كان حريا بالأمريكيين ـ وهم الأذكياء عند التذاكي، الأغبياء ساعة التغافل ـ حين سعوا إلى تتبع منابت العداء لهم في العالم الإسلامي، ذلك العداء الذي بلغ ذروة سنامه، وغاية بطشه ـ حتى الآن ـ مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أن يتجه تشريعهم إلى محاسبة المسؤولين الحقيقيين عنه، وهم يعرفون قبل غيرهم أن السياسات الأمريكية الرعناء التي تتحكم فيها لوبيات الصهيونية العالمية، هي التي زرعت في نفوس أحرار العالم بأسره، والإسلامي منه خصوصا، بغضا لهم، وحقدا دفينا عليهم
.
.كان الأجدر برشداء القوم ـ إن كان منهم رجل رشيد ـ وهم يشرعون قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي يعاقب كل من تسبب في الكراهية لهم أو إلحاق الأذى بهم، غداة ذكرى الحادي عشر من سبتمبر(حسب زعمهم) أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ومع شعوبهم، فيتجه حسابهم وعقابهم إلى من قادهم إلى تهلكة العداء الإسلامي، وهو عداء تراوح المسلمون فيه تراوح مشاربهم ومعاطنهم، بين صامتين مغلوبين على أمرهم، وناقمين ناقدين لا يملكون سوى اليراع الذي يتكسر كل يوم ألف مرة تحت صلف جبروت البغي والطغيان الأمريكيين، ومسالمين يتظاهرون ويحتجون فتتكفل الحكومات المحلية في العالم العربي والإسلامي بقمعهم وإسكات أصواتهم، وآخرين من دونهم يهاجمون ويفجرون ويبطشون.. وهنا يدفع الأمريكيون وحلفاؤهم ثمن ما اجترحوه من عدوان واقترفوه من انحياز جائر.
ألم تر إلى الأمريكيين وهم يغضون الطرف عن الشمس رأد الضحى، ويعرضون صفحا عن ناصع الحقيقة، حين يهابون تشريعا يلاحق من قرر ذات يوم تحالفا أزليا بينهم وبين الإسرائيليين على حساب العرب والمسلمين، تحالفا يُظاهر على العداء السرمدي للقوم في دينهم، وسلب أرضهم، وهتك عرضهم، وتدنيس مقدسهم، وإخراجهم من ديارهم.. تحالفا أملته إيديولوجية المنشأ وفلسفة الوجود بالنسبة للفريقين، سواء منهم من قهر الهنود الحمر وأبادهم وقضى على أمتهم وحضارتهم، فأسس بنيانه على شفا جرف هار من الظلم والقمع والإبادة، أو من احتل أرض المسلمين في مسرى نبيهم عليه الصلاة والسلام، وأجلاهم وأقام كيانه البائس على أرضهم، واليوم توغل تشريعاتهم المغالطة للواقع والمجانفة لمنطق الحق، نحو مزيد من اضطهاد المسلمين وإذلالهم بحجة أمن الأمريكيين ورفاهيتهم... "وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون".
ألم يكن حريا بهم أن يشرعوا لمقاضاة من استنفر ببطشه في العراق وأفغانستان، وتنكيله بالشعوب المسلمة في سائر أرجاء الدنيا، كل نفس أبية في العالم الإسلامي، وحول ملايين المسلمين إلى كتلة عداء تتربص بأمريكا الدوائر كل حين، واستدر بفظائعه ردود فعل لا غاية لها إلا النكاية، ولو أحرقت العالم بأسرة، سعيا لإيذاء الأمريكيين والغرب عموما..
كان عليهم وهم يرفعون أصوات الموافقة على تشريع إدانة بلدان عربية وإسلامية بحجة التحريض على هجمات الحادي عشر سبتمبر أو تبريرها، أن يرفعوا عقيرتهم في وجه أكبر دعم عسكري أمريكي لإسرائيل في تاريخ العلاقة المشؤومة بين البلدين، والذي ناهزت صفقته 38 مليار دولار أمريكي، ستخصص للبطش بالعرب والمسلمين، تم اختيار توقيت التوقيع عليها والإعلان عنها بالتزامن مع ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، ليقول الأمريكيون إن رسائل الاستفزاز لا نهاية لها، وأن العداء باق ما تعاقب الملوان.
ألا فليعلم الأمريكيون ـ وهم الشاهدون على ذلك قبل غيرهم ـ أن تلك الصفقة ومثيلاتها هي التي جلبت عليهم الحادي عشر من سبتمبر، وستجلب الحادي عشر من أشهر وأيام أخر، فأي حرب على "الإرهاب" تبدأ بدعم الكيان الصهيوني الغاصب، هي نوع من سد مجرى النهر بالغربال، بل هي فتح لروافد البحر نحو النهر، والعاقبة طوفان جارف قد يحول موجه المتلاطم، بين الأمريكيين وربائبهم من الصهاينة، ولات حين مناص أو تشريع ـ ساعتها ـ يفيد في صون أمن الأمة الأمريكية أو بقاء حليفتها الصهيونية
محمد محمود ولد ابو المعالي