باريس- “القدس العربي”:
قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن دولة مالي بصدد التفتّت تحت ضغط تنظيم القاعدة. ويدفع السكان الثمن، في وقت تعجز فيه حكومة أسيمي غويتا العسكرية عن حمايتهم. ونقلت الصحيفة شهادات لآلاف اللاجئين الماليين الذين يعبرون الحدود إلى موريتانيا عن التقدّم المقلق للجماعات الجهادية داخل مالي، في وقت يبدو فيه النظام العسكري الذي يقوده العقيد غويتا عاجزاً عن حماية السكان أو السيطرة على الوضع الأمني.
وأضافت الصحيفة أن منطقة الحوض الشرقي الموريتانية تحوّلت منذ اندلاع النزاع عام 2012 إلى ملجأ لآلاف الفارّين من ولايات تمبكتو وسِغو وموبتي، وأنّ أكثر من 300 ألف شخص اضطروا إلى مغادرة مدنهم التي أنهكتها خمسة عشر عاماً من الحرب.
وتابعت “لوفيغارو” أنّ استعادة الجيش المالي، بمساندة القوات الروسية، لمدينة كيدال في شهر نوفمبر عام 2023 لم تغيّر شيئاً من هشاشة البلاد، رغم رمزيتها الكبيرة للسلطة العسكرية. فالحياة اليومية لمعظم الماليين ما يزال يخيم عليها الخوف، فيما تواصل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة توسيع نفوذها في المناطق الريفية.
فقد فرضت الجماعة منذ أسابيع حصاراً خانقاً على الوقود أدى إلى شلل في العاصمة باماكو، وهي فقط لعشرات المقاتلين المنتشرين في نقاط حساسة على الطرق لاعتراض الشاحنات القادمة من داكار وأبيدجان.
رغم ذلك، تواصل “لوفيغارو”، فإنّ سقوط باماكو بيد الجهاديين احتمال ضعيف، لعدم امتلاكهم القدرة على إدارة مدينة كبيرة أو رغبة واضحة في السيطرة عليها. لكنّ الحصار كشف هشاشة النظام العسكري وقلّل من صورة غويتا كـ“منقذ للبلاد”.
كما ذكّرت بأنّ الهجمات الجهادية السابقة — على معسكر كاتي عام 2022 ومطار باماكو ومدرسة الدرك في شهر سبتمبر عام 2024، أظهرت قدرة الحركة الجهادية على الضرب في أي وقت ومكان.
ونقلت “لوفيغارو” أن موجة جديدة من اللاجئين وصلت إلى الحدود الموريتانية، خصوصاً من مدينة ليري الواقعة في وسط مالي والخاضعة لحصار جديد من الجماعة الجهادية. وروى فارّون أنّ الجهاديين يفرضون على السكان قائمة من القواعد تشمل دفع الزكاة للجماعة، وارتداء لباس صارم، والفصل بين الجنسين، والسماح لمقاتليها بالتنقل بحرية داخل المدن.
كما نقلت الصحيفة شهادات لاجئين آخرين قالوا إنهم لا يفرّون فقط من الجهاديين، بل أيضاً من الميليشيات الروسية (فاغنر سابقاً، أفريقيا كوربس حالياً)، والتي يتهمونها بارتكاب عمليات قتل عشوائي وبثّ الرعب بواسطة الطائرات المسيّرة.
كما أشارت “لوفيغارو” إلى أنّ معظم اللاجئين في مخيم مبيرا -الذي يضم نحو 120 ألف شخص- يتحدثون عن انتهاكات خطيرة ارتكبتها القوات المالية وحلفاؤها الروس: إعدامات ميدانية، وتعذيب، واغتصاب، واختطاف ونهب. واستذكرت الصحيفة الفرنسية مجزرة مورا عام 2022 حيث قُتل أكثر من 500 مدني وفق الأمم المتحدة.
وفي حديث مع أحد قادة الحركات الطوارقية الانفصالية، أشارت “لوفيغارو” إلى أن هؤلاء يترقّبون “اللحظة المناسبة” لاستئناف تحركهم من أجل استقلال أزواد، معتبرين أن المجلس العسكري المالي “لا يسيطر على شيء” وأنه سينهار خلال أيام إذا انسحبت القوات الروسية.
كما نقلت “لوفيغارو” عن أحد رؤساء البلديات الفارين، اتّهامه النظام العسكري في باماكو بـ“رفض التفاوض” مع الجماعات المسلحة، معتبرًا أنّ المدنيين يدفعون الثمن الأكبر، وأنّ العنف والانتهاكات وتمزّق الدولة يجعلون السكان وحدهم في مواجهة جماعات مسلحة وجيش غير قادر على حمايتهم.