دقة - حياد - موضوعية

"دالي كمبة" الموريتانية.. نور البصيرة يقهر ظلام البصر

2019-03-01 02:46:40

على بعد ستين كيلومترًا من مدينة تمبدغه، أقصى الشرق الموريتاني، يعاني أهالي قرية "دالي كمبة" من العمى الوراثي حيث يولد أكثر من نصف أطفالها دون أن يروا النور، يكبرون ويلعبون ويتعلمون ويعيشون ويتزوجون وهم كفيفو البصر، ويعاودون الإنجاب وتوريث المرض

.

في هذه القرية المنسية ثمة حكاية تشبه الأساطير، مواطنون ورثوا الظلمة وعاشوا في الظلام تساعدهم قلة مبصرة في التنقل والقيام بالأعمال الزراعية التي تعتبر مصدر الدخل الوحيد لهم

يسرقك الفضول لأن ترى عن كثب كيف يعيش أهل القرية حياتهم، وكيف يتكيفون مع العمى الذي هم فيه، وتسأل نفسك لبرهة، كيف يعرفون الوصول إلى بيوتهم دون خطأ، وكيف يمارسون حياتهم اليومية دون أن تذل قدم أو تتوه الأجساد، فتتأمل وأنت تسبح الخالق عز وجل الذي يدبر الأمر حين وهب هؤلاء من الحكمة والصبر والحيلة ما يجعلك تشكك في رواية العمى هذه لولا أنك تراها بعينك .

فلا أحد يمكن أن يقنع السكان هنا بأن يكفوا عن عشقهم لأنفاس الحياة، وعن تمتعهم بألوان تعيش في مخيلتهم حتى وإن لم يشاهدوها، فخلف البصر الضرير ثمة بصيرة مفعمة بالخيال، تنبض تفاؤلا فيما لو وزعته على المبصرين في الأرض لكفاهم، فهذه الصحراء التي اختارها القدر لهم منفى جغرافياً، إلا أنها تعطي بصَمْتِها واتساعها مساحة لأحلامهم التي لا تنتهي إلا وهذه الرمال منتهية.

يحفظ أهلها القرآن فهو يسكن في جوفهم وعقولهم وألسنتهم، وتراه مجسدا في إيمانهم وتصرفاتهم والطيبة التي تسكن محياهم فيبتسمون لصوتك ويستمعون لصمتك ويبادلون الخير بالخير والنعماء بالشكر

أكثر من نصف سكان القرية يعانون من مرض العمى الوراثي المنتشر في القرية منذ عقود، دون أن تتحرك السلطات لإنقاذهم ومساعدتهم على تدبر معيشتهم.

واقع القرية قد ذاع صيته ليصل إليها فريق "عطايا" الإمارات بعد تحضير كبير على مستوى عال في الدولة، بمبادرات خيرة تزامنت مع عام زايد، وتم تخصيص ريع تلك المبادرات من معارض وغيرها لتمكين القرية وأهلها ونقلهم إلى سبل العيش الكريم ورفع مستوى الخدمات.

لم يفكروا لحظة واحدة أن الدرب بعيدة، ولم يتأففوا من صحراء حارقة، لم يقولوا إنهم قلة من الناس ولا يحتاج الأمر إلى شد الرحال إليهم، هم فقط حزموا ما لديهم من عدة وعتاد، وتسلحوا بالإنسانية وشدوا الرحال إلى حيث يأن الألم في عزلته، فجاؤوا ومعهم من العطايا ما يسر القلوب ويرمم زوايا الأمل المتهالكة.

و"عطايا" هي مبادرة وطنية تأتي منسجمة مع توجهات الإمارات لاستدامة العطاء ومعززة للرسالة الإنسانية العالمية التي تضطلع بها الدولة وتستهدف تحسين حياة الإنسان وتحقيق حلمه في العيش الكريم من خلال توفير الخدمات الضرورية التي يحتاجها.

وأنجزت عطايا في هذه المرحلة 40 منزلا مع الملحق والسور الخارجي، ومدرسة من أربعة فصول وعيادة طبية ومسجد، إضافة إلى بيت تعليمي للحرف اليدوية، وحفر بئر ارتوازية مع خزان مياه يعمل بالطاقة الشمسية.

انتهت مرحلة ولم ينته العطاء، فدالي كمبة لم تعد معزولة بعد اليوم، فجسر الخير الذي امتد من هناك في حضن الخليج العربي إلى هنا آخر بقاع العرب عند المحيط الأطلسي، لن ينقطع يوما.

وحسب مسح قامت به وزارة الصحة حول أسباب العمى في موريتانيا، توصلت إلى أن ثمة عدة عوامل مسببة للمرض، من بينها عدم توفر العلاجات كما ينبغي، وحدوث العمى الناتج عن العلاجات التقليدية.

تابعونا على الشبكات الاجتماعية