افتتحت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة يوم 27 من هذا الشهر اجتماع قاده العالم حول المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة وهو شعار ومطلب طالما كان مطروحا للإنسانية عموما في العصر الحديث، ولواقعنا الإفريقي خصوصا رغم التقدم الحاصل علي مستوي القوانين والتشريعات
.
ورغم السبق الذي حازته التوصيات النبوية في حجه الوداع لسيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام 631 م مرورا بمؤتمر بيجين 1995 و القمة الإفريقية في يناير 2015 تحت شعار تمكين المرأة و التنمية وانتهاء بهذا المؤتمر.
والمقصود بتمكين المرأة في المفاهيم الحديثة هو تحريرها من العمل التقليدي الممل داخل الأسرة لتتمكن مع الوقت من المشاركة الفاعلة في العمل السياسي الذي يسعي إلي تحقيق مصالح جنسها في المستويات المحلية والوطنية والدولية وفي جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية بفعالية كبرى, لأن المشاركة الفاعلة وليست الصورية للمرأة تعتبر جوهر الديمقراطية واحدي آلياتها الهامة ومعيارا كاشفا لحقيقة الوضع الديمقراطي في أي مجتمع من المجتمعات كما يلعب مفهوم مشاركه النساء دورا مهما في تطوير قواعد الحكم الرشيد في إطار ما يعرف بالتنمية المستدامة التي يتطلب تحقيقها توافق منظومي من أهمه نظام سياسي يضمن مشاركه فاعله لجميع المواطنين في اتخاذ القرار وهنا نتساءل: إلي أي مدى يمكننا في إفريقيا تحقيق تنمية مستدامة في بلدان النظام السياسي فيها هو لولب الأنظمة ومحورها وهي أنظمة تشهد عدم استقرار لا مثيل له في باقي بلدان العالم ؟
إن قضيه تداول السلطة في إفريقيا تعد من أكثر القضايا المثيرة للجدل والتي تدور في فلكها كافه الأزمات التي تعاني منها دول هذه القارة حيث ظل الفقر والمجاعات و الحروب الأهلية وإقصاء المرأة كلها عوارض لداء واحد هو التناحر بين القوي السياسية من اجل السلطة وانشغال سياسيي القارة بالسلطة أكثر من اهتمامهم بتنمية دولهم حتى أصبح الوصول للسلطة غاية وليس وسيله لتحقيق أمال الشعوب.
لقد مثل ضعف النظام السياسي القائم في الدول الإفريقية بعد الاستقلال عقبة مهدت السبل إلى التدخل العسكري وأعطت مبررا لاستمرار ظاهره الانقلابات العسكرية فكان العساكر في إفريقيا هم قاده الدول مباشره أو من وراء حجاب والنساء في الفطرة العسكرية لا يدخلون الحسبة إلا كغنائم حرب بل كان همهم الأساسي إقامة إدارة تحظي بولاء السلطات المحلية في المجتمع التقليدي أي الزعامات القبلية والمشيخات الدينية والأسر الارستقراطية وهي سلطات تقصي المرأة بطبيعة تكوينها ولذا ظل تمكين المرأة في كل مرة يخطو خطوة واحدة إلى الأمام و خطوتين إلى الوراء لأن النطاق السياسي الذي يسيطر عليه العساكر في إفريقيا لا يمثل فيه تمكين المرأة أولوية إلا في المناسبات السياسية ولذا استخدمت تلك الأنظمة ملف المرأة لتجميل وجهها أمام العالم .وتأكد الأدلة بأن القادة العسكريين يعملون دائما بفرضية أن البرامج التي تفيد جزء من المجتمع (الرجال) ستفيد بشكل تلقائي الجزء الأخر (النساء) كما تأكد تقارير المصادر البشرية أن تمثيل المرأة في ظل الأنظمة العسكرية يبقى إلى حد كبير تمثيل تجميلي بوجود عدد من النساء في مواقع قيادية دون أي سلطة حقيقية بل إن وجود المرأة في تلك الأنظمة هو وجود رمزي يعتمد على فترة الضغط المحلي و الخارجي خلال فترت التعيينات النسوية كما أنها خاضعة لمزاج القادة الذين ينظرون إلى أن مشاركة المرأة ستشتت السلطة ولذا يتعاملون معها دائما بحذر.
ورغم ما حققته المرأة من حضور في المجالس الوطنية و التشريعية حيث فاق عدد النساء المنتخبات في رواندا مثلا عدد الرجال إلا أن دخول النساء في تلك المجالس يتم في أغلب الأحيان بقرار ذكوري أو من تحت عباءة أحد القادة العسكريين و ليس من خلال كفاءتهن و نضالهن مما يغذي ثقافة الغنيمة و يقصي ثقافة الجهد و الاستحقاق. وحتى بعد وجود نظام الكوتا فإن الأحزاب في السلطة العسكرية تمارس السياسة بعقلية ذكورية بحته ولم تقدم أي شكل من أشكال الدعم و الاكتفاء بمنح النساء مذكرة الترشح باسم تلك الأحزاب دون أي دعم ,وما يمكن استنتاجه من تلك التجارب الانتخابية إن الناس تختار المعروفين أو ذوي النفوذ و الأموال القادرين على الإنفاق بسخاء شرعي أو غير شرعي وتلك إمكانات تعز غالبا على النساء اللائي لا يتوفرن على ثروات لأنهن في أحسن الأحوال هن أطر أو حاملات شهادات عليا.
و رغم تعدد الانقلابات العسكرية في إفريقيا إلا إنها لا تصل دوما إلي تغيير المفهوم السياسي العام بل لا تتعدى أن تكون استبدال نخبة سياسية حاكمة بأخرى تلعب فيها المؤسسة العسكرية دورا مباشرا حيث يعتقد القادة العسكريون أن المجتمعات يمكن تحديثها و تنميتها بالشعارات و هو ما عانت منه قضية المرأة في إفريقيا دائما.
و بالنسبة لنا في موريتانيا يعتبر واقع المرأة أقل حدة نتيجة لدورها الاجتماعي التقليدي وتميز وكفاءة من يتصدرن المشهد النسوي لذا كان الرئيس محمد ولد عبد العزيز أكثر تجاوبا و تعاطيا مع قضايا المرأة بشكل عام إذ ثمة خيط ينتظم في موريتانيا جامعا بين التركيز على البنية التحتية كعامل تنمية شامل و توفير الأمن و السلم و تمكين المرأة من خلال الربط الوثيق بين قضيتها و قضايا المجتمع ككل لإخراج قضيتها من مجالها النسوى المحض إلى مجال التوازن المجتمعي القائم على توازن الأدوار بين الرجل و المرأة ومن هنا جاء تعلق المرأة الموريتانية الملاحظ بالرئيس عزيز ولذا حق علينا أن نطالبه بإكمال إصلاح تمكين المرأة و العمل على اختيار ممثلات المرأة في المواقع السياسية من صاحبات الخبرة والكفاءة السياسية حتى ينجحن في توصيل صوت المرأة وتحقيق مطالبها و إعلاء شأنها و إعطاء دور أكبر للنساء الريفيات حيث تعتبر المرأة العمود الفقري للقطاع الزراعي لكنها غير قادرة للوصول إلى موارد الإنتاج بما في ذلك القروض و ملكية الأرض وكافة الخدمات الداعمة كما يجب اعتبارها شريكا حقيقيا في الأمن القومي و بناء المجتمع خاصة أنها فاعل رئيسي في مواجهة الإرهاب و زرع قيم التسامح في المجتمع كما نطالب سيادته بإدراك أن حصول المرأة على حقوقها لا يأتي من خلال إصدار القوانين أو إعلان الاهتمام بها فقط لكن من خلال التطبيق الفعلي لما ورد في هذه القوانين و تحويل تلك الشعارات إلى واقع معاش..