تمر يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول الذكرى الخامسة لمقتل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بعد أن دمرت طائرات الناتو موكبه في ضواحي سرت، وتسلمه لاحقا مسلحون معارضون نكلوا به بوحشية.
.يمكن القول إن العقيد معمر القذافي كان ابن عصره وابن بيئته، وقد لا يكون مثاليا في حكمه لليبيا طيلة 42 عاما، إلا أن ما جرى ولا يزال بعد إسقاط نظامه جعل الكثيرون يعيدون النظر فيه من جديد، ودفع آخرون إلى الحنين إلى عهده.
ليس ذلك لأنهم كانوا يعيشون في نعيم أرضي، كما كان يردد القذافي في أوج مجده، بل لأن حياة معظم الليبيين تحولت بالفعل إلى جحيم بعد غيابه.
مر القذافي خلال فترة حكمه الطويلة لليبيا بمراحل عديدة، وأدى أدوارا متنوعة، وقد بدأ مشواره في الحكم شابا يافعا متحمسا في 27 عاما من عمره، وأنهاه كهلا في 69 من العمر. وبين البداية والنهاية خاض معارك من كل نوع ضد "الامبريالية" والاستعمار الجديد.
وأسس خلال رحلته الطويلة نظاما فريدا في بلاده فصله على مقاسه، واتسع طموحه إلى حد تنصيب نفسه ملكا لملوك إفريقيا التقليديين، كما لو أن بلاده لم تكفه إذ كان تبنى قضايا الفلسطينيين والأكراد والهنود الحمر وغيرهم، ومد يده إلى جنوب الفلبين وإلى فطاني في تايلاند وإلى أدغال إفريقيا، وقد أرهق بلا شك "الإمبرياليين" في كل مكان بمشاغباته، فماذا أعطى لبلاده وشعبه!
في مراحل قيادته لبلاده الأولى فعل الكثير. شيد أحياء سكنية وزعها على الفقراء، وربط بلاده بشبكة طرق واسعة، وأوصل الكهرباء إلى الأقاصي، ووفر تعليما وعلاجا مجانيين، لكنه جمد المداخيل، وظل إلى ما قبل مقتله بسنوات قليلة يقبض على خناق مواطنيه برواتب متواضعة جدا، وفي نفس الوقت عوضهم بسلع تموينية مدعومة ووقود رخيص.
إلا أن هوة الفوضى والعنف والانقسام والفشل التي ابتلعت ليبيا ومقدراتها، وحرمت مواطنيها حتى من أبسط الخدمات ومن الأمن، جعلت الكثيرين ممن كانوا معارضين لـ"الدكتاتور" يشعرون بأن الناتو قد خدعهم، وأنه صفى حساباته مع القذافي وانتقم منه، وهيأ البلاد، بتدمير بواباتها، لمصير تعيس يزداد سوءا يوما بعد آخر.
ولعل مقتل القذافي الشنيع بذاته شهادة صارخة ضد "العبث" الذي مارسه حلف شمال الأطلسي في ليبيا، فقد قامت طائراته صباح الخميس 20 أكتوبر/تشرين الأول بقصف رتل القذافي أثناء محاولته الخروج من سرت بعد أن ضاق الخناق عليه هناك.
في ذلك اليوم، أعلن العقيد رولان لافوا المتحدث باسم الناتو التالي: "في حوالي الساعة 08:30 بالتوقيت المحلي ضربت طائرات الحلف عربتين عسكريتين لقوات موالية للقذافي كانتا ضمن مجموعة أكبر كانت تتحرك في محيط سرت"، مضيفا "كانت هاتان العربتان المسلحتان تقومان بأعمال عسكرية وتشكلان تهديدا واضحا للمدنيين!".
وبالمقابل سرد نجل وزير الدفاع الليبي في عهد القذافي أبو بكر يونس جابر تفاصيل خروج رتل الزعيم الليبي الراحل من مدينة سرت متوجها إلى منطقة بوهادي، مسقط رأسه ضمن قوة يبلغ عددها 496 جنديا بمن فيهم وزير الدفاع ونجليه والمعتصم نجل القذافي.
وأفاد بأن القذافي ورفاقه قرروا الخروج من سرت بعد أن اشتد الحصار، وتم تدمير مخبأ للأسلحة في معقلهم بالحي السكني رقم 2 عقب استهدافه من قبل طائرات الناتو بأكثر من 6 غارات.
هذه الرواية تقول إن موكب القذافي بعد أن غادر سرت، تعرض فجأة لغارات جوية، دمرت أولها 17 سيارة في المقدمة، تلتها أخرى دمرت 11 سيارة في المؤخرة، وتسببت غارة عنيفة ثالثة في انقلاب السيارة التي كان يستقلها القذافي، لأنهم "لم يستهدفوها بشكل مباشر بل عمدوا إلى القصف بجوارها".
ثم سقطت من السماء، بحسب الشاهد، قنبلة انبعث منها دخان أبيض كثيف، فقد إثره نجل وزير دفاع القذافي وعيه ليستيقظ في مدينة مصراتة أسيرا.
وما تبقى من المشهد الوحشي وثقته أشرطة فيديو في الإنترنت وعرضت القنوات التلفزيونية المختلفة شيئا يسيرا منه، وذلك لأن وحشية العنف الذي مورس في تلك الواقعة، تصيب أشد الرجال رباطة جأش بالغثيان والذهول