قبل يومين أوصلت وحدة من الدرك الوطني عضو مجلس الشيوخ المعارض للتعديلات الدستورية محمد ولد غده إلى مدينة روصو، حيث كان في استقباله مسير السجن وحرسه، وتم إيداعه السجن هناك بأمر من القضاء، وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة، وصل إلى روصو الأستاذ سيدي محمد ولد محم رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، من أجل التعبئة للتعديلات الدستورية، لكن هذه المرة كان في استقباله المئات من أطر ولاية ترارزة وأنصار النظام، بدل السجان وأعوانه...
.
وصول الرجلين إلى مدينة روصو في حيز زمني متقارب، لا ينفك عن أحداث تاريخية لها صلة بهما وبالمدينة ذاتها، توحي بأن الزمن يبقى أحيانا دائريا، ولو باعد بين وقائعه كر الجديدين وتعاقب الملوان، فقبل اثنتي عشرة سنة ونيف، وبالتحديد في شهر نوفمبر عام 2004، وبينما كان نظام ولد الطايع يودع دون أن يدري، أوصلت فرقة من الدرك الوطني المحامي سيدي محمد ولد محم (أمين مجلس الهيئة الوطنية للمحامين ساعتها) إلى روصو بأمر من القضاء، لكن أطر الولاية وأنصار النظام لم يكونوا في استقباله، بل كان مسير السجن وحراسه ينتظرونه، كما انتظروا ولد غدة لاحقا، وأتذكر يومها وأنا داخل قاعة المحكمة، الملاسنة التي وقعت بين ولد محم (محامي صالح ولد حننا وبعض رفاقه) ورئيس المحكمة القاضي محمد الهادي، فأصدر الأخير أمرا بإيداع ولد محم السجن، ولأنه لا سجن في ولاية ترارزة إلا على ضفة النهر في روصو، كان لابد من ترحيله إلى هناك، وأثناء مغادرة ولد محم قاعة المحكمة، مر بالقرب مني رفقة دركي يحمل وثيقة أمر الاعتقال، وقال: "على بركة الله.. إلى سجن روصو"، وتم نقله من مقر المحكمة إلى مقر فرقة الدرك وسط مدينة واد الناقة، ومنها إلى روصو، ليبيت في زنزانته ليلة سيكون لها ما بعدها، وأفرج عنه لاحقا بعد أن قرر المحامون ـ باستثناء واحد ـ الانتقال من المرافعة داخل قاعة المحكمة في واد الناقة، إلى الاعتصام أمام سجن روصو.
ومن المفارقات العجيبة أن جريمة المحامي سيدي محمد ولد محم التي استحق بسببها أن ينقل من واد الناقة إلى سجن روصو، هي دفاعه عن رفاق السناتور محمد ولد غده (فرسان التغيير) الذين وصل عن طريق حزبهم (حاتم) إلى مجلس الشيوخ.
في النهاية أوصل القدر كلا الرجلين إلى سجن روصو، وكلاهما لوصوله علاقة بالآخر، وإن بصورة غير مباشرة أحيانا، في حالة استدارة من الزمن، تساير النحاة في أشراط الوصل: من واصل (القضاء) وموصول (ولد محم وولد غدة) وموصول به أو إليه (سجن روصو) وأداة وصل (الدرك)، واتفاق في الظرف المكاني (روصو)، مع اختلاف في الظرف الزماني (2004و2017)، وتباين في الظرف السياسي (المعارضة والموالاة)...