حاولتُ في الفترة الأخيرة أن أطوي ملف المأمورية الثالثة، وذلك بعد التصريحات المتكررة للرئيس محمد ولد عبد العزيز والتي أكد من خلالها بأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة. ذلك ما حاولته في الفترة الماضية، ولكن يبدو أن الاستمرار في تلك المحاولة لم يعد ممكنا، وذلك بعد أن صرح رئيس الحزب الحاكم والوزير الأول بأن النظام القائم باق إلى ما بعد نهاية المأمورية الثانية
.
.م يقل الوزير الأول ولا رئيس الحزب الحاكم بصريح العبارة بأن الرئيس مجمد ولد عبد العزيز قد تراجع عن تعهده، وأنه قد بدأ يفكر من جديد في الترشح لمأمورية ثالثة، ولكنهما قالا ما يفهم منه بأن النظام بكامله قد بدأ يفكر من جديد في التمديد للرئيس، أو أنهما هما على الأقل ـ أي الوزير الأول ورئيس الحزب الحاكم ـ قد بدءا يفكران في ذلك.
الطريف في الأمر، إن كان في الأمر طرافة، هو أن هذه التصريحات قد جاءت من شخصيتين هما الأكثر صدامية، والأكثر فشلا في النظام القائم، وربما يؤدي بقاؤهما في منصبيهما إلى سقوط نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز حتى من قبل أن يكمل مأموريته الثانية. إنهما يمثلان السوس الأبيض الذي ينخر هيكل النظام المتهالك أصلا، ينخرانه في صمت وفي سرية كاملة، وذلك في انتظار أن تأتي لحظة السقوط المدوي للنظام القائم.
وإذا ما قدر لي أن أطلب من الرئيس محمد ولد عبد العزيز طلبا أنا على يقين بأنه ليست فيه أي مصلحة للبلاد ولا للعباد، حتى وإن كانت فيه مصلحة عاجلة للمعارضة، لطلبتُ منه أن يحتفظ بوزيره الأول وبرئيس حزبه الحاكم حتى آخر رمق للنظام القائم، فالاحتفاظ بالرجلين لابد وأنه سيعجل بانهيار النظام القائم، وربما تأتي النهاية حتى من قبل اكتمال المأمورية الثانية.
ولو قدر لي أن أزيد الرئيس من الشعر بيتا، أو أن أزيده من النصح نصيحة، وهو الذي لا يحب الشعر ولا النصح، لكانت نصيحتي الثانية له، هو أن يحتفظ أيضا بالوزراء الثلاثة الذي كان لهم السبق في الدعوة إلى مأمورية ثالثة : وزير العدل، وزير الاقتصاد والمالية، والوزير الناطق باسم الحكومة، فالاحتفاظ بهؤلاء الوزراء الثلاثة سيزيد هو أيضا من حسن أداء السوس الأبيض الذي ينخر هيكل النظام، والذي سيعجل في النهاية بسقوط هذا النظام.
إن هؤلاء الوزراء الثلاثة لا يقل أداؤهم سوءا عن أداء رئيس الحزب الحاكم و الوزير الأول، فوزير العدل الحالي زاد من إنهاك قطاع العدل المتهالك أصلا، ووزير الاقتصاد والمالية حول حياة الموريتانيين جميعا بأغنيائهم وفقرائهم، بمواليهم ومعارضيهم، برجالهم ونسائهم، بأساتذتهم وطلابهم، إلى حياة ضنك. أما الناطق الرسمي باسم الحكومة فيكفيه من سوء الأداء بأنه في كل أسبوع ينطق فيه، يأتي بمصيبة تنسي في مصيبته التي جاء بها في الأسبوع السابق.
إنه لمن الضحك المبكي أن يدعو رئيس الحزب الحاكم في مثل هذا الوقت بالذات إلى التمديد للنظام القائم، أن يدعو لذلك وهو الذي تحاصره المشاكل والأزمات في الحزب الذي يديره، وقد ظهر ذلك من خلال تصويت شيوخ الحزب الحاكم ضد إرادة "الرئيس المؤسس"، وقد ظهر أيضا من خلال النقد اللاذع الذي وجهته شيخة من نواذيبو إلى الحزب الحاكم والحكومة، وقد ظهر أيضا من خلال مطالبة شيخ أفديرك بتنظيم مؤتمر استعجالي للحزب الحاكم لانتخاب قيادة جديدة للحزب، وهو الحزب الذي وصفه الشيخ بعدم التماسك والتفكك وبقلة الارتباط بالمواطنين. هذا بالإضافة إلى انتقادات أخرى جاءت من قيادات في الحزب من خارج مجلس الشيوخ، وكان أكثرها لفتا للانتباه تلك التي جاءت من البرلمانيين السابقين: سيدي ولد الداهي وولد أحمدوا.
وإنه لمن المضحك المبكي أن يدعو الوزير الأول في مثل هذا الوقت بالذات إلى التمديد للنظام الحاكم، أن يدعو لذلك وهو الذي تحاصره المشاكل والأزمات في كل قطاع من قطاعات حكومته، وتحاصره أيضا الخلافات القوية داخل حكومته، وذلك لدرجة أصبح من الصعب فيه أن يمر يوم دون أن يتم الحديث عن صراع وخلاف بين هذا الوزير أو ذاك، ويكفي أن نعرف بأن الوزير الأول فشل في أن يصحب معه في سفره هذا الوزير الأمين العام للرئاسة، وذلك بسبب الخلاف الدائم بينهما، وهو الخلاف الذي لم يتوقف إلا لحظات عابرة وقصيرة تعد بالدقائق، تم فيها التقاط صورة تجمع بينهما على مائدة عشاء جمعهما بعد زلزال تصويت الشيوخ ب "لا" على التعديلات الدستورية.
لقد كان من المفترض بالوزير الأول، كأي وزير أول في أي حكومة أن تكون له القدرة لأن يقوم بالتحسيس والترويج للتعديلات الدستورية في كل ولايات الوطن، ولم يكن من المناسب أن يتم "تقزيم" و "تحجيم" الوزير الأول، وتكليفه بالتحسيس فقط في الولايات التي ينتمي لها اجتماعيا..
كل شيء تقزم في هذا العهد، والمصيبة أن الوزير الأول وجد مضايقات قوية حتى في مقاطعته جكني..هذا الوزير الأول الذي يجد مضايقات قوية في مقاطعته، وذاك رئيس الحزب الحاكم الذي يجد معارضة قوية من داخل مكتبه التنفيذي، هذان الشخصان الصداميان الفاشلان هما اللذان يبشران اليوم بمأمورية ثالثة، فلتبشرا بمأمورية ثالثة أو رابعة أو خامسة، أما نحن فسنستبشر ببقائكما على رأس الحكومة والحزب، وسنستبشر بتصريحاتكما المخالفة للدستور، فمثل ذلك قد يجعل النظام القائم يسقط حتى من قبل أن يُكمل مأموريته الثانية.
حفظ الله موريتانيا..