نواكشوط – «القدس العربي»: أكدت الحكومة الموريتانية أمس «أن التقارير التي تنشرها المنظمات الحقوقية حول حالة حقوق الإنسان في موريتانيا، مؤسسة على معلومات مغلوطة ومنقولة عن عملاء لهذه المنظمات».
جاء ذلك ضمن ردود للدكتور محمد الأمين ولد الشيخ وزير الثقافة الناطق باسم الحكومة الموريتانية في مؤتمره الصحافي الأسبوعي أمس على تقرير عرضت فيه منظمة العفو الدولية للتو حالات تدهور كبير لحقوق الإنسان في موريتانيا ونشرته تحت عنوان «السيف مسلط على رقابنا، قمع النشطاء المجاهرين بانتقاد ممارسات التمييز والرق في موريتانيا».
وأوضح «أن القضية ليست في المنظمات نفسها وإنما في المصادر التي تستقي منها هذه المعلومات، فهذه المنظمات، يضيف الوزير، غير موجودة في موريتانيا وهي تأخذ ما تنشره نقلاً عن عملاء لها هنا، أو عن بعض الأشخاص الذين يتحاملون دائماً، وبالتالي فإن مصادرها ليست نزيهة وليست حيادية».
وقال: «الجميع يلاحظ يومياً أجواء الحرية الموجودة في موريتانيا، من جو حرية التعبير لجو حرية التظاهر لجو حرية التجمع، وهناك آليات مكلفة أساساً بتتبع قضايا التعذيب والاعتقالات التعسفية حتى لا تقع وهي آليات دستورية وقانونية مطبقة ونافذة».
وشدد الوزير القول بأنه «لا يوجد سجين سياسي في موريتانيا ولا صحة لتعرض أي سجين للتعذيب»، حسب قوله.
وعكساً لكلام الوزير، أكدت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد لها صدر للتو «أن الموريتانيين المدافعين عن حقوق الإنسان المجاهرين بمناهضة ممارسة الرق المستمرة، يتعرضون للاعتقال التعسفي والتعذيب والاحتجاز في السجون النائية والحظر الممنهج لتجمعاتهم».
ووثّق التقرير ما اعتبرته منظمة العفو الدولية «القمع المتزايد الذي تتعرض له المنظمات ويتعرض له الأفراد الذين يجاهرون بإدانة ممارسات الرق والتمييز، وكذا إنكار الحكومة لوجود هذه المشكلة.»
وأكد أليوني تيني مدير قسم غرب ووسط أفريقيا في منظمة العفو الدولية خلال عرض التقرير نظمت أمس في داكار «إن ما يقع في موريتانيا، ازدراء مشين لحقوق الإنسان، فعلى الرغم من إلغاء الرق قانونياً، منذ نحو 40 عاماً، فإن السلطات الموريتانية لا تواصل تسامحها مع هذه الممارسة فحسب، بل تستمر في قمع من يناهضونه».
وقال: «مع اقتراب موعد انتخابات هامة هذا العام والعام المقبل، فإن خطر الاضطرابات الاجتماعية مرتفع ما لم يتم احترام جميع الأصوات، بما فيها الأصوات المنتقدة، ويجب على السلطات وقف الاعتداء على المدافعين عن حقوق الإنسان، واتخاذ إجراءات قوية وذات مغزى لوضع حد لممارسات الرق والتمييز».
وتناول تقرير منظمة العفو الدولية عن موريتانيا بالتفصيل «الطرق المختلفة التي تستخدمها السلطات الموريتانية لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين، بما في ذلك منع التظاهرات السلمية، واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وحظر الجماعات الناشطة والتدخل في أنشطتها». ودعت المنظمة في تقريرها السلطات الموريتانية إلى «وقف الاعتداء على المدافعين عن حقوق الإنسان، واتخاذ إجراءات قوية وذات مغزى لوضع حد لممارسات الرق والتمييز».
وأضافت «في عام 2016، قدرت الجماعات الدولية المناهضة للرق أن عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت ربقة الاسترقاق في موريتانيا يصل إلى 43 ألف شخص، أي ما يقرب من 1% من إجمالي سكان البلاد».
«وقد وجدت منظمة العفو الدولية، يضيف التقرير، أن الشرطة والنيابة العامة والسلطة القضائية في موريتانيا، لم تستجب بشكل ملائم لحالات الاستغلال المبلغ عنها، وللتعرف على الضحايا أو معاقبة الجناة المشتبه بهم، وفي 2016 أيضاً، أصدرت محاكم مكافحة الرق في البلاد حكماً على شخصين فقط، رغم أنها تلقت 47 قضية للتحقيق تشمل 53 مشتبهاً».
وأوضح التقرير «أن الممارسات التمييزية تؤثر بشكل خاص على أفراد مجتمعات «الحراطين» (المستعربون من أصول زنجية) والأفارقة الموريتانيين، ويشمل النقص الشديد في تمثيلهم بالمناصب القيادية في الدولة، والعقبات التي تحول دون تسجيلهم في جهات القيد الرسمية المدنية، ما يحد من حصولهم على الخدمات الأساسية».
«وفي موريتانيا، يضيف التقرير، يتم أيضاً إزهاق حق الاحتجاج، حيث قامت 20 منظمة لحقوق الإنسان بإبلاغ منظمة العفو الدولية أن السلطات قد حظرت أو فرقت اجتماعاتها السلمية في السنوات الأخيرة، وفعلت ذلك أحياناً باستخدام القوة المفرطة مما تسبب في إصابات خطيرة، تتراوح بين كسر الأطراف وإصابات الرأس».
«فعلى سبيل المثال، في أبريل/ نيسان 2017، تضيف منظمة العفو، تم تفريق مسيرة في العاصمة نواكشوط شارك فيها نحو 100 ناشط شاب يطالبون بسياسات تعليمية أكثر شمولاً، وألقي القبض على 26 ناشطا، وفي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، اعتدت قوات الأمن بالضرب على أعضاء «تجمع الأرامل والأيتام» بعد اعتقال 15 منهم خلال احتجاج سلمي، واحتاج أحد الأيتام إلى العلاج في المستشفى بعد إصابته بلكمات في الرأس».
ووثقت المنظمة في تقريرها حالات أكثر من 43 مجموعة ممن لم تحصل على تصريح بالعمل على الرغم من الطلبات المتكررة، مبرزة «أن هذه الجمعيات تشمل حركة الشباب المؤيد للديمقراطية المعروفة باسم «كفانا»، و»مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية «إيرا»، الناشطة في مجال محاربة الرق.
وأكدت منظمة العفو الدولية أنها «وثقت منذ 2014، حوالي 168 حالة اعتُقل فيها المدافعون عن حقوق الإنسان اعتقالاً تعسفياً، من بينها 17 حالة على الأقل تعرض أصحابها للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، ومنذ 2014، تضيف المنظمة، شهدت «حركة 25 فبراير» وهي جماعة من الشباب مؤيدة للديمقراطية، القبض على 23 من أعضائها، بينما تم اعتقال 63 من أعضاء «حركة إيرا» المناهضة للرق في الفترة نفسها، وحُكم على ما لا يقل عن 15 عضواً من «حركة إيرا» بالحبس عقب محاكمات جائرة، وتعرض بعضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة من أجل انتزاع الاعترافات».
ودعت منظمة العفو الدولية في جانب التوصيات من التقرير «السلطات الموريتانية إلى «إيقاف الحملات التي تشن لتصوير المدافعين عن حقوق الإنسان على أنهم تهديد للأمن القومي، أو للقيم الثقافية، لكونها تعرض النشطاء للخطر، كما لها تأثير مدمر على حرية التعبير».
كما دعت «السلطات الموريتانية لضمان احترام جميع الأصوات المنتقدة من خلال إطلاق سراح جميع المقبوض عليهم بتهم انتقاد ممارسات التمييز، والاعتراف بنشاط المدافعين عن حقوق الإنسان».