نواكشوط –«القدس العربي»: في ظل تزايد الضغوط الأمنية والاقتصادية المرتبطة بالهجرة غير النظامية، تعيش موريتانيا على وقع قلق متصاعد من تفاقم هذه الظاهرة التي تحوّلت إلى صداع دائم للسلطات والمجتمع على حدّ سواء.
فبين تدفّق مهاجرين غير نظاميين عبر أراضيها في اتجاه أوروبا، وعمليات ترحيل متواصلة للمخالفين، تتزايد التحديات الداخلية والخارجية، حيث يشتد الجدل حول المعايير المتّبعة في المعالجة الأمنية والإنسانية لهذا الملف المعقّد.
وأنهت وزارة العدل الموريتانية أمس تنظيمها لملتقى حول المعالجة القضائية لجرائم الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين، في سعي تنظيمي لتوحيد المعالجة القضائية لهذا الملف المعقد، وتعزيز التنسيق بين مختلف السلطات المعنية وتفعيل استخدام آليات التعاون القضائي، إضافة لتوحيد المفاهيم القانونية وتكييف الوقائع بدقة ومتابعة مرتكبي هذه الجرائم وتسليط العقوبات المناسبة.
وناقش صالون المدونين الموريتانيين، في هذا السياق، تحديات وطرق مواجهة الهجرة غير الشرعية، مركزاً حلقته الأسبوعية على الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الموريتاني للحد من الهجرة غير النظامية.
وتوقف المدونون الموريتانيون في نقاشاتهم أمام الدور السلبي والإجرامي الذي يلعبه بعض المواطنين في إدخال الأجانب إلى البلاد بطرق غير شرعية، حيث سجلت حالات بينها شخص استخدم بطاقة تعريف ابنة أخته لإدخال زوجة عامل أجنبي يعمل معه بطريقة غير شرعية، وآخر استخدم شهادة ميلاد ابنته المتوفاة في العام 2014 لإدخال زوجة أجنبي آخر في العام 2025، وحالات أخرى مشابهة. وأوصى المتدخلون في الجلسة النقاشية بضرورة إطلاق حملات مكثفة لتوعية المواطنين حول خطورة المشاركة في تهريب المهاجرين غير النظاميين، كما طالبوا بتشديد العقوبات على مهربي المهاجرين.
وضمن هذا الجدل الكبير الذي تثيره حالياً قضية الهجرة غير النظامية، طالب الوزير السابق الشبيه الشيخ ماء العينين الحكومة بتوقيف الهجرة غير الشرعية، والقيام بإصلاحات جوهرية على قانون الإقامة والجنسية، وذلك في رسالة مفتوحة وجهها للوزير الأول الموريتاني المختار ولد اجاي.
مطالبات بالتشدد في ضوابط إقامة الأجانب وعمليات الترحيل تتواصل
وأوضح ولد الشيخ ماء العينين «أن موريتانيا تتعرض لمؤامرة تحاك في الخفاء تهدف بشكل غير معلن، إلى تغيير هويتها وقلب توازنها الديمغرافي»، مضيفاً «أن ملف الهجرة بكل تعقيداته، بات يشكل محور قلق وطني متنامٍ، ليس من باب كراهية الأجانب أو العنصرية أو الانغلاق، بل من باب الغيرة على الكيان الوطني، وعلى الأمن القومي الذي لم يعد يحتمل التخاذل أو اللامبالاة».
وقال: «نحن نتحدث اليوم عن مئات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين الذين تسللوا إلى البلاد، مع تضاعف أعداد اللاجئين الماليين (130 ألفًا رسمياً أو 270 ألفًا حسب الأوروبيين)، فضلًا عن 330 ألف سنغالي، حسب القنصل الشرفي السنغالي، ناهيك عن جنسيات متعددة أخرى، كل هذا يحدث في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة ملايين نسمة، ويعاني أصلًا من هشاشة في التعايش الإثني وتفاوتات اجتماعية حادّة».
واقترح الوزير ماء العينين في رسالته جملة من الإجراءات الأمنية والتنظيمية بينها الوقف الفوري للهجرة غير الشرعية، وإعادة كل متسلل غير نظامي من حيث أتى، وإنشاء جهاز شرطة خاص بالهجرة، وبميزانية مستقلة، وصلاحيات واسعة، وأجور محفزة؛ ثم التفاوض على حصص محددة للمقيمين الأجانب مع الدول المعنية، على أساس المعاملة بالمثل، وضبط النشاطات وشروط الإقامة، مع تسجيل «بيومتري» لكل أجنبي.
واقترح ماء العينين تحديد سقف الأجانب في البلاد بنسبة لا تتجاوز 7% من السكان (300 إلى 350 ألفًا) كما أوضحته الدراسات الأوربية التي تعتبر أن 7% من مجموع سكان البلد سقف يحافظ على الهوية، كما اقترح حظر استقرار أكثر من 30 ألف شخص من نفس الأصل العرقي، ومنع لمّ الشمل العائلي إلا في حالات فردية خاصة، وبحدود ضيقة لا تتعدى الزوجة وطفلاً واحداً غير بالغ.
واقترح الوزير كذلك تقييد إقامة غير المسلمين بسنة واحدة قابلة للتجديد، وتجريم كافة أشكال التبشير أو النشاط العقائدي العلني.
وأكدت حركة «إيرا» الحقوقية الناشطة في دعم الأرقاء الموريتانيين السابقين المعروفين بمسمى «الحراطين»، أن عمليات تدقيق هويات الأفارقة المهاجرين غير النظاميين شملت منحدرين من مجموعة الحراطين لا يتوفرون على بطاقات تعريف.
ومما زاد مهمة السلطات الأمنية الموريتانية تعقيداً، أن سكان الجنوب الموريتاني وهم زنوج أفارقة، يختلطون مع غيرهم من مواطني السنغال ومالي المجاورتين، ومن الصعب التفريق بين الأجانب والسكان الأصليين لاتحاد لون البشرة وتشابه السمات.
وأكد النائب البرلماني بيرام الداه اعبيد زعيم حركة «إيرا» في تصريح حمل نبرة الاحتجاج أمس «أن أكثر من 450 ألف مواطن موريتاني من شريحة «الحراطين» لا يتوفرون على هوية، وأن النظام يحرمهم من أوراقهم خوفاً من عدم تصويتهم له في الانتخابات»، حسب قوله.
وأوضح الكاتب الموريتاني البارز محمد الراظي في رد رئيس حركة «إيرا» أمس «أنه من المستغرب أن تتجاهل حركة «إيرا» قضية إحصاء أهل الأرض بهذه السهولة والتراخي ولا يُسمع لها صوت لإنصاف مواطنين وإحقاق حقهم الأول والأساس، ثم إذا بها مستنفرة حين يبدأ المهاجرون الأجانب رحلتهم نحونا ليعمروا أرض هؤلاء المنسيين ويزاحموهم في أعمالهم وأرزاقهم وفي القليل من الخدمات العمومية المتاحة لهم، فتستقبلهم بتشكيل خلية مسؤولة عن أحوالهم وتُعَيِّن شخصاً مكلفاً بهم».
وأضاف الكاتب: «لماذا في كل البلدان المعنية بتدفق المهاجرين غير الشرعيين تتناغم مواقف المعارضة والموالاة في دعم المجهود الحكومي؛ ووحدها حركة «إيرا» وصحبها ينفردون بموقف مؤازر ومناصر لهؤلاء المهاجرين الذين تخشاهم أمم الأرض جميعها ودولها وحكوماتها».
وخاطب الكاتب رئيس حركة «إيرا» قائلاً: «حبذا لو اطلعت على مواقف الأحزاب السياسية في السنغال والمغرب وتونس والجزائر لتدرك أنك في الجانب الخطأ، وأن موقف الحركة في هذا الملف يخدم أجندات أخرى لا علاقة لها بواقع «الحراطين» ولا بظاهرة الاسترقاق في مجتمع «البيظان».
والذي يتضح مما سبق هو ما كشفته تطورات ملف الهجرة غير النظامية في موريتانيا من تزايد الضغوط الداخلية والخارجية على الدولة، وسط تصاعد الحضور الأمني والجهود التنسيقية مع الشركاء الأوروبيين.
ومع استمرار تدفق المهاجرين من دول إفريقية جنوب الصحراء، يبدو أن موريتانيا تقف أمام معادلة معقّدة: التوفيق بين ضرورات الأمن ومتطلبات السيادة من جهة، وضغوطات الجغرافيا والتزامات حقوق الإنسان من جهة أخرى؛ ويظل التحدي الأبرز هو التأسيس لسياسات شاملة تُراعي أبعاد الملف كافة، بما في ذلك البُعد التنموي والبعد الإقليمي، وليس الاكتفاء بالمعالجات الأمنية الظرفية