دقة - حياد - موضوعية

قريبا تولد دولة "موريتازاواد"!!

2018-09-23 00:17:07

كتب الصحفي السينغالي بابكر جيستين انجاي، المتخصص في الشؤون السياسية، مقالا تحليليا مثيرا في صحيفة "دكار بوست". وخدمة لقرائها الكرام، تقدم "صحيفة نواكشوط" ترجمة حصرية لأهم ما جاء في هذا المقال الذي أعيد نشره في العديد من صحف دول الساحل وغرب إفريقيا.

.

العنوان الأصلي للمقال هو :"مالي وموريتانيا ومحمية أزواد القادمة". أما العنوان الذي اخترناه نحن للمقال فهو عبارة عن جملة وردت في آخره ورأينا أنها تعبر عن المضمون أكثر فأبرزناها كمدخل لفهم النص.

جاء في المقال: "بعد الضجيج الانتخابي والتنصيب الرزين للرئيس المالي إبراهيم بابكر كيتا، فإن السلام العاجل يملأ المأمورية الثانية للرئيس المالي الواقع بين فكي كماشة من الضغوط المتسمة كلها بالطابع الاستعجالي خاصة في ما يتعلق بالتطبيق السليم لاتفاقية الجزائر الموقعة يوم 15 مايو 2015. ومن هنا نرى بعض المؤشرات التي تنبئ بمصير شمال مالي بوضوح تارة وبما دونه تارة. لكنها كلها تلتقي في حتمية إعادة تشكيل مؤسساتي وترابي في مالي. لقد عبر سفيرا فرنسا والجزائر المعتمدان في باماكو، إبان خروجها من حفل التنصيب، عن ذلك بوضوح، فقد قال سعادة السفير أفيلين دكورب وبوعلام شبيهي، في رسالة إعلامية موجة للرئيس المالي، ان السلام والأمن هما ما تنتظره حكومتاهما. وهكذا فرضا علي الرئيس المالي المنتخب دفتر التزامات محدد جدا.

في هذا السياق، فإن قراءة وتحليل بعض الأحداث القريبة أو الراهنة توضح الخارطة المتمخضة عن اتفاقية الجزائر وإن كان قد تم تعديلها وتحسينها لتكون ملائمة أكثر من حيث الأبعاد السياسية. إنها خطة سلام فريدة حقا. لقد وضعت وجبة تجزئة مالي على مأدبة الرئيس ابراهيم بابكر كيتا. والحقيقة أن اتفاقية الجزائر تشكل، بحد ذاتها، دعاء الوداع الجنائزي الأخير لوحدة مالي الذي كان إلي حد الساعة موحدا لا يتجزأ، ما يبرهن على صعوبة وخطورة تطبيقها من قبل الرئيس المالي رغم أنه أحد موقعيها. لقد عبر الشعب عن رفض الاستفتاء الذي يفرضه الدستور قبل أي تطبيق لهذه الاتفاقية عندما نزل الآلاف في الشوارع للوقوف أمام أية محاولة لتفكيك دولة "مالي العظمى". إنه الانسداد الذي تحاول فرنسا التصامم عنه من خلال رعايتها لحيز يسمى أزواد: تلك المنطقة التي ستوضع تحت وصاية موريتانيا ولو ضمن الأراضي المالية، إلا أنها سترتبط جذريا بموريتانيا التي ستؤمنها وتحميها من الجيش المالي الذي سيمنع نهائيا من دخول منطقة كيدال.

الكثير من الحقائق يثير فضول المراقبين. فحسب زملائنا من موقع "أفريكا خيبارو" فإن فيلقا من 15 سيارة تابعة للجيش الموريتاني، بقيادة العقيد أحمد محمد عبدي، دخل مدينة كيدال مساء 11 سبتمبر. ومباشرة بدأت الاتصالات بين الضابط الموريتاني ونظرائه الفرنسيين من قوات برخان. هذه المعلومة لم تؤكدها ولم تنفها حكومة باماكو التي فضلت الصمت. بعد الإنذار الذي صرخ به الزملاء في صحيفة "أفريكا خبارو"، اتصل موقع "دكار أكتي" بصحفيين من جريدة "كيدال إينفو" فما زادوا على أن هذا الخبر منتشر كالهشيم في المنطقة، وأن الشائعة تقول ان القاعدة الأساسية للجنود الموريتانيين توجد في "أسوك" على بعد 45 كلم من مدينة كيدال. وتقول آخر أصداء هذه الشائعات ان بعض الجنود الموريتانيين ومعداتهم يحتلون منطقة قريبة من مسلخ كيدال. مهما يكن فثمة سؤال وجيه: هل تطرح نواكشوط الحجر الأساس لأول ضم أو استيلاء متفق عليه بمباركة من باماكو والجزائر وباريس؟.. على كل حال كل واحدة من البلدان الثلاثة تجد الدواعي الكافية لمباركة هذا الأمر. ففرنسا ستنقص مجهودها الحربي وتضع حدا تدريجيا لأثقال قوة برخان، بينما ستكون الجزائر أقل قلقا على المنطقة وستكون سعيدة لرؤية الجيش الفرنسي يبتعد عن حدودها، وستكون راضية لا شك عن الوصاية المتصاعدة لموريتانيا على أزواد وهي الدولة الصديقة التي اعترفت بالبوليساريو منذ سنوات عديدة. وكذلك ستكون الجزائر مرتاحة لتمكن موريتانيا من جعل منطقة أزواد أكثر استقرارا وتمكنها من تأطير جيش الحركة الوطنية لتحرير أزواد. ومن وجهة نظر الجزائر فإن الحضور الدائم لموريتانيا في أزواد وتأثيرها في مجريات أموره سيكون أحسن الاحتمالات السيئة في شمال مالي.

وأما بالنسبة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز فإنه سيستغل هذه الفرصة التي منحه إياها الرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس المالي بابكر كيتا ليضمن لنفسه زعامة منطقة الساحل. وفي انتظار أن ينقشع الضباب المحيط بالوجود العسكري الموريتاني في كيدال، فإن "رجل نواكشوط القوي" سيبفرض نفسه كمخلص لمالي التي توجد على حافة الغرق بعد أن لعب دوره الكامل في تقسيمها.

وحسب أوساط مطلعة فإن أهداف نواكشوط بخصوص مالي كانت موضعا لتخطيط متقن وقديم. فموريتانيا التي ساعدها التاريخ وساعدتها الجغرافيا تملك معرفة كبيرة بدولة مالي التي ابتلعت، سنوات 1941 و1945، مدنا منها تمثلت في النعمه واعيون العتروس بعيد تقسيمة ترابية أعدها الوالي اكريستيان لكري. لذلك نجد الكثير من البيظان ذوي الثقافة البمبارية موزعين في الإدارة والشرطة والجيش الموريتاني. ويمثل الجنرال حننه ولد سيدي، القائد الجديد لقوات ال 5 الساحلية، تجسيدا حيا لذلك. وليس من قبيل الصدفة، وهو المولود في النعمه (المالية أصلا)، أن يختاره عزيز قائدا لجيوش الساحل. وقبل تعيين الجنرال حننه ولد سيدي فإن بيظانيا-بمباريا آخر، هو العقيد حسن كوني، الملحق العسكري في السفارة الموريتانية بباماكو والإطار الكبير في الاستخبارات الموريتانية، كان مراقبا لكل تفاصيل المسلسل الذي سيؤدي اليوم  إلي الوصاية المبرمجة لموريتانيا على أزواد. وفي مايو 2014 كان العقيد حسن كوني هو من هيأ زيارة الوساطة التي قام بها عزيز في كيدال.

ومعلوم أن ولد عبد العزيز كان مهندس النجاح الباهر لوجستيا للحملة السياسية التي أعادت ابراهيم ببكر كيتا إلى الحكم في مأمورية ثانية بجمهورية مالي، فالوسائل الأهم والأكبر لحملة الرئيس المالي وفرتها نواكشوط، وقام كيتا بجولة في أرجاء مالي خلال الحملة على متن طائرة موريتانية، وجل السيارات رباعية الدفع التي عملت لصالح حملته كانت عليها لوحات أرقام موريتانية. إذن ليس من قبيل الصدفة أن تكون أول زيارة للرئيس المالي خارج الوطن، بعد نجاحه، من نصيب موريتانيا.

إن تقاطع مصالح فرنسا وموريتانيا قاد إلي المصير المذكور الذي ينتظر أزواد، وهو ما يفسره كون السفير الفرنسي المعتمد في موريتانيا يستعد حاليا لتقديم أوراق اعتماده في باماكو حيث سيرعى العلاقات الجديدة مع كيدال.

إن من بين الحسابات التي يقوم عليها تفكير محمد ولد عبد العزيز في جعل أزواد محمية موريتانية، تمكين موريتانيا ديمغرافيا من أن تصبح، بعد إضافة الطوارق البيض، بربرية وعربية أكثر. إنها فرصة ثانية تنتظر القوميين لجعل موريتانيا، بعد فرصة أحداث 89، تعيد توازناتها العرقية في ظل تزايد السود بشكل ملحوظ. لهذا أعاقت موريتانيا وجود السينغال في مجموعة الـ 5 الساحلية. إنها تحولات جيوستراتيجية تنبئ بقرب انتهاء الأزمة المالية بظهور دولة موريتازاواد قريبا".

تابعونا على الشبكات الاجتماعية