نواكشوط –«القدس العربي»: طالبت الحكومة الموريتانية المجتمع الدولي “بالوقوف الجاد معها في إيواء واستقبال آلاف النازحين المتدفقين على أراضيها بشكل يومي، مع ضرورة أن يتجاوز التعامل مع قضية اللاجئين معالجة الاحتياجات الإنسانية الفورية، نحو بناء شراكات ووضع أطر مستدامة ترتكز على رؤية متعددة الأبعاد وطويلة المدى”.
وأكدت على لسان وزير خارجيتها محمد سالم مرزوق، في مداخلة له أمام مؤتمر المانحين لدعم اللاجئين في الساحل وحوض بحيرة تشاد المنعقد حالياً في جدة في المملكة العربية السعودية، أنها “تؤوي ما يزيد على 250 ألف لاجئ قادمين من جمهورية مالي المجاورة وذلك في مخيم “امبرة” الواقع بولاية الحوض الشرقي، كما تستضيف ما يقرب من 400 ألف شاب مهاجر من دول الساحل منتشرين في أنحاء البلاد”.
وأوضح الوزير “أن أعداد الشبان الذين تستضيفهم موريتانيا والقادمين إليها من دول الساحل يعادل نحو 10% من إجمالي سكان موريتانيا ذاتها”.
وأكد محمد سالم مرزوق “أن القدرة على الاستجابة للتحديات الأمنية الأخرى متأثرة بتوجيه نسبة كبيرة من الموارد المخصصة للأمن في موريتانيا، إلى تسيير قضية اللاجئين والمهاجرين المتدفقين بشكل مستمر إلى المناطق الشرقية الموريتانية”.
وتحدث وزير الخارجية الموريتاني عن “تجاوز مخيم اللاجئين الماليين في “امبرة” الذي أقيم سنة 2012، منذ أكثر من سنة، لطاقته الاستيعابية، مما دفع اللاجئين الجدد للتوجه إلى قرى أخرى داخل ولاية الحوض الشرقي المتضررة أصلاً من تأثيرات التغيرات المناخية”.
وقال “إنه من الطبيعي أن تتولد عن هذه الوضعية تحديات كبيرة تؤثر سلبياً على التعايش السلمي داخل مراكز الاستقبال، وعلى خدمات توفير المياه، والصرف الصحي، والمأوى، والغذاء، وهي خدمات يتساوىَ في الاستفادة منها، اللاجئون والمجتمعات المحلية المستضيفة لهم”.
وأكد الوزير ولد مرزوق “أن موريتانيا ملتزمة بدمج اللاجئين في الأنظمة الوطنية الخاصة بالحماية الاجتماعية وبالتعليم، كما أنها تسعى لتحويل مخيم “امبرة” إلى مؤسسة إنسانية متكاملة ومستدامة، وفقاً لبرنامج التنمية البشرية، وفي إطار الشراكات بين الحكومة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والجهات الأخرى متعددة الأطراف العاملة في موريتانيا”.
“إنما ينتج عن هذا المجهود من ضغط هائل ومتزايد على ميزانية الدولة، ينبثق من اختيار وَاع والتزام راسخ من موريتانيا تجاه استقبال اللاجئين ورعايتهم والمساهمة الفعالة في تعزيز السلم والاستقرار في المنطقة”.
وقال: “نأمل أن يقدر هذا المحفل المبارك، هذا الجهد حق قدره، وأن يتضمن التقرير والبيان الصادر عن المؤتمر بكل بوضوح التأكيد على استفادة موريتانيا من الآلية التي سيتم إقرارها، بما يمكن من توفير الموارد اللازمة لتحسين ظروف التكفل باللاجئين، وتعزيز الاستجابة الإنسانية والتنموية لمواجهة التحديات القائمة”.
وأضاف “أن الاستجابة لتدفق أكثر من 100 ألف لاجئ مالي هذا العام تتطلب دعماً قوياً من المجتمع الدولي في شكل استثمارات قطاعية تضمن جودة الخدمات الأساسية، وتحقيق المساواة مع المواطنين المحليين، وتعزيز القدرات المحلية”، مؤكداً “أن الأهداف التي تأمل موريتانيا تحقيقها من خلال هذا المؤتمر لا تقتصر على معالجة الاحتياجات الإنسانية الفورية، بل تسعى إلى بناء شراكات ووضع أطر مستدامة ترتكز على رؤية متعددة الأبعاد وطويلة المدى”.
وتحدث الوزير في مداخلته عن “أهمية صندوق منظمة التعاون الإسلامي لتأهيل وتشغيل الشباب في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد، والذي تم اعتماد نظامه الأساسي في الدورة 50 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة في العاصمة الكاميرونية ياوندي نهاية شهر أغسطس الماضي، ليكون منظمة متخصصة تحتضنها الجمهورية الإسلامية الموريتانية”.
وأضاف “أن هذا الصندوق يراد له أن يكون أداة فاعلة في بناء المجتمعات وتحصينها، بعيداً عن هاوية التطرف والعنف وإغراءات الهجرة غير النظامية، وذلك من خلال تمكين الشباب اقتصادياً، بتأهيلهم وتدريبهم، وفتح آفاق العمل أمامهم”، معرباً عن أمل حكومته “في أن ينال هذا الصندوق الدعم المطلوب من المانحين، ليتمكن من الانطلاق نحو تحقيق أهدافه المنشودة في أقرب الآجال”.
وفيما عبرت موريتانيا عن قلقها لتدفق آلاف اللاجئين إلى أراضيها، أكدت إحصائيات أمنية موريتانية تزايد المهاجرين غير النظاميين الواصلين إلى الأراضي الموريتانية من بلدان غرب إفريقيا خلال شهري يناير/كانون الثاني وشباط/ فبراير 2024، وذلك بتدفق سنوي بلغت نسبته 541%.
ولو حظ كذلك توافد أكثر من 12 ألف مهاجر، أغلبهم من مالي والسنغال وموريتانيا، على جزر الكناري، وفقاً لإحصائيات أعدتها الوكالة الأوروبية للأمن الحدودي “فرونتيكس”.
ووقعت المفوضية الأوروبية اتفاقاً للشراكة الشاملة مع موريتانيا حول قضية الهجرة بتمويلات تصل إلى 500 مليون يورو، بالإضافة إلى تمويلات بقيمة 210 ملايين يورو موجهة لدعم جهود استقبال اللاجئين وفرص التشغيل للشباب والبنية التحتية ودعم الأمن والاستقرار.
ومع أن موريتانيا ترتبط مع إسبانيا، ب”اتفاقية مدريد” الموقعة منذ 2003 والتي تم تجديدها في 2019، والناصة على اعتراض المهاجرين المنطلقين من شواطئ نواذيبو العاصمة الاقتصادية لموريتانيا نحو جزر الكناري، فإن الزيادات المسجلة في أعداد المهاجرين الأفارقة غير النظاميين الهاربين من الفقر نحو القارة العجوز، تسير عكس الأهداف التي نصت عليها جميع الشراكات المبرمة لكبح الهجرة غير الشرعية.