر. إن هذه التطورات غير المسيطر عليها لا يمكن اعتبارها أشكالا من التكيف أو المقاومة السلبية لها تأثيرات هدامة في النهاية مما يتبقى من الموارد الطبيعية. وبالعكس فإن تنمية حصاد الفواكه – الطبيعية – (الصمغ العربي، العناب إلخ) يمكن أن تسهم في المحافظة على الغطاء النباتي وتجديده. وانطلاقا من ملاحظة كون مفاهيم المقاومة السلبية والمقاومة الإيجابية تم تطويرهما فإن قيمة هذا المنظور تتمثل في التمكن من تقييم اثر مختلف أشكال المقاومة واستشفاف الإجراءات المناسب للحلول محلها أو تعويضها أو تقليصها على النحو المطلوب. إن هذا المسعي سيكون مهما في إطار إعداد سياسات واستراتيجيات في مواجهة التغيرات المناخية.
شكل هذا الملتقى فرصة ممتازة لعرض ومقارنة النتائج ومستوى الإدراك كما تم خلاله تقديم تحليلات وتفسيرات للوقائع التي كانت موضوعا لتحقيقات وأبحاث وأسئلة ومقابلات وكذا للتقييم الأدبيات المتعلقة بالتغيرات المناخية والتكيف معها. كما تم خلاله توضيح الإشكاليات المرتبطة بالتغيرات المناخية وطبيعتها ذات الأبعاد المتعددة وإثرها المتنوع الحقول والذي ينبغي أن يمتد إلى مختلف المجالات التي تهم المجتمع المدني.
الدكتور عبد الله جارا
البريد الألكتروني: [email protected]