دقة - حياد - موضوعية

إحساس وشعور، سلكت فيه مسلك الجمهور

2018-01-12 21:18:34

 نظمت مدينة المذرذرة مهرجانها الثقافي/ نسخة العلك، أيام 10، 11،12 ربيع الثانى 1439 للهجـــــرة، الموافق 29، 30، 31 دجنبر 2017 للميلاد، والتقت على رباها وفود من ساكنتها..

 

ووفود من مختلف المناطق التابعة لها ووفود حضرت بموجب دعوة كريمة من اللجنة المنظمة للمهرجان

.

.

 

 

ولقد استفاد الجميع وأفاد بكل ما لديه من  ثقافة متنوعة أصيلة أو رصيد معرفي نال إعجاب مختلف المشاركين علي امتداد الأيام الثلاثة التي كانت ــ والحق يقال ــ فرصة للتعارف والتلاقي من جهة، و من جهة أخرى، مناسبة نأمل أن تكون سنوية، حافلة بمعارض للوثائق التاريخية الناطقة بتاريخ المنطقة وكل ما يمت إليها بصلة، ومعارض لمقتنيات ثمينة ومنتوج صناعة تقليدية نطقت بقدرة وبراعة أصحابها من داخل أقدم دار للصناعة التقليدية علي عموم التراب الوطني.

 

ولقد استقطبت هذه المعارض أنظار الجميع ومثلت نقطة انطلاق لتبادل الآراء وتلاقح الأفكار وتعميق الرؤى وإسماع الرأي والاستماع إلي الرأي الآخر، وهو أمر في غاية الأهمية يقصد من خلاله تنوير الرأي العام المحلي علي الأقل وتسليط الضوء علي مادة العلك التي شغلت منطقة إكيدي علي وجه الخصوص وولاية الترارزة بشكل عام، وبلغ الاهتمام بها أوجه قبل دخول المستعمر وبعده، والمذرذرة بذلك بدون شك تساهم في توسيع دائرة ثقافتنا المحلية وتطلع العالم من حولها علي مكامنها الثقافية وقدرتها علي المساهمة في عملية البناء الوطني.

 

ولقد افتتح المهرجان بكلمة لرئيسه الشرفي، رئيس نادي حماية تراث المذرذرة الثقافي السيد/ محمد فال ولد عبد اللطيف الذي قال بالحرف الواحد: (أجل، إن العلك هو الفضاء الذي يلتقي فيه تاريخ هذه المنطقة، واقتصادها وثقافتها وفقهها وطبها وأدبها وسيعرض عليكم السادة الدكاترة المتخصصون خلال هذا المهرجان محاضرات قيمة في شتى هذه الميادين معززة بعروض وثائقية وفنية ينعشها فلكلور غني وطيب وثري، مشهود له بذلك).

 

وفعلا، كانت المحاضرات قيمة والسهرات الموسيقية ممتعة ولفتت معارض الصناعة التقليدية انتباه الجميع وعكست حرص المواطن "المذرذري" علي التمسك بأصالته وقدرة منتوجه علي المنافسة.

 

ومع أن منطقة "إكيدي" تشتهر بوفرة غابات شجر القتاد الذي يستجلب منه الصمغ العربي(العلك) وتعتبر من أهم المناطق التجارية عند الأوروبيين لقربها من شواطئ المحيط الأطلسي، فإن عاصمتها مدينـــــة المذرذرة تقبع وسط أشجار مورقة من "الطلح" أساسا، وتمتد علي أنجد من الرمال المترامية و وهــــاد عميقة تمتد جنوبا وشمالا، لتحتضن بذلك تراثا علميا ظلت المحاظر رافده الأساس، وثقافة "إكيديـــــــة" فريدة من نوعها تتميز بمكارم الأخلاق وطيب المحادثة والظرافة والآداب والكرم والجود والسخـــــــاء والرفعة والطيب والإباء، فقد كنا ونحن نشرف علي تنظيم المهرجان، موضع اهتمام من طرف الجميــع وترحيب من طرف الجميع، وانتزعنا ــ ونحن نلوح بنفض الغبار عن مكمن لثقافة شهد بها القاصـــــــي والداني ــ ثقة الجميع، فتعالـــــت أمامنا الزغاريد ترحيبا بالضيوف الوافدين من كل حدب وصـــــــوب، وتعددت الضيافة وتنوعت احتفاء بكل من له صلة بهذا المهرجان، وذلك في وسط المدينة وطرفيهـــــــا الجنوبي والشمالي، بل أبلغنا بالعديد مــــن المنازل أعد أساسا للضيافة وزود بما يلزم في مختلف القــرى المجاورة للمدينة.

 

ولقد امتلأت أجواء المدينة بأصداء هذا الحدث الهام، فكان الجميع علي موعد مـــــــع العديد من العلماء والدكاترة المتخصصين في مختلف المواضيع المتعلقة بالمهرجان والتي انصبت في الأساس علي موضوع "العلك" وأهميته التجارية والصحية وما دار حوله من تجاذبات كلامية ونوازل فقهية، أثرت الساحة الأدبية وأسالت مداد العلماء والفقهاء في ولاية الترارزة برمتها بل في داخل الوطن وخارجه.

 

كما تعانق الشعر مع الفـــــــن وتعاقب الشعراء علي المنصة فشنفوا آذان الجمهور بقصائد ونتف من الشعر الفصيح والشعبي لها صلة بالموضوع تحثهم في ذلك كله أوتار الفنانين وأهازيج ممتعة انصبت علي التنويه بالمهرجــــــــان ودوره الحيوي في إنعاش الساحة الثقافية، كما استمع الجمهور إلي مدائح نبوية في غاية الروعة من أداء فـــرق متميزة تخللها رقص شعبي يعكس مختلف أوجه الفلكلور الشعبي لسكان المذرذرة.

 

ومع محدودية وسائلنا للإحاطة بكل ما دار في المهرجان إلا أننا نجزم بأنه كان حلقة تواصل مــــــــــــع الجمهور لا يمكن تجاوزها، وبأن افتتاحه كان استثنائيا ومثيــرا للانتباه، فقد حضره جمهور عريض بما في الكلمة من معنى، أظهر تنوع ثقافة أهل المذرذرة إن لـــم نقل أهل ولاية الترارزة  بشكل عام بل حتى غيرهم، وقد تعالت هتافات هذا الجمهور تجاوبا مع مختلف الأنشطة، وأشاد بأهمية هذا المهرجــــــــان وجدوائيته محليا ووطنيا ودوليا.

 

ولقد تعددت الطلبات الصادرة عن جمهور المشاركين بضرورة تكثيف المهرجانات الثقافية لما لها مــن دور بارز في تحريك الساحة الثقافية، وتعهد هذا الجمهور بمختلف أطيافه بمطالبة الوزارة المعنيــــــة والسلطات بشكل عام، بجعل هذا المهرجان نشاطا سنويا، ورجح حتمية موافقة السلطات علي ذلك لما تتميز به مدينة المذرذرة من ثقافة متنوعة وشهرة في المحافل الوطنية والدولية ويد طولي في المعـارف بشكل عام، أما البعض الآخر فكان  يراهن علي قدرة نادي حماية تراث المذرذرة الثقافي علي تحقيـــق ذلك.

 

وكنت أنا أقرب إلي رأي جمهور متحمس في مهرجانه الأول يراهن علي أحقيته في اعتماد هـــذا الموسم الثقافي من طرف السلطات والحصول علي ما يلزم من العناية، مما جعلني أتذكر بيت النابغــة الغلاوي الشهير:

 

(سلكت فيه مسلك الجمهور   من نصرة الراجح والمشهور)

 

مع أني لم أتردد لحظـة واحدة في جدوائية هذا المهرجان علي الساحة الثقافية المحلية وحتى على الساحة الثقافية الوطنية، الأمر الذي يحتم علي السلطات المعنية أخذه في الاعتبار مستقبلا.

 

واختتم المهرجان ولسان حال الجميع يشيد بالمذرذرة وكرم أهلها وحسن تنظيمهم، فحاولت أن أترجــم

 

إحساسهم أو خلجاتهم وأتكلم باسمهم في هذا الشأن علي الأقل، حبا مني لمدينتي المذرذرة، فقلــــــــت:

 

إلهي قد دعوتك فاستجب لـــي    و"ربح لي بذات السقط جلبـــي"

إذا ذكرت بقاع الأرض طــــرا     فذات السقط أعلقها بقلـــــــــبي

لسبق في الضيافة لا يضــــاهى    وسبق في الثقافة ظل يسبــــــي

إذا مشت حوالبها أرنـــــــــــت     فتملأ بالثقافة كل "علــــــــــب"

 

ولملمت حينها أوراقي لأغادر الخيام التي ضربت للمهرجان في وقت متأخر وأخطو بخطوات عديدة إلي حاضرة احسي باب الدين، ولم أكترث بكثبان الرمال التي تفصلني عنها وهي علي بعد ميل واحد تقريبا شمال المذرذرة، فعبرت مدينة المدينة شمالا أحث خطاي علي رمالها الذهبية.

 

ومع أني حضرت هذا المهرجان بملء إرادتي وشاركت في التحضير له أولا بأول، فقد قرأت من خلاله حرص الجميع على وحدة أهل المذرذرة وتلاحمهم في الأمور العامة، وخرجت منه وأنا علي يقين من أن المذرذرة ستظل قادرة على تنظيم مختلف الأنشطة بمجرد اتخاذ ما يلزم لذلك.

 

ولقد غادرتها وفي نفسي من الذكريات والانطباعات الحسنة ما يضيق المقام عن ذكره، وإن كنت أعذر في ذلك بسبب ما هو متوارث ويسري في نفسي من حب لها، ويشفع لي أيضا أنها أول أرض مس جلدي ترابها.

 

                                                           

باباه الحافظ

تابعونا على الشبكات الاجتماعية