هذا رسم (بورتريه) قديم جدا وهو لشخصية من قبيلة غزونَه التروزية الموريتانية يعود للقرن السابع عشر ولم يذكر اسم صاحبه في المرجع الذي أورده، ولعله من أقدم الرسوم التي دونها بعض الرحالة الفرنسيين في رحلاتهم لما مروا ببلادنا، وتظهر فيه أمور منها:
.*- أن الرماحَ هي سلاح القرن السابع عشر في موريتانيا، وهي رماح فارعة الطول تزيد على المترين، وفي رأسها نصل حاد جدا، فالبنادق لم تنتشر بعد في ذلك التاريخ.
*- ومنها أن اللباس عبارة عن كساء مصنوع من الصوف أو الجلود يضْطَبِعُ به الرجل (والاضطباع أن يأْخذ الرجل الكساء فيجعل وسطه تحت إِبطه الأَيمن ويُلْقِيَ طَرَفَيْهِ على كتفه اليسرى من جهتي صدره وظهره، وسمي بذلك لإِبْداءِ الضبْعَيْنِ، والضبع: أوسَطُ العَضُدِ).
*- ومنها أنهم يقيدون خيلهم تقييدا خاصا فيجعلون في كل وظيف من أوظفة الفرس حبلا يشد إلى وتد في الجهات الأربع بعد أن يجعلوا بين كل وظيف وآخر حبلا يُدانُون به قيدَه ولا يُمْلُونَ له فيه كأنهم يمنعونه من الرسيف.
وعزونه كما ذكر المختار بن حامدن هم: بنو اعلي بن تروز وبطونهم وأولاد بنيوگ ولگبَاعَاتْ وأولاد آكشار (أولاد آكشار الترارزة لا أولاد آكشار يحيى بن عثمان)، ومن زواياهم أولاد بازيد والطلابين".
وكانت فيهم قوة وشكيمة وشجاعة منقطعة النظير، وأغلب مناطق سكنهم في القرن السابع عشر والثامن عشر حسب كتب الرحالة الفرنسيين في شمامه على الضفتين اليمنى واليسرى لنهر السنغال.
ومع أن تسمية عزونة كانت مشهورة في القرون الماضية وتطلق على مجموعة واحدة بعينها، إلا أنها مع الزمن توزعت إلى مكوناتها وصار كل منها يحم اسمه، ولم تعد عزونة تستعمل فحلت محلها المكونات التي كانت منضوية تحت هذا المسمى (أولاد آكشار وأولاد بنيوگ.. إلخ) ، ولعل آخر ذكر لها في المراجع التاريخية التي بين يدي كان في نهاية القرن التاسع عشر حيث تقول الجريدة الرسمية في السنغال في 18 نوفمبر 1893، وهي جريدة نصف شهرية كانت تصدر باندر متحدثة عن مصرع أعمر سالم ولد محمد لحبيب رحمه الله يوم سالم يوم 14 أكتوبر 1893 وكيف كانت قبيلة عزونة تقف معه ضد ابن أخيه أحمد سالم ولد اعلي (بيادة)، تقول الجريدة:
"لم ننس بعد محاولات أعمر سالم الكثيرة خلال الثمانية عشر شهرا الماضية لاستعادة ملكه وقد انتزعه منه ابن أخيه أحمد سالم.
ومع أن أعمر سالم التزم الهدوء منذ أشهر بعد أن باءت محاولاته كلها بالفشل إلا أنه لم يستسلم ولم يقبل الهزيمة. لقد اختار الانسحاب إلى وزَّانْ وهو بين تگانت والترارزة حيث عاش عيشة ضنكا بين مئات من أنصاره إلى أن استدعاه بدءا المختار ولد محمد عالي رئيس قبيلة عزونة للقدوم إلى الترارزة وأقنعه بأن الساكنة معه. في ذلك الوقت كان أحمد سالم (ولد اعلي) في منطقة العقل أي على مسيرة أربعة إلى خمسة أيام من النهر. وما إن علم أحمد سالم بعودة غريمه إلى إيالته حتى هب ومعه مائة فارس وستمائة من المشاة، فادَّارك بأعمر سالم يوم 14 أكتوبر (1893) في حي على شاطئ الأطلسي يبعد مسيرة يومين إلى الشمال من انجاگو . لم يكن مع أعمر سالم سوى ثمانية فرسان ومائة من المشاة. وعندما ما اقترب منه جيش ابن أخيه انسحب شمالا مع محاذاة المحيط، وقد سار جيش أحمد سالم كله متعقبين أعمر سالم فلحقوا به بعد أن قطع مسافة تقارب الثلاثين إلى الأربعين كيلومتر. وبعدما تأكد أعمر سالم من ضياع الفرصة بدأ في التراشق مع المغيرين ببندقيته حيث أطلق منها طلقتين دون نتيجة. وعندها تساقط الفرسان القليلون الذين بصحبته الواحد تلو الآخر بنيران الجيش المغير أصيب أعمر سالم بطلقات عديدة قضت عليه. وبعد ذلك أعلن أنصاره ولاءهم لأحمد سالم".
ويقول امحمد ولد أحمد يوره ذاكرا قبيلة عزونه في أبيات:
أنا ونجلُ فتى الفتيانِ "راعِينَا" ۞ ونجلُ جَلَّدِّي حولَ الخود مُنِّينَا
فتارةً ببياض الثغر تضحكنا ۞ وتارة باحمرار الخد تبكينا
لو كان تبتاعها عزونَ في ثَمن ۞ من الدُّنَيَّا فأيديهم وأيدينا
ويعني بقوله: "ابن فتى الفتيان" أمير الترارزة الأمير أحمد سالم ولد محمد الحبيب المقتول رحمه الله ليلة 20 مايو 1873 بأيْشايَه غرب المذرذره، و"ابن جلدي" هو محمد ولد جلدي وكان من ظرفاء المحصر وله مع ابن أحمد يوره إخوانيات شعرية ظريفة.
الباحث سيدي احمد ولد الامير