دقة - حياد - موضوعية

الشيخ الرضى(ابورتري)

2018-02-14 23:02:03

دأب آل عابدين الصعيديون حتى سنة 1972 على الإنتجاع بأفجار العريه و هي بئر للمالكين التندغيين(في مقاطعة وادي الناقة الآن) وربما انتقلو جنوبا إلى موطنهم أمندور أو إلى ابير التورس (كلاهما في مقاطعة المذرذره) وشمالا إلى اندگبعد، حيث نسج التاريخ والأواصر علاقات وثيقة متوارثة بينهم وبين أهل الأماكن الثلاثة؛ وكما كان للصعيديين إرثهم العلمي والروحي كان لتلك الحواضر ثراؤها العلمي والروحي والثقافي، فتعايشوا هناك مع أسر تميزت كلها بالعلم وبثه في قلوب الرجال وبالصلاح والورع وحب الخير للناس والفتوة والأدب. كان لسان حالهم هو قول الشاعر:

.

تعلم إذا ما كنت ليس بعالم ~~ فما العلم إلا عند أهل التعلم
تعلم فإن العلم زين لأهله ~~ولن تستطيع العلم إن لم تُعلم
تعلم فإن العلم أزين بالفتى ~~ من الحلة الحسناء عند التكلم
ولا خير فيمن راح ليس بعالم ~~ بصير بما يأتي ولا متعلم
ومن بين أسر المنطقة الأكثر شهرة أهل سيد محمد اشريف الذين هم أسرة علم وصلاح شهد بذلك القاصي والداني ونالت بفضل تاريخها العلمي الناصع احترام وتقدير كل القبائل علي مر التاريخ وقد امتطت جواد الكرم وجعلت من السخاء والزهد منهجا لا يحيد عنه كبير ولا صغير. أما الورع والتواضع فسلوك يولدون عليه بالفطرة.
في آخر خريف مخصب قبل الجفاف بعام ، وفي جو علمي روحاني مشع وُلد الشيخ علي الرضى بن محمد ناجي بن حمَّ بن محمد بن عابدين بن اباه الشريف بن سيدي محمد الشريف الصعيدي، لأمه مريم الملقبة "تانِ" بنت محمد الأمين (ت 1995م) بن محمد فال بن عابدين بن اباه الشريف بن سيدي محمد الشريف الصعيدي. وكان مولده على بعد كيلو مترين تقريبا من أفجار القديم غربا. وقد عرف العام بعام وفاة جمال عبد الناصر، والمكان بـ"دار الحصرة" وهي تجمع قَبَلِيٌّ كان ينظم لجباية الضرائب وتبليغ تعليمات الإدارة. أما الزمان فكان 27 من ربيع الثاني سنة 1390 هجرية (أوائل شهر يوليو 1970م) وصادف أن الوالد محمد ناجي والجد محمد الأمين (انين) كانا غائبين رحمهما الله، فكان رجال الحي آباءه ونساؤهم أمهاته وله مراضع هناك. أما الاسم فكان الوالد قد أوصى به قبل سفره.
نشأ الشيخ وترعرع في حضرة علمية نقية طاهرة طيبة الأرومة وكان مولده مجلبة للنصوص الأدبية فصيحها وشعبيها. وممن رقصه العلامة گراي ولد أحمد يورة، بهذه الأبيات عند ما علم بميلاده:
تضاعفت البشرى من الثقلينِ ~~ بمولد طفل طيب الطرفينِ
حوى شرفين اثنين لا شك فيهما ~~ ويندر مولود حوى شرفينِ
علي الرضا ذاك اسمه وهْو وسمه ~~ ولا عجبٌ إن فاز بالصفتينِ
فلا زال إنسانا لعين زمانه ~~ ولا زال للأعيان قرة عينِ
وعمره الرحمن في العلم والتقى ~~ وعمر معْه الأهل والأبوينِ
وإني أعيذ الكيف والأين منه باسـ~~ ـم من جل عن كيف وجل عن اَين
وفي جيب خير الخلق أدخلته وجيـ~~ـب فاطمة الزهراء والحسنينِ.
حفظ القرآن وهو في الحادية عشرة من عمره على يد والده محمد ناجي الذي كان فقيها من أورع الناس، (وكذلك كان جده محمد الأمين، وجدته الفاضلة ابنتَ بنت بدي) وقد نشأ محمد ناجي ناسكا وعاش كذلك إلى أن توفي يوم الاثنين 30 يوليو 2007م رحمه الله.
درس الشيخ علي الرضى العلوم الشرعية واللغوية على عمه الشريف العلامة الشيخ ابن حم الصعيدي، كما درس على كل من العلامة گراي ولد أحمد يوره العاقلي الديماني رحمه الله، والعالم بدي بن محمد سالم القاضي المجلسي حفظه الله، ودرس على المقرئ محمد عبد الله بن آبت التندغي رحمه الله.
وحين بلغ الشيخ الرضى السابعة عشرة من عمره قد فتح الله عليه فتحا مشهورا (سنة 1987م) وخصه بكرامات عديدة و{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}. وقد حبب إلى الشيخ الرضى الرقية الشرعية بكتاب الله الأسنى وسنة نبيه وأسماء الله تعالى الحسنى وضرب صفحا عن الرقية بغير ذلك محذرا مما هنالك وبذلك وصفه الإمام العلامة بداه ابن البصيري في تزكيته له فقال: "ممارس للكتاب والسنة، متبع لصالح سلف الأمة، ولا يخفى ما على وجهه من نور الشرف إلا على من طمس الله بصيرته".
وقد صدرت له تزكيات من علماء أجلاء منهم:
الإمام بداه ابن البوصيري رحمه الله،
العلامة لمرابط محمد سالم ولد عدُّود رحمه الله
العلامة الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم
العلامة الشيخ محمد المختار ولد امبَالَّه
العلامة الشيخ حمداً ولد التاه
القاضي ابَّين ولد بَبَانَه
العلامة القاضي سيلوم ولد المزروف، الذي يقول في أبيات أرسلها للشيخ الرضى:
ندبنا للتوبة الشيخ الرضى ~~وإننا نعلن عن ذاك الرضا
جزى الإله شيخنا الرضى رضا ~~ه وله مولاه ذاك عوضا
بأحسن الثواب كان مقرضا ~~وكان عن جهل الجهول معرضا
كان على نهج الهدى محرضا ~~ولا ترى على الرضا معترضا.
قرض الشيخ الرضى الشعر قبل أن يبلغ الخامسة عشرة، وكان في البداية يعرضه على عمه العلامة الشيخ بن حمَّ ويقول الشيخ على الرضى إن عمه كان يمنعه تارة من نشره للعامة في انتظار أن يكون شعره أجود وأحسن مما هو عليه آنذاك، وأول قصيدة من شعره يتم الإعلان عنها هي مرثيته للعلامة القاضي المرحوم حامدْ بن محمد فال (ببها) بن محمذن بن أحمد بن العاقل المتوفى أواخر أغشت 1986 يقول في مطلعها:
حَوَادِثُ دَهرِنَا عَنهَا نَنَامُ ~~ وَنَرجُو أَن نَدُومَ وَلاَ دَوَامُ
شرح الشيخ الرضى نظم ابن بري في قراءة نافع، وألف كتاب تحقيق العبودية لله رب العالمين (طبع ونشر أوائل 2007) ومن تآليفه كذلك كتاب الحراسة؛ وقد بين فيه وجوب حراسة الإيمان والإسلام والإحسان من التبديل والتغيير والزيادة والنقصان. وله كتاب التجديد؛ وقد بين فيه التجديد الديني دون ابتداع أو غلو أو تقصير، وأوضح الفرق بين التجديد والتغيير في الدين؛ معددا بعض أمثلة ذلك. ومن مؤلفاته كتاب الإرشاد في محاربة الكفر والإلحاد. وله الكثير من الفتاوى والأنظام في الأحكام الشرعية والفؤائد العلمية السنية.
أسس الشيخ الرضى المنتدى العالمي لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتاريخ الاثنين 15 من صفر 1428 للهجرة النبوية (أي منذ عقد من الزمن) من أجل تحقيق عدة أهداف سامية سَنية:
1.
نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بمدحه وتعزيره وتوقيره والمحافظة على سنته والتعريف بسيرته.
2.
نصرة الشريعة الغراء؛ ويرسم الشيخ منهجية هذا المنتدى في أبياته التالية:
نَحْـنُ أقْوَامٌ لَا نُـرِيدُ الـفَـسَــادَا~~ إِنّمَا نَبْتَغِـي الهـُـدَى والرَّشَـادَا
نَحْنُ فِي المُنتَدَى نُرِيدُ صَلَاحًـا ~~ شَـامِــلًا لَا خُـصُـومَـةً وعِـنَــادَا
يَا بَنِي الإِسْلامِ الحَنِيفِ تَعَالَـوْا ~~ نَـتْـبَـعِ الحَـقَّ كُـلَّـهُ والـسَّـدَادَا
إِنَّ دِيـنَ النَّبِـي يُمْلِـي عَلَـيْـنَـا ~~ أَيُّــهَا القَــــومُ أُلْفَــــةً واتِّحَــادَا
واتِّبَاعًــا لِلشَـــرْعِ دُونَ تَــــوانٍ ~~ والْتِــزَامًا لِحُكْمِـــهِ وانقِيـــادَا.
وقد طلب الشيخ علي الرضى من جماعته الاقتصار في مديحهم على مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم دون مدحه هو (الشيخ الرضى) شخصيا وأكد ذلك عدة مرات حتى علم الكل أنه أمر جدي عنده لا تساهل فيه.
ينتهج رئيس المنتدى العالمي منهجا واضحا في الدعوة إلى الصراط المستقيم دون إفراط ولا تفريط، وكان من أول ما أثمره المنتدى تجديده وإحياؤه لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وذلك بتدارس أحكامها وتكوين الجماعات للقيام بها، مع اتباع شروطها؛ بأن لا يؤدي فعلها إلى منكر أعظم.. وغيرِ ذلك مما يشترط لها.
ومن مظاهر التجديد عنده عدم الفصل بين الظاهر والباطن في الشريعة؛ حيث كان البعض يرى أنه قد يوجد ما لا يقبله ظاهر الشرع ويقبله باطنه ويتستر بهذه الشبهة لارتكاب المخالفات، وقد لا ينكَر عليه ذلك اعتبارا لذلك المفهوم. فنبه الشيخ على أن الشريعة المحمدية حاكمة على جميع الخلق، ولا يجوز لولي -مهما بلغت رتبته وكثرت كراماته وأنصاره، ولا لعالم مهما بلغ علمه أن يبدل حكما من أحكام الله عز وجل بفراسته أو مرائيه أو خواطره. وردّ على ما يتذرع به أصحاب هذه الشبهة بأحسن الردود.
يعطي الشيخ الرضى توصيات صارمة لمريديه بأن لا يردوا على منتقديه مهما كانت الإساءة؛ متبعا في ذلك قول الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} مع قبول النصح بالحق من كل أحد.
وبهذه المعاني العلية اتسمت جماعته؛ فكانوا لا يردون بالمثل على من سبهم، ويتقبلون النصح ولا يدَّعون العصمة لأنفسهم ولا لشيخهم، ويرحبون بمن يمد لهم يد العون في الخير والإصلاح؛ فهي جماعة صوفية علمية ترفض جميع البدع الدخيلة على التصوف كالقول بالاتحاد والحلول ونحو ذلك.
ومن الناس من يتهم الشيخ عليا الرضى وجماعته بالوهابية بسبب إنكارهم بعض البدع التي طرأت على المتصوفة، وقد أكد هو مرارا أن لا علاقة له بالطائفة الوهابية، وأنه متصوف يتفق مع الوهابية في حرصها على توحيد الله عز وجل ومحاربتها للشرك، ويختلف معها في جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما يختلف معها في مسائل لا محل لذكرها هنا.
عرف الشيخ الرضى بالجود والكرم. يصدق عليه قول الفرزدق:
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ~~ وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ~~ هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنتَ جاهِلَهُ ~~بِجَدّهِ أنبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه ~~ العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا ~~ تسْتَوْكفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ
سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ ~~ يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ
حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ إذا افتُدِحُوا ~~ حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
ما قال: "لا" قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ ~~ لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
عَمَّ البَرِيّةَ بالإحسانِ، فانقَشَعَتْ ~~عَنْها الغَياهِبُ والإمْلاقُ والعَدَمُ.
حفظ الله الشيخ الرضى ووفقه.

من الصفحة  البراء ولد محمدن

تابعونا على الشبكات الاجتماعية