ـ أولا ـ إلى الشعب الموريتاني؛
تستضيف موريتانيا القمة العربية لأول مرة منذ تأسيس جامعة الدول العربية 1945، أو بالأحرى منذ انضمام موريتانيا لها 1973ويعد ذلك بطبيعة الحال حدثا بارزا بل تاريخيا ، وبتلك المناسبة سيكون حدثا من صنع الموريتانيين أنفسهم ، عليهم صيانته واستثماره على أحسن نحو ، إنه في المحصلة النهائية جزء من سمعة موريتانيا نجاحا أوفشلا .
.لا يقاس حجم النجاح أو الفشل هنا بطبيعة أو نوعية ولا بحجم القرارات التي ستتمخض عنها القمة ، خاصة أن وزن موريتانيا لا يعول عليه كثيرا في تصحيح المسارات المتمايزة ولا في قلب الموازين للتأثير على التوجهات الكبرى ضمن السياسية العربية داخل المنظومة الدولية ولا في مواقفهم من القضايا الجارية التي شكلت مسارات غير عقلانيا وغير مفهومة من العرب أنفسهم رغم التعصب ( العرب غير ديمقراطيين ويدافعون عن "الديمقراطية " بالدمار والنار ،ولا في تهاونهم المذل مع القضية الفلسطينية). لكن دور موريتانيا يتحدد من خلال الظروف الأمنية وبجو السكينة ، وبمستوي التنظيم ، وبطبيعة النظام الذي ستدور فيه أحداث القمة على الأرض الموريتانية . في جميع بلدان العالم يظل تحضير القمم تحديا كبيرا حتي بالنسبة للمقرات التي تقع في جوف المتاريس والحواجز الأمنية المعقدة وتعرف اجتماعات دورية مثل مقر الاتحاد الأوروبي ، والجمعية العامة للأمم المتحدة ، وحتى حلف شمال الأطلسي بما يترتب عليها من مسؤوليات . العامل الأمني صار اليوم حاسما رغم الحواجز الأمنية، الكبيرةوالمتطورة ولهذا أصبح جمع أكثر من شخصية اعتبارية في مكان واحد تحدي حقيقي لأي دولة مهما كانت قوتها ، وبالنسبة لموريتانيا ، لاعتبارات واقعية يكون التحدي أكبر ، فقد أخذت موريتانيا قرار استضافة القمة دون أن تكون جاهزة ولم تأخذ الوقت الكافي لذلك فجميع التحضيرات تدور في ظروف استعجالية وبالتالي فالجاهزية ستكون في ظرف قياسي،الأمر الذي يحتم دور ومشاركة الجميع .ثم إنها لا تملك تقاليد كبيرة في استضافة قمم من هذا الحجم مع أنها قد استضافت قمم أصغر مثل قمة غرب إفريقيا والساحل والمغرب العربي وغيرها . استضافة موريتانيا للقمة باقية للزمن وستبقي في السجلات وفي الذاكرة ، نجاحا كانت أو فشلا، وبهذا يجب تجاوز التفاصيل الداخلية للبلد فلا دور لها حينئذ ، فلن يتم تقييد القمة نجاحا أو فشلا باسم محمد ولد عبد العزيز ،بل باسم موريتانيا نظاما ومعارضة شعبا وحكومة . إن القمة العربية تختلف عن القمم الأخرى بالنسبة لنا كشعب عربي ، إنها فرصة لاكتشاف البلد من لدن الأخوة الذين يقعون في أقصى الخريطة وسيملكون انطباعات خاصة عن هذه الأرض بعيدا عن نتائج القمة إنهم ملوك ورؤساء شخصيات و قد ساهموا وشاركوا في مسيرة البد ويوجهون اقتصاديات بلدانهم وعلاقاتها انفتاحا وانغلاقا ، إذا كان ذلك جوهري بالنسبة للذين يسيرون البلد ، فإنه بالنسبة للشعب ولمن لهم نفس الطموح في المستقبل ، كما أنه مهم بالنسبة للنظرة العامة للبلد الذي سيظل محط أنظار العالم 5 أيام . مع أن القيم الفاضلة من كرم ومن حسن ضيافة ومن مروءات التي نتصف ونريد أن نوصف بها دائما ، خلقت لتتعامل الناس بها ، لا للتغني بها ، ونحن اليوم كشعب بحاجة للتمسك بتلك القيم ونحن نستضيف إخوتنا فلا يمكننا أن نخسر كل شيء في آن واحد : لسنا بلدا متطورا فقد قيمه وعاداته بسبب تطور الظروف الاقتصاديةوالتمدن ، ولا بلدا متخلفا حافظ على قيمه ، فيجب أن لا تحملنا معارضة محمد ولد عبد العزيز أو الصراع معه على التأثير على جو السكينة 3 أيام مدة القمة ، ولن يكون بمقدورنا في نهاية المطاف انتزاع ما فشلنا في انتزاعه خلال سبع سنوات من عزيز خلال هذه المدة القصيرة كما أن الزمن لم يتوقف لكي نفلت فرص إزعاجه ومعارضته . وليست القمة فرصة لكي نعطي للآخرين الدروس أو نذكرهم بمبادئ الديمقراطية والتسامح حين لا نكون قادرين على أن نبدي فضائل الضيافة ونبذل أقصى جهدنا في إبراز محاسن قيمنا وأخلاقنا وتمسكنا بالسنة النبوية في إكرام الضيف . إنها أبجديات الثقافة الموريتانية فيجب التقييد بها. وعندما تنتهي القمة هناك فرصة عديدة وعناوين عريضة ، لنقاش التفاصيل ، لكن سيظل قرار استضافة القمة قرارا شجاعا ومهما بالنسبة لدور ووزن البلد ولن يكون لمحمد ولد عبد العزيز بعد 3 سنوات من الآن نصيب خاص فيه ، إلا الذي لأي مواطن عادي . وبهذا تكون أي دعوة للتظاهر أو الإساءة لأي ضيف من هذه القمة إساءة للبلد ولقيمه وعمل انتهازي ، لقد كان حري بهؤلاء أن يتظاهروا أمام شيمون بيريز ويحاصرونه في المطار حينما دنس أرضنا في زيارته لموريتانيا 1998 .كل القوي الفاعلة اليوم كانت فاعلة حينها وكانت معارضة أيضا ولم تغير من أيديولوجيتها ولا نظرتها للوضع . دعوا القمة تمر بسلام . فإن لم تكن إبل فمعزا
ـ ثانيا ـ ليست قمة في التاريخ ؛
ليس من المنطقي مطالبة موريتانيا ببعث العمل العربي ، ذلك المشروع الذي مات سريريا 17سبتمبر 1978 بعد اتفاقية كامب ديفيد وانطفأ 1991 بسبب احتلال العراق للكويت ، حيث كان الانقسام العربي لا رجعة فيه وصارت العلاقة البينية العربية يتخللها العداء والثأر ،وها هي اليوم شعارات العمل العربي المشترك تموت تحت أقدام الربيع العربي وتمشي إسرائيل في جنازته . لقد ظل مصطلح العالم العربي أو الوطن العربي الكبير بالنسبة للعرب مصطلح جغرافي-سياسي يطلق على منطقة جغرافية ذات تاريخ ولغة وثقافة مشتركة وآمال مستقبلية وعلى ذلك أسست جامعة الدول العربية من 7 دول فقط .. يمتد الوطن العربي منالمحيط الأطلسي غرباً إلى الخليج العربي شرقاً، و تنضوي فيمنظمة عربية تدعي الجامعة العربية بينما تستعمل أطراف غربية أو متأثرة بالغرب هذا المصطلح بشكل آخر مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ،خاصة الخارجية الأمريكية من أجل دمج إسرائيل في المنطقةوإسقاط الطابع العربي عنها . لقد صار هذا المصطلح اليوم يعني الأمور التي لايمكن تغيرها فقط ، الجنس والثقافة والدين الذي بمعنى التاريخ، لكنها في الحقيقة لم تعد تعني نفس الآمال والطموح ، لقد صارت الرهانات القطرية أكبر بكثير من القضايا المصرية للأمة ،ولذلك تم تقلصفرص القدرة على استغلالمزايا الأوضاع الجغرافية والاقتصادية الكامنة للوطن العربي ، فقد جعلت الحروب البينية التي تمت إدارتها من الخارج ،الامة العربيةأمة محتلة حيث تنتشر القواعد العسكرية الغربية والأمريكية وتحظي بالتسهيلات الاستثنائية بالخصوص في المنطقة العربية. فبحلول شهر مارس 2008 انتشر 205,301 ألف جندي أمريكي في المنطقة وحولها منهم 195 ألف في العراق و4741 جندي على ظهر سفن الأسطولين الخامس والسادس منهم15 جندي في تونس بما فيهم 6 من المارينزفضلا عن 6670 بريطانيا 2850 فرنسيا و2038 ألمانيا و1400 أستراليا وعدى قوات حفظ السلام وقوامها 33,330 ألف جندي هذه الأرقام تزداد وتنقص ، وتسحب بعض الدول قواتها أوتقلصمنها لكن الوجود مستمر وحقيقي وديناميكي باستثناء قواعد عسكرية جوية ولوجستكية وفنية مقيمة بصفة دائمة في الخليج ، ويقود هذا التواجد لهدفين : حماية المصالح واستمرارالسيطرة على إشكاليات المنطقة وخلط أوراقها باستمرار وذلك وفق مظهرين : الأولى ـ حماية السياسة أو النهج المتبع في الحفاظ على المصالح الأجنبية في طريقة تسيير الموارد خاصة النفطية التي يعتبرها الغرب سلعة عالمية ليس لأحد الحق في تسييرها حسب مصلحته أو نظرته الخاصة أو أهدافه أي سد الباب أمام خطر استغلال سلاح النفط كما فعل الملك فيصل ابن عبد العزيز 1971وكما فعل القذافي 1973 .
ـ تسيير الصراعات والنزاعات والإشكالات المحلية بالقوة أي تقديم التدريب والدعم والاستشارة للقوي والعناصر التي تخدم أهداف القوي الغربية مثل تعميم تجربة العراق بآليات مختلفة أي وفق استراتيجية الفوضى الخلاقة التي خلقت فيها داعش والنصرة والتي تحافظ على وضع العراق وليبيا وسوريا دول فاشلةوالانتقال إلى دول أخرى .
ليس هناك بد من الرضوخ لهذه المعطيات التي صممت لمنع أي بعث لتلك المحاولات الماضية لاستغلال مزايا الأمة الواحدة، الموقع ، التعداد السكاني ، وخريطة الخيرات الطبيعية ، الحدود الطبيعية أسباب التكامل والاندماج العديدة والسهلة اللغة واحدة والدين واحد بنسب تزيد على 80%.إن السيطرة الخارجية جعلت الوضع العربي يدور في حلقة مفرغة لا سبيل لتغييرها ،الشجاعة التي يملك العرب اليوم تكمن في الإبقاء على جامعة الدول العربية حية كهيكل يحفظ هذا الوجود وتنظم مثل هذه الاجتماعات وكأنها تسيير تراث كبير وتحافظ على لقب جميل حتى تسلمه لأصحابه الحقيقيين . العرب بالمفهوم التاريخاني يحتاجون لعملية بعث ، الأمة العربية مصطلح من دون مسؤوليات اليوم . ليس من حسن الضيافة الخوض في التفاصيل المؤلمةبل والجارحة أكثر.
الوضع العربي الراهن قابل للانتقاد الكبير رغم أن هذا المصطلح يطلق على تاريخ من القوة والريادة والأخلاق الفاضلة في السلم وفي الحرب .ويغطّي أكثر من عُشر مساحة اليابسة ويمتدّ على 14.280.774 كلم2 ، ويبلغ أقصى امتداد له 7855 كلم من نواذيبو(موريتانية) على ساحل المحيط الأطلسي غربا إلى جنوب رأس الحدّ سلطنة عمان على ساحل المحيط الهندي شرقا و 5585 كلم من شمال زاخو (على الحدود العراقيّة التركيّة) شمالا إلى جنوب موروني أبيجا (جزر القمر) على ساحل المحيط الهندي عند مضيق الموزمبيق ، جنوبا، إضافة إلى الامتداد الأخرى ، أي أن السواحل العربية تمتدّ على نحو 24,318 ألف كلم (6,83% من طول سواحل العالم)
ويتوسط العرب ثلاث قارات إفريقيا وأوروبا وآسيا ويصبح البحر الأحمر بحرا عربيا عندما يبدأ وينتهي في المنظقة العربية ، وترتبط أوروبا بالولايات المتحدة وبالمحيط الأطلسي عبر البحر الأبيض المتوسط من خلال جبل طارق ، ويملك العرب أربعة من أهم المعابر في العالم بالنسبة للتجارة والطاقة مضيق جبل طارق المدخل الوحيد للبحر الأبيض المتوسط من جهة المحيط الأطلسيوقد ازدادت أهميّته الاستراتيجية بعد افتتاح قناة السّويس سنة 1869 حيث تعبره سنويّا حوالي 900 ألف سفينة (بمعدّل 2.465 سفينة يوميا) مضيق هرمز من أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن، إذ يعبره معدل ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة بحمولة 17 مليون برميل من النفط يوميا(أي 39,5% من حركة الشحن البحري للنفط في العالم وقناة السويس هي أقصر طريق يربط البحر المتوسّط والبحر الأحمروهي اقصر طريق يوفرمسافة بين ميناء طوكيو اليابان وروتردام هولندا بنسبة 23% بدل رأس الرجاء الصالح ، بلغ عدد السفن العابرة 20,384 ألف سفينة بحمولة إجمالية صافية قدرها 844,4 مليون طنومضيق هرمو ويصل البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي ويفصل قارة آسيا عن قارة إفريقيا و يتدفّق عبره نفط الخليج إلى دول أوروبا الغربية حيث يمرّ منه 3,3 مليون برميل يوميا من النفط (7,67% من حركة الشحن البحري للنفط .
يحتضن باطن العالم العربي 50,3% من الاحتياطي المؤكّد من النفط في العالم 669,69 مليار برميلو29,1% من الاحتياطي المؤكّد من الغاز الطّبيعي في العالم (عند مطلع سنة 2008أي 54722 مليار متر3. ويوفّر العالم العربي 26,1% من الإنتاج العالمي من النفط الخام (سنة 2007) [22,417 مليون برميلو 13,1% من الإنتاج العالمي من الغاز المسوّق (سنة 2006) [386,838 مليار متر3].
يقدر عدد سكان الوطن العربي ب 400 مليون نسمة رابع أكبر حجم سكان بعد الصين والهند والإتحاد الأوروبي ،ويتربع العرب على ثالث مساحة في العالم بعد روسيا والصين، لكن وللأسف يمكن مقارنته من الناحية العسكرية والتنظيمية والإقتصادية بدول بل وبمدن بعض الأحيان ، فعلى المستوى الزراعي تقارن برشلونة الإسبانية بمنتوج العرب الزراعي وعلى المستوي العسكري تتفوق كل من إسرائيل وإيران وتركيا كل واحدة على حدة عسكريا على أغلب الدول العربية مجتمعة . لن يكون بمقدور العرب إتخاذ قرارات صائبة حسب الظرفية الحالية بسبب الظروف القائمة وانعدام إيديولوجيا موحدة لإدارة الأزمة والصراع ، وما تعرفه من صراع بين الحلفاء السعودية ومصر على زعامة العرب في غياب إيديولوجيا ناظمة ، كما أن هناك 9 دول من أصل المجموعة العربية فاشلة أو وضعها السياسي غير مستقرنهائيا ، فالعراق وليبيا وسوريا واليمن دول فاشلة و الوضع في كل من مصر التي لم تتصالح بعد مع التناوب ومازال الجيش فيها يرسم السياسة الوطنية ويعزل الرؤساء ، والجزائر التي تعرف صراعا صامتا داخل أجنحة النظام مدعوما بقوى أجنبية و تواجهه الطبقة السياسية بريبة وتراقبه عن كثب وهو مهدأ بحياة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة .وموريتانياالتي تواجه صعوبة التحول السياسي مع مضايقة الجيش للمدنيين سياسيا والشحن العاطفي نحو الراديكالية بالنسبة للمطالب الاجتماعية إضافة إلى تراكم الاحتقان. والبحرين التي تواجه أغلبية شيعية ذات أجندا سياسية تحرك من الخارج .إنها أوضاع مؤقتة لدول عديدة ، كما أن أنظمة 8 من المجموعة العربية ملكية . ثم أنالاقتصاد العربي اقتصاد ريعي في مجمله كما أن المنطقة العربية هي أكبر منطقة في العالم تتكالب القوي للسيطرة عليها ، وتقع أجزاء كبيرة من أرضها تحت الاحتلالمثل`فلسطين وهضبة ` الجولان ولواء الإسكندرونةوالأقاليم السورية الشمالية التي سلمتها فرنسا إلى تركيا وسبتة ومليلة جزر الكناري وصخرة الحسيمة (تحت الاستعمار الإسباني وعربستان الأهواز العربية والجزر الإمارتية طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى المحتلة من إيران، ويموت يوميا المئات وتشرد الآلاف من العرب بصفة منتظمة و تعرف خرقا سافرا لسيادتها وتدميرا ممنهجا لقوتها من طرف الأعداء والمنافسين على حد سواء . والأسوأ من كل ذلك أننا قدمنا أسوأ نموذجين في التاريخ نموذج في القتل النموذج الليبي أو ( الطريقة التي اغتيل بها القذافي ) والثانية حجم التناقض ( القاتل يصيح بالله أكبر والمقتول ينادي بالله أكبر ) ودول غير ديمقراطية تقاتل بلا هوادة من أجل الديمقراطية إنها مرحلة ما بعد الأسوأ .. فهل يمكن أن نتطلع لقرار مهم في وضع كهذا <
بقلم محمد محمود ولد بكار