دقة - حياد - موضوعية

رئيس سابق لدبلوماسية موريتانيا يكتب:أتمنّى على القمة العربية

2016-07-10 07:10:12

هناك حقيقة ثابتة غير قابلة للشّك، و هي أنّ التاريخ لا يتحمّل الزور طويلا، و مهما طال الزمن لا بُدّ للحق أنْ ينبلِجَ ذات يوم...كم من حُلم كان يبدو مُستحيلا تحقّق في ظرف جيلنا نحن أبناء خمسينات القرن الماضي،

.

أي في غضون خمسين أو ستين سنة من عمر الأمم. استذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر: تصفية الاستعمار بشكل تام تقريباً من القارة الافريقية و غيرها، و الاطاحة بنظام الميز العنصري [الأبرتيد] في جنوب إفريقيا، و استرجاع حقوق السود في الولايات المتحدة، و حق المرأة في التصويت، و دخول الصين الشعبية في الأمم المتحدة، و هزيمة الأمريكان و طرد جيوشهم و عملائهم من الهند الصينية [فيتنام و كامبوديا و لاووس]، و انهيار معسكر الاتحاد السوفياتي بالكامل، إزالة دول من الخريطة كيوغسلافيا و غيرها، و تقسيم دول أخرى، و إنشاء دولا جديدة، و تحطيم جدار برلين، و ميلاد الاتحاد الأوروبي رغم حروب طاحنة عاشتها القارة العجوز على مدى قرون، و الوصول إلى القمر، و التغلب على أكثر من مرض فيروسي، إلخ...أحلامُُ كانت تبدو مستحيلة؛ عاشتْها النخب المستنيرة، على اختلاف مشاربها، بثقة في عدالة قضاياها و منطق انتصارها لأنّها بكلّ ببساطة تقع في سياق التاريخ.
هذا ما يدفعني إلى الاعتقاد بأنّ جيل اليوم سوف يعيش هو الآخر (من يدري؟) تحولات تاريخية و جيو-سياسية كبرى بدأت إرهاصاتها تلوح في الأفق. و من أبرزها: تحوّل ثقل العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، و تحوّل مصدر القرار الدولي من الغرب إلى الشرق، و نهاية الأحادية القطبية و معها هيمنة الولايات المتحدة بمفردها على شؤون العالم، بل أكثر من ذلك ربّما يعيش هذا الجيل بداية تفكك الدولة الآمريكية المركزية و انسحاب الولايات المكوّنة لها من الاتحاد الواحدة تِلْوٓ الأخرى عبر استفتاءات شعبية؛ كما جرى في بريطانيا. نعم، أمريكا في نفق مُظلم منذ غزوها الجائر للعراق، و ما رافقهُ من أكاذيب صريحة و أباطيل، و تزوير و تدمير و فضائح استنفدت "مخزونها القيّمي"...و منذ ذلك التاريخ، و هي تحاول بشتى الطرق و الوسائل أن تغطي على إفلاسها العقائدي و سقوطها الفكري و الايديولوجي المدوي سعياً لاستعادة عافيتها...لذلك، غضت الطرف عن خطوطها الحمراء و أسقطت محاذيرها كلّها؛ فسلّمت رئاستها لزنجي من أصل إفريقي لأول مرة في تاريخها لتقول للناس بأنها "أرض المساواة بين السود و البيض". و تستعدّ الآن لانتخاب امرأة في هرم السلطة لأول مرة في تاريخها لتقول للناس: بأنها "موطِن العدالة و الحقوق". و تتنازل عن العظمة التي استبدّتها ردحا من الزمن لتذهب إلى كوبا و تقول للعالم " نعم، أنا فهمت! ما أنا إلاّدولة من الدول!"... لكن في النهاية، أمريكا هي أمريكا! مهما أصبغت وجهها و قنّعت رأسها، فإنها ستبقى دولة ظلم و اضطهاد و غبن و عنف و إقصاء و تمييز عنصري و إبادة للأقليات... إلاّ أنّها اليوم في تراجع حقيقي، و لم يبق بيدها الشيء الكثير لاسترجاع هيبتها و نفوذها بعد أن استخدمت بدون جدوى ورقة الرئيس "الأسود" في البيت "الأبيض"، و ترشيح امرأة لخلافته...إن أمريكا ضعُفٓت، و ضعفها يعني ضعف أوروبا. وضعفهما معاً يعني بالضرورة ضعف الكيان الإسرائيلي و انهياره حتما، و دخول القضية الفلسطينية برُمتها ًًفي مجرى العدالة و الانتصار...
و عود على بدء، إنّ ما يتراءى أمامنا اليوم من ملامح الفشل و العجز في المنظومة الغربية عن معالجة أوضاعها الداخلية و أوضاع العالم من حولها يُذكّرني تماما بالظروف الدولية و الداخلية التي عشناها نحن في العقود ال5 الماضية، و التي اكتنفتْ انهيار امبراطوريات عظيمة و انتصار قضايا تاريخية كُبْرى كانت تبدو مستحيلة في نظر الناس...ما يجعلني أتوقع المزيد من التحولات و الانتصارات على مدى عقود قليلة قادمة، سيشهدها جيـل اليوم، بحول الله و قوته! و لذلك -إلذاك- أتمنّى ألاّ يٓضٓع العربُ المجتمعون في انواكشوط كلّ بٓيْضِهم في سلّة الولايات المتحدة الآمريكية وحدها! ليتهم استطاعوا.

عن صفحة وزير الخارجية الاسبق محمد فال ولد بلال

تابعونا على الشبكات الاجتماعية