دقة - حياد - موضوعية

تفاصيل محاكمة وإعدام الأمير المختارولد اعلي الكوري(ح5)

2017-03-24 04:47:19

قبل الدخول في فقرات الترجمة الجزلة التي قام بها الأستاذ الكبير سيدي ولد متالي حول تفاصيل اعتقال ومحاكمة وإعدام الأمير التروزي المختار ولد امحمد ولد اعلي الكوري ولد أعمر ولد اعلي، نرى من الضروري أن نوضح للقارئ الظروف والملابسات السياسية والصراعات السلطوية المحيطة بحياة هذا الأمير اليافع الذي تربى يتيما وسعى إلى الإمارة وهو مراهق

.

.





لقد حكمت إمارة الترارزه أسرتان من عقب اعلي شنظوره ولد هدي ولد أحمد بن دامان. فبعد أحمد بن دامان، مؤسس الإمارة إثر  معركة انتيتام سنة 1631، والمتوفى سنة 1636، تأمّر ابنه هدي ما بين 1636 و 1684، ثم تولى بعده الإمارة ابنه السيد ثم بعده اخوه أعمر آكجيل ليصل الحكم إلى اعلي شنظوره الذي تأمر من سنة 1703 إلى سنة 1726. وحسب محمد فال ولد بابه وولد أبو مدين فقد تأمر بعد اعلي شنظوره أخوه الشرقي ولد هدي، إلا أن المختار ولد حامدن وبول مارتي يحذفان الشرقي من لائحة أمراء الترارزه، علما بأن خلافة الشرقي لأخيه اعلي شنظوره، على شؤون الإمارة، خلال مقامه في المغرب بحثا عن السند ضد البراكنه، لا يرقى إليها الشك.

بعد اعلي شنظوره، بدأ عهد أهل أعمر ولد اعلي الذي تواصل لمدة 74 سنة (تزيد أو تنقص قليلا حسب الخلاف في تواريخ الوفيات). وقد تميزت إمارة أهل أعمر ولد اعلي بأمور كثيرة، من أهمها أنها لم تشهد انقلابا واحدا لا هادئا ولا دمويا، بل لم يمت من أمرائهم مقتولا غير واحد توفي في معارك خارجية (ضد تحالف بين إمارة البراكنه والدولة الألمامية)، كما أنها الإمارة الوحيدة التي لم تعتمد التوريث الأبوي (أي أن الإمارة وصلت من أعمر ولد اعلي إلى ابنه المختار، لكنها من عهد المختار تعاقبت بين الإخوة وأبناء العمومة (داخل أسرة أهل أعمر ولد اعلي) إلى أن تم الانقلاب على حكمهم.

أول من حكم من أسرة أهل أعمر ولد اعلي هو أعمر نفسه الذي مارس السلطة الأميرية ما بين 1726- 1756، تولى بعده الإمارة أبنه المختار ولد اعمر ولد اعلي الذي حكم ما بين 1756- 1771، وتولى بعده أخوه اعلي الكوري ولد أعمر ولد اعلي الذي حكم ما بين  1771- 1784 (قتله جيش المامي عبد القادر: أحد أمراء الدولة الدينية في فوتاتورو المتحالف مع إمارة البراكنه). تولى بعده الإمارة ابن أخيه محمد الجواد ولد المختار ولد أعمر، وذلك ما بين  1784- 1792، ثم تولى بعده الإمارة أخوه عاليت ولد المختار ولد أعمر في الفترة ما بين 1792- 1794، ثم تولاها بعده أخوه أعمر ولد المختار ولد أعمر ولد اعلي المعروف بـ"أعمر ولد كمبه" الذي حكم ما بين 1794- 1800، وتوفي في زهرة العمر دون أن يترك أي وريث بالغ من جميع أفراد أسرة أهل أعمر ولد اعلي

ثم يصل الحكم، في انقلاب أبيض، إلى أهل المختار الشرقي الذين عـُـرفت إمارتهم بـ"إمارة أهل محمد لحبيب".، وكان أعمر ولد المختار ولد الشرقي ولد هدي أول من حكم منهم في الفترة ما بين 1800-1829.

وكان امحمد ولد اعلي الكوري ولد أعمر ولد اعلي أول بالغ من أسرة أهل أعمر ولد اعلي يقود معارضة مسلحة ضد حكم أعمر ولد المختار (ولد الشرقي)، فحاول، خلال أيام مشهودة، استرداد الحكم، واستنجد في سبيل ذلك بحلفاء من داخل قبيلته، ومن أبناء عمومتهم أولاد دمان، ومن أصهاره إدوعيش خاصة في عهد الأمير محمد ولد امحمد شين.

وتولى الإمارة بعد أعمر ولد المختار ابنه محمد لحبيب الذي حكم في الفترة ما بين 1829-1860، وقتل من قبل أبناء إخوته في محاولة انقلابية فاشلة، ليتولى الحكم من بعده ابنه سيدي ولد محمد لحبيب الذي تأمّر في الفترة ما بين 1860-1871 وسقط قتيلا في انقلاب دبره أخوه أحمد سالم (الأول) ولد محمد لحبيب. وقد عرفت فترة إمارة أحمد سالم، الممتدة لثلاث سنوات، مناوشات ومعارك طاحنة مع أخيه أعلي (ابن اجّمبت: ملكة الوالو) انتهت بقتل الأول في شهر مايو 1873، ليستتب الحكم لأخيه الأمير اعلي ولد محمد لحبيب الذي قتل سنة 1886 في انقلاب دبرته جماعة من أولاد أحمد بن دامان من ضمنها أبناء أخيه خاصة أحمد الديد (الأول) ولد سيدي ولد محمد لحبيب ومحمد فال ولد سيدي ولد محمد لحبيب. وهنا أخذ محمد فال ولد سيدي السلطة الأميرية سنة 1886 في جو مضطرب لم يشهد استقرارا حتى قتل بعد أربع سنوات (سنة 1890) على يد ابن عمه أحمد سالم (الثاني) ولد اعلي (الملقب بياده)، وقيل ان محمد فال تنازل عن الإمارة لعمه أعمر سالم قبل مقتله، وإن تأكد ذلك يكون أعمر سالم قد حكم من 1890 إلى  حين مقتله في إحدى معارك الصراع على السلطة سنة 1893. ثم استتب الأمر للأمير أحمد سالم ولد اعلي (بيّاده) من 1893 حتى اغتيل سنة 1905 على يد جماعة يقودها أحمد الديد (الثاني) ولد محمد فال ولد سيدي ولد محمد لحبيب.

في هذه الفترة بالذات دخلت الإمارة في العهد الفرنسي، فتأمر أحمد سالم ولد ابراهيم السالم وأحمد الديد ولد محمد فال بالتزامن تقريبا، حتى توفي أحمد سالم سنة 1929، لتبقى الإمارة عند أحمد الديد ولد محمد فال ولد سيدي حتى يوم وفاته سنة 1944، ويرثها منه ابنه محمد فال (ولد عمير)، ثم تعود لعقب أحمد سالم ولد ابراهيم السالم (ممثلا أولا في احبيب ولد أحمد سالم).

في هذه الظروف، كانت المصالح الاقتصادية، المتمثلة في تجارة الصمغ وما تدره من ضرائب، وفي الإتاوات والإكرامات الممنوحة من قبل الفرنسيين والوسطاء التجاريين، قد طغت على كل الجوانب الأخرى، فتفكك، شيئا فشيئا، حلف أهل أعمر ولد اعلي تبعا لموازين القوة، وقلّ عددهم هم أنفسهم، ولم تنجح محاولات امحمد ولد اعلي الكوري في استعادة السلطة بالقوة، إلا أن أهل أعمر ولد اعلي، رغم كل ذلك، ظلوا يتمتعون بوزن كبير وبمكانة قوية جعلت حضورهم في الإتاوات والإكرامات بارزا، بل ظلوا يرفضون التنازل عن نصيبهم تحت أي ظرف. في هذا السياق يظهر الشاب المختار ولد امحمد ولد اعلي الكوري الذي ترك له والده أمجادا داخلية، وعلاقات كبيرة خارجية، وأموالا طائلة في عاصمة المصالح الفرنسية الإفريقية: سان الويس.

لقد مات عنه والده وتركه يتيما، فتربى في سان الويس (اندر) حيث عقاره وأمواله، وحيث عايش الفرنسيين (وكان يتكلم الفرنسية بطلاقة، كما كان يلبس الزي الفرنسي بإتقان، ويضع ربطة العنق تماما مثلما يضعها الأوربيون). وقد وصفته وثائق المستعمر بأنه شاب وسيم ذو طباع حضرية راقية لا يتحلى بها أي بيظاني حينها.

وكان هذا الشاب، المولود بين 1810 و1815، يسعى لاسترداد السلطة على خطى والده امحمد ولد اعلي الكوري وأبناء عمومته أولاد أعمر ولد اعلي الذين لم يبق منهم أي بالغ عندما توفي آخر أمرائهم أعمر ولد المختار ولد أعمر ولد اعلي الملقب أعمر ولد كمبه. إلا أن جملة من الظروف لم تساعده في مسعاه، من بينها:

أولا: صغر سنه، فقد بحث عن الإمارة وهو بعد لم يبلغ الـ 18 من العمر.

ثانيا: تفكك القوة التي كانت تساند ذويه من أولاد أحمد بن دمان وأولاد دمان وأخواله إدوعيش الذين أتوا مرتين بخيلهم ورجلهم وقاتلوا في أقصى الجنوب، لكنهم فشلوا في استعادة الحكم لابن ابنتهم وإن انتصروا في إحدى المعركتين اللتين شاركوا فيها إلى جانب والده امحمد وأنصاره الدامانيين: معركة أفجار سنة 1817 ومعركة أباخ (الصطاره) في ذات السنة 1817.

ثالثا: ميول الفرنسيين إلى الأسرة الحاكمة الجديدة لاعتبارات من أهمها أن مصلحتهم تقتضي التعامل مع جهة واحدة وزعيم واحد، بالإضافة إلى ما استشفوا من قلة حظوظ الأسرة الأميرية الأولى في استرجاع عرشها.

رابعا: قبوله للتنازل عن المطالبة بالإمارة (لفقدان السند الداخلي والخارجي)، ورفضه المطلق البات للتنازل عن المصالح والإكرامات التي كانت من حق أجداده على ضفة النهر (كالإتاوات، والتعويضات عن توقف القوارب التجارية والمزايا المادية التي تمنحها سلطات سان الويس)، الأمر الذي شكل مساسا بهيبة الإمارة وبجزء من سلطاتها وبعض مصالحها الحيوية، فكان لابد لها أن "تتصرف" بشكل أو بآخر، خاصة أن الأمير الشاب يعتبر، وربما يعتبر بعض أبناء عمومته المباشرين، أن التنازل عن المزايا الخاصة بهم سيكون بمثابة التخلي عن جزء آخر من أمجادهم أو عن النصيب المتبقي من سيادتهم (بعد أن أجبرتهم الظروف على التخلي عن السلطة).

خامسا: المؤامرات الداخلية والشراك التي وضعت للشاب فوقع فيها دون أن يحسب عواقبها، ومن أبرزها عملية قتل التاجر جاك موليفار: صديق والده وصاحب المكانة الكبيرة لدى الفرنسيين، ما جعل فرنسا تعتبر أنها إن لم تقتل قاتله ستخسر هيبتها وسمعتها لدى سكان المنطقة، فكان لابد لها من استدراج الشاب إلى اندر لتجعل منه مثالا تروع وتردع به كل من يحاول المساس بمواطنيها وحلفائها. وعند القراءة المتأنية لما بين سطور الوثائق الفرنسية، نكتشف أن الإمارة شاركت في عملية الاستدراج تلك لأن الشاب أظهر قدرات فائقة على المنافسة، ولأنه ينبئ بمستقبل واعد قد يهدد أركانها ولربما تمكن، بحنكته وشجاعته وعلاقاته وثرائه المادي وما لديه من مقومات التفاهم مع الفرنسيين، من انتزاع السلطة وإعادة الإمارة إلى نسختها الأولى.

إذن قـُتل التاجر الخلاسي سنة 1831 على يد المختار ولد أمحمد ولد إعلي الكوري، أو على يد أبناء عمومته أولاد أعلي بوشارب، أو على يدهم جميعا (انطلاقا من شهادات مختلفة تم الإدلاء بها خلال جلسات المحاكمة المنعقدة في سان لويس سنة 1832)، أو قتل بحضور الشاب المختار وتمت فبركة التهمة لجره إلى المشنقة (فهو يحرج الإمارة لأنه يطالب بنصيب من الدخل، ويحرجها لأنه مهيأ لقيادة التناوب السياسي، ويحرج فرنسا لأنه يفرض إتاوات وإكرامات مضاعفة على اعتبار أنها تدفع نفس الإتاوات والإكرامات للإمارة، ويحرجها لأنه يشكل قطبا ثانيا، وفرنسا تعتبر أن مصالحها تقتضي التفاوض والتعاطي مع قطب واحد). وهكذا وجهت له التهمة، وحكم عليه بالإعدام، ونفذ فيه الحكم رميا بالرصاص، ليكون بذلك أول بيظاني يحاكم محاكمة عصرية مكتملة الأركان: من رئيس محكمة، مرورا بالقضاة، فممثلي النيابة، إلى المحامين، والشهود، وبذلك يكون أيضا أول بيظاني يصدر عليه حكم بالإعدام وينفذ فيه رميا بالرصاص. علما بأن بعض أعضاء المحكمة أصيبوا بحزن شديد وإحباط كبير إثر تنفيذ الإعدام في الشاب المختار لأنه، بالنسبة لهم، أعدم على خلفية أحداث وقعت وهو بعد لم يصل سن البلوغ القانوني (كان سنة 1931 في حدود الـ 16 من العمر، وإن حاول رئيس المحكمة تقديم أدلة غير مؤصلة على أنه في حدود الـ 21 سنة)، كما يعتبره بعض الفرنسيين من أقرب البيظان إلى نمط حياتهم العصرية، وأنه يتكلم لغتهم بطلاقة، ويمكن التفاهم معه أكثر من غيره، بالإضافة إلى أنه ضحية لمؤامرة تروزية-فرنسية بشعة لم يفهم أبعادها لصغر سنه.

ومهما يكن، فإن ملفه يظل نقطة سوداء في جبين العدالة الفرنسية، سيجد، في يوم من الأيام، من يرفع اللبس عن قضيته ويفكك ألغازها وطلاسمها. كما سيظل مفخرة تروزية لأنه، وإن أنكر التهمة، رفض التنازل عن مصالح ذويه، ورفض المساومة في حقهم على المراسي والمراكز التجارية، ورفض الخضوع لسلطة لا تقبل به شريكا، وذهب إلى مكان الإعدام متماسكا بخطى واثقة حسب شهادات الفرنسيين أنفسهم.

محرر زاوية "تاريخ مغيّب"في صحيفة ناواكشوط

 

 

الحلقة الخامسة من تفاصيل الملف حسب ترجمة الأستاذ سيدي ولد متالي

 

... و بالمناسبة.. وانطلاقا من المادة 14 من الأمر القانوني بتاريخ 7 يناير 1822 المتعلق بالنظام القضائي في السنغال.. و استئناسا بالمادتين 336 و 334 من المسطرة الجنائية المعمول بها في المستعمرات الأخرى نستخلص أنه من المناسب للمحكمة أن تساير القوانين السابقة و تخضع في مداولاتها لأشكال و شروط الأغلبية المنصوص عليها في هذه المواد القانونية... مع العلم أنها لم تحدد بصورة دقيقة عدد الأصوات التي يتطلبها القرار..
و قد أعلن الدفاع، حول هذه النقطة بالذات اعتماده على الترتيبات التي أخذت بها الإدارة العمومية..
و هكذا يعلن المجلس عن انسحابه لغرض المداولات ثم يعود مباشرة ليعلن قراره على النحو التالي:
"
إن المجلس... إلخ.. اعتمادا على سلطاته في تغيير نظام المستعمرة حول النقاط و القضايا و الترتيبات الصادرة عن الإدارة العمومية المقررة و المسيرة بالنظام... يصرح بأنه سيتجاوز الترتيبات المذكورة.. و هذا القرار يشمل كل من حضروه و يطبق عليهم.."
و الآن نصل إلى مرافعات المحامي العام المدافع عن المختار.. فقد قال الأستاذ كِرانبونه، مفتش المستعمرة و هو المحامي العام:
أيها السادة:
لقد نطقت شهادة الرجال.. ذلك الصدى المتغير.. و المتسم بالعفوية و النأي عن الخوف و الطمع..
و عموما فإنه من هذه الشهادات المختلفة ينبغي أن تتولد الحقيقة القانونية.. التي هي صوت رجال نزهاء و قضاة محايدين..
أيها المحلفون و القضاة.. إن واجباتكم في هذه المحاكمة الجنائية ستنعقد اليوم عن طريق قضائي مدني صار يوما بعد يوم مألوفا عندكم..
و إنكم ستحكمون في قضية مدنية و قضية جنائية.. ستقررون في تاريخ ميلاد رجل بالرجوع إلى أمر سماوي أو تقررون بقراراتكم الشخصية الوقت غير المضبوط لميلاده..
اسمحوا لي أن أقول لكم إنه لكي تؤدوا، بجدارة، المهمة المعينة المسندة إليكم فإننا سنتابعكم في خضم مداولاتكم و في النقاشات التي قد تكون تارة دقيقة و لكنها أساسية.. و ستلخص حل الإشكالات الناتجة عن هذا النقاش الهام..
فهل تبين مظهر الجريمة في مقتل جاك ماليفوار؟
فهل تبين مظهر الجريمة في مقتل مافال و جزء من طاقمه و أسْر جزء آخر و نهب سفينته و إغراقها..؟
فإن أي شك لا يخامر حول هذه القضية..
و قد أجمع الشهود، سواء لصالح أو ضد المتهم على هذه الجريمة.. دون أن يدينوه..
هل إن المكان الذي وقعت فيه الجرائم محدد.. و هل هو تابع لدائرتكم القضائية؟
إن هنالك كثيرا مما يدفع إلى الشك في هذا..
لدينا، بالفعل، النص الأصلي لمعاهدة موقعة بين أعمر، ملك ترارزه، بتاريخ 7 يناير1822 و هي تحوي من بين ترتيبات أخرى ما نصه:
"
المادة 5 : يُسمح للفرنسيين أن يبسطوا نفوذهم على الضفة اليمنى للنهر من سان لويس حتى قبالة "كِايه" و كل الأراضي الواقعة بين هاتين البلدتين تمنح لهم بملكية تامة.." بينما، و باعتبار إجماع الشهود و المتهم، الجرائم وقعت قبالة ريشارتول و " لافاي"..على الضفة اليمنى للنهر.. أي في المنطقة المعترف بها بأنها جزء من التراب الفرنسي.. التي استفاد أمراء ترارزه، في مقابل منحها من أجمل إكرامياتهم.. و لم يكن من المعتاد أن هذه المعاهدات المحلية تُنشر رسميا في السنغال.. مثل العقود الأخرى التي لها قوة القانون.. بيد أنه لم يوقع أي منها قبل أن يجر إلى كثير من النقاش و أن يشعر به كل الوطن.. خاصة ما يتعلق منه بالإكراميات في مقابل الأقاليم المذكورة أعلاه..
فلا يهم أن الفرنسيين لم ينشئوا بعدُ مؤسسات على الضفة اليمنى للنهر فالمادة 5 من المعاهدة تنصُ على أن ذلك يحق لهم.. و لكن ذلك بشرط، و شرط فقط، أن تكون المنشأة ضمن المساحة المعترف بها منذ 7 يونيو 1821 بأنها أراض فرنسية..
و قد تم الاستلام بتقديم الوثائق إلى الجهتين المتعاقدتين..
و لسنا نشك، سادتي، أن القرار الذي ستعلنونه سيؤكد في الحال هذا الاستلام بأمثل طريقة و أعرقها في الوقت ذاته..
اِسمحوا لنا الآن أن نتوجه إلى هذا الجمهور الذي يتوافد على جلستكم و نخاطبه باسم الملك لنقول له:
"
أيها البيضان.. أيها السنغاليون..هؤلاء هم قضاة المختار الطبيعيون لان الجريمة التهم فيها نفذت على أرض تابعة للسنغال.. و عليه فإن القرارات التي ستصدرها هذه المحكمة و العقوبات التي ستحكم بها يستوي فيها الأجانب و الفرنسيون.
و لكن لتعلموا جيدا أنه إذا أصيب طفلٌ فرنسي أو سنغالي على أرضية أي مكان من ضفاف إفريقيا فإن قوانيننا تحتفظ للمجرمين بمحاكمات أسرع و عقوبات أقسى.. فليطمئن المسالمون و ليهدأ المضطربون..
هل إن المتهم مذنب في حالة أنه محرض و متمالئ في الاغتيال الذي وقع في نهاية يوليو 1831 على شخص جاك ماليفوار؟
هل هو مذنب بظرف سبق الإصرار الذي اتصف به الاغتيال؟
لنفحص الآن، سادتي، اعترافات المتهم و تصريحات الشهود حول هذا الموضوع..
فالمختار يعترف بأنه أتى إلى مسرح الجريمة برفقة عدة فرسان.. و يعترف أنه طلب من ماليفوار بعض التبغ و أن يعطيه غطاءه..و يعترف حتى أنه أطلق النار.. و لكنه يقول: "... لم آت مع القتلة إلا لتثبيطهم عن مشروعهم.. و قبل ذلك منعتهم من إحداث سوء في المراسي... و لم أرافقهم على طول النهر إلا لتجنب الاحتكاك بأي أحد.. و عندما وصلنا قبالة ريشارتول شاهدنا جاك ماليفوار على الشاطئ .. كان صديق والدي.. اضطربتُ و حثثتُ الخطا.. و كنتُ أول واصلٍ إليه طالبا منه بعض التبغ و غطاءه..و أومأتُ إليه إيماءاتٍ يبدو أنه لم يفهما.. عند ذلك أطلقتُ النار من اجل إشعاره بالخطر الذي يتهدده ... و لكن.. فات الأوان..فقد أطلق الثلاثة الآخرون النار... و سقط ماليفوار على جانب الماء.."
و في هذا السياق يُجمع الشهود على أن واحدا فقط من الفرسان هو من أطلق النار و ذلك تنفيذا لأوامر المختار..
و بالفعل، سادتي، فإن تصريح المتهم ليس منافيا للصواب.. و إذا كنتم لا تعرفون خُلُقه، جيدا، فيمكنكم أن تتفاجأوا ... فالمختار، هذا، الذي يدعي أنه أُرغِم على الالتحاق بالقتلة.. كرر عليكم عدة مراتٍ، و بكل اعتزازٍ، أنه أقوى منهم جميعا.. و لم يذكر أي مظهر عنف مورس عليه من أجل إرغامه على مرافقة القتلة.. فهذا الإرغام لا يصِح عقلا.. و لا يشكل تسويغا مقبولا و لا اعتذارا.. إلا إذا كان عبارة عن سلوكٍ يريد المختار أن يتظاهر به.. فهو يريد، دائما، إقناع المحكمة أن دافع القتل كان لغرض الانتقام الشخصي .. و من أجل إضرام حربٍ مُحرجة للملك محمد لحبيب.. ونحن نشك، جازمين، أن المختار الذي كان لديه هدفٌ أقرب من ذلك، و كان قويا، أنه سيغطي أو يتنزه عن الانتقام.. و إن كان أطلق النار في الهواء و من على منكبه من أجل إشعار ماليفوار بالخطر الذي يهدد حياته..
آه.. هذا، سادتي، يتجاوز حدود الدهاء و النفاق الطبيعيين.. حتى أنه يريد أن يقنعنا أن طلقة نارٍ من بندقيته، كان بالصدفة، طريقة للإنذار.. أما نحن فنعتبر ذلك وسيلة للقتل... يتواصل.

تابعونا على الشبكات الاجتماعية