حتى نفهم قليلا اهمية التعديلات الدستورية وتأثيرها على مستقبل البلاد وديمقراطية هذا البلد العظيم، يجب تصور هذا السيناريو بأدق تفاصيله.. وبانتهائه سندرك ان موريتانيا ستظل “بخير” لأنها مازالت موريتانيا.
.
في الساعة العاشرة من صباح الغد وبينما الناس منشغلون بأقواتهم دخل احد الضباط على ولد عبد العزيز ومعه مسلحان من اقاربه، شكلهما لايسر، اقتاداه الى قبو مظلم واغلقا عليه بمزلاج وقفل حديديين،،وجلسوا ثلاثتهم في مكتب الرئيس في انتظار اول الواصلين،بعد ان ارغموا مدير الديوان على الاتصال باسم الرئيس بولد الغزواني للحضور على جناح السرعة،خلال الدقائق التي تسبق حضور ولد الغزواني،كان مدير الديوان يتفحص وجه الضابط الآمر،ثم لما سمعه يتحدث في الهاتف ويطمئن زوجته بأنه سيجلب اللحم والخضروات وبأن الغداء سيكون متميزا هذا اليوم عرف الجهة التي ينحدر منها،سأله هل انتم من قبيلة كذا؟ رد الرجل بسرعة ماهو فالي انا من القبيلة المناهضة لها..ابتسم : سبحان الله كنت واثقا من ذلك،اردت فقط استفزازكم حتى يتأكد حدسي، فأنا عبد لتلك القبيلة بموجب جميل لهم في عنقي ماحييت وعلى كل حال انا في خدمتكم وكنت اخبرت محمد يوم امس ان يذهب ويتركنا في شأننا..قاطعه: من محمد؟
رد متلعثما: ذ الراجل الكان هون ايسدي ونير و يظلم الناس..
قاطعه دخول الغزواني فقفز الرجلان وطرحاه ارضا ليسقط من جيبه قلب كرتوني جميل كتبت عليه عبارة: احبك غزوي ومعركتي وجيشي.
ارغماه على الاتصال بقادة الجيش بعد ان اخبروه بأن عزيزا قاومهم وانهم اصابوه بطلق ناري..
اصفر وجهه لكنهم بادروه بهاتفه والمسدس في اذنه: اتصل على القادة اخبرهم ان محمد ولد عبد الله اصبح قائدا عاما للجيوش وان مجلسا عسكريا اطاح بالمعتدين على حرمة الدستور..يحاول غزواني المناورة فيضع الرجل الأصبع على الزناد..ويملي قائمة اعضاء المجلس العسكري الجديد،كانت القائمة مشكلة من ضباط كانوا بعيدين كليا من الصدارة والقيادة،اتصل بهم محمد ولد عبد الله فحضروا الواحد تلو الآخر دون ان يعرفوا سبب حضورهم،طلب لهم لبسا يليق بالصورة الجماعية التي تتصدر المواقع والجرائد عادة مع كل انقلاب.
تناوبوا على الحمام الرئاسي وعلى فرشاة السيدة الأولى،،استعمل احدهم مثبت شعر بدر وتعطر الآخر بعطر السيدة التي كانت اولى قبل ان ينهره محمد: “ذاك تعدي اعل خدجة ذيك جيبته دبابة من الترحيل.
” وزع المهام،،طلب من احدهم ان يمر على ولد الشيخ في وزارته بعد ان اتصل به الغزواني وطلب منه مرافقة الرسول الى الاذاعة لقراءة بيان عاجل فجاء الرد من هناك: سيدي الجنرال كنت انتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر،مبروك لنا عهدكم الميمون.
ارسل ضابطا آخر الى التلفزيون طبعا بعد ان استدعى الغزواني شيخنا ولد القطب وغيره من شباب عزيز وخلص ضباطه..
خرج الناس للشارع بعد ان اذيع بيان مجلس الانقاذ بقيادة محمد ولد عبد الله في مسيرات راجلة متوجهة جميعها الى القصر الرمادي،يقودها نواب عزيز ومعهم نواب المعارضة وقادتها والأئمة والعلماء والفنانون وزعماء المافيا وشبيكو والحر والبعثيون وولد ابريد الليل والنساء والبغايا والصالحات..
يخرج اعضاء المجلس كالفرسان الثلاثة وكل واحد منهم يسبح في جلبابه الجديد،فالبدلة كانت لضابط يأكل بعشرة امعاء وهم مازالوا ضباط ميدان لا ابدان لهم..لايهم سيتغير الوضع.
الذي يشيح بوجهه عن الكاميرات رأى صاحب الدكان فخاف ان يحدثه عن دين ” حول” مرات حتى اصبح في الصفحة 32 مع ان الدفتر من نوعية 32 صفحة..
احدهم يرسل التحية بابتسامة الى خطيبته،وآخر منشغل بإخفاء هاتف نوكيا العتيق،بدأ يتنكر لهذا الهاتف الذي لولاه لما كان الآن في مكان لم يحلم به ابدا.
دون كبير عناء وزع نواب العهد القديم انفسهم على القنوات وشرعوا في تشريع مشروع العسكر المشروع الآتي على انقاض فعل غير مشروع..
تمر الأيام، يحصل محمد ولد عبد الله على غايته من المجد والسلطة،تنتفخ بطون رفاقه،يجوبون بزوجاتهم العالم، يصفون حسابات حتى مع غسال كتب منذ الأزل ان الدين ممنوع والرزق مضمون..عاثوا فسادا ومحاربة لفساد غيرهم.
ثم تذكروا الدستور،آه ماذا سنفعل به؟ فالمهم ليس التعديلات وانما المهم هو التعديل الوحيد الذي سيسمح لنا بالبقاء او بالرحيل بكل مانملك!!
آه سنضع مطرقة ننصف بها الصناع التقليديين فقد ظلمهم التاريخ وسنضع آريدنا جميلا انصافا للفنانين،لكن قبل ذلك يجب ان نعين ممثلين عنهم، ويجب ان لانكثر منهم ففي النهاية هم معلمين وفنانون.. تعيينات سريعة ومدروسة جدا..وبعدها يرفع شعار التعديل الدستوري، حوار، مدخلات، مخرجات، مقترح، اقتراع، تعديل، اقتراع،تمرير انتهى المشهد واطمأن محمد ولد عبد الله..
حين ارتدى منامته التي احضرها معه من الترحيل كوفاء لها،اتكأ على السرير الوثير بعد انتصاره في معركة التعديلات الدستورية، وبينما يتخيل العلم الجديد،طاف بالغرفة شبح ولد عبد العزيز..انت غبي، وقد اعطيتهم جميع الأسباب والمبررات للانقلاب عليك، ألم تتعظ من تجربتي.
.
في الصباح طلب تعديلا جديدا على الدستور يسمح له بالبقاء على رأس السلطة حتى يأخذه الله اليه.
في الصباح الموالي جاء عبد الله ولد محمد ( مقلوب اسمه) ومعه رجلان: هل جئت قابضا؟
نعم وزوجتي في الترحيل تحزم متاعها القليل،صل ركعتيك وهلم الى قصر المؤتمرات لتستريح قبل نقلك الى ولاتة حيث ستعود السيارة التي اقلتك بسلفك ولد عبد العزيز فسجن ولاتة لايقبل بأكثر من رئيس.
سقط العلم وحلم الانصاف لأن الانصاف لم يكن الغاية،وسقطت المواد تباعا كأوراق خريف باهتة واسدل الستار على عهد ليخرج نفس الأشخاص وهم يأكلون رئيسهم وتعديلاته وامجاده وعدله ومحاربته للفساد.. ففي النهاية قدرنا ان نكرر دون ان تعرف “سعادو” من الحكام طريقا الى قلوب الساسة الجائعين وبطونهم ستنفجر شبعا،اما الفقراء والعامة فلم يكلفوا انفسهم عناء البحث عن طبيب يعالج مرضهم الحقيقي وهو موت ارادة الحياة
محمد الامين ولد محمودي
نقدمي