دقة - حياد - موضوعية

إلى أخي محمودي/ بقلم محمد فال ولد سيدي ميله

2024-08-28 15:43:05


علمتُ أنهم، أخيرا، وُفقوا في استدعائك لمنصب بالوزارة الأولى. لا شك أنهم، هذه المرة، أخذوا الطريق الأسلم لإشراك الشباب، ذوي الخبرة والتجربة والكفاءة. أعرف بأنك ستبقى أنت أنت: صاحب الآراء النيرة، والفهم السليم، والوعي المطلق بمفاهيم الحرية والمساواة والعدالة. لو أن قاعات التحرير لم تعد خرساء منذ عقود، لشهدتْ لك، بصوت رخيم مبحوح أجش، بأنك كنت المناضل.. كنت الكاتب.. كنت الفيلسوف. على أكؤس الشاي الشهي، داخل قاعة التحرير الضيقة، كنت تنشر الفكر الواعي بضرورة القضاء على الرق والدكتاتورية والحيف. لذلك لجأتَ إلى بلجيكا، فتركتَ الأهل والخلان، وبقيتَ في غربة ليلاء، تسامر مبادئك في مطاعم الأعراب، تداعب أهدافك بين المتسكعين على أرصفة بني الأصفر، تناشد أحرار العالم بأنْ هُبُّوا لنصرة وطن تقاسمته أضراس المفترسات البشرية ذات الهراوات والنياشين. وهكذا ابتعدتَ عن "بلاد الكلام"، فـ"ربحت ذاتك، وانتفى لديك الحضور الطاغي لأشخاص ظلوا لأعوام متحكمين في مصائرنا". ذلك ما سطّرَته ريشتك الحوّامة، تاركا "المسلخ" لملاك مجازر السياسة والصحافة. كنت وبقيت عصارة للنضال الشهم، طويل النفس.

 كنت الكاتب الكبير، صاحب الأسلوب الخفيف، المترفع عن سقطات البشمرغه. كنت المتضرر، مع القليلين، "من هيمنة هذا التيار الجارف الذي مطّط أسوأ ممارسة للصحافة". كان مدادك سيالا، وقّافا مع الحق، منهمرا بنغم موسيقَى الجمال اللغوي والطرافة وصدق العاطفة، منسكبا كـ"جدول الأحلام"، يرنو إلى غد لمّاع ساطع.

لكنك كنت أبضا الفيلسوف: تأتينا تارة شعرا، وتارة نثرا، وتارات جنونا. فتحاليلك، عندما تصل مرحلة الشطح، تكون مُعَطّرة بأريج الحقيقة، البعيدة، العميقة، الساكنة في وحل الغموض.

أخي محمد الأمين/ محمودي، ابقَ كما كنت.. اقتربْ من الوزير الأول رافعا رأسك.. لا تجامله في رأيك، ولا تقبل أية محاباة في الشأن الوطني.. هكذا عرفناك، وهكذا يجب أن تبقى.. عامِلْه بالنصح، واقترح كل فكرة تنشد الإصلاح، ولا عليك، فالأرض ما تزال واسعة، ومطاعم الغربة لم تزل شرباتها سائغة.. بوركتَ، أخي المناضل والكاتب والفيلسوف، فقد تزيّنَتْ بك الوزارة الأولى، وابْهَارّ بك ليلها الطويل.

تابعونا على الشبكات الاجتماعية