أهل أبراهيم ولد السيد ؛
مآثر لا تنسى و مكارم خالدة
محمد و آمنة ، سنة على فراقكما !
"السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية"
(( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) صدق الله العظيم.
إن المؤمن المتأمل لهذه الآية الكريمة يدرك حق الإدراك ويعلم علم اليقين أن الموت محطة حتمية لا مفر منها، وهي مصير كل نفس و نهاية كل مخلوق.
لكن من فضل الله ولطفه وكرمه أن هول الصدمة وألم الفاجعة سرعان ما يتلاشى و يذبل تاركا المجال لسيل من الذكريات الجميلة و المآثر الخالدة خاصة عند موت الأفاضل . وهكذا نستصغر الموت و نفهمه على حقيقته، فهو بالتأكيد ليس النهاية ،
وليس الفناء والعدم كما يطلق عليه الكثير من عامة الناس.
ولعل خير تعبير عن هذه الحقيقة هو بيت الامام الشافعي:
قدمات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات.
سأحاول في هذا المقال التأبيني التذكير بقيمة و خصال هذه الأسرة الكريمة للترحم عليها و التعريف بمكارمها و أخلاقها النبيلة.
عرف مختلف الأجيال من أسرة أهل أبراهيم ولد السيد "الخيمة لكبيرة" بالحلم و الكرم و الشجاعة ورجاحة العقل و حفظ العهد و سداد الرأي ، و الترفع وجمعت هذه الأسرة من الخصال و المكارم مابوأها مكانة مرموقة في المحصر و في إمارة الترارزة و في عموم التراب الوطني بعد الاستقلال و قيام الدولة الوطنية.
وحديثنا اليوم عن المغفور له بإذن الله محمد ولد المختار ولد أبراهيم ولد السيد و عقيلته المغفور لها بإذن الله آمنة منت أحمدلطلب ولد أبراهيم ولد السيد.
السيدة آمنة منت أبراهيم ولد السيد رحمها الله هي البنت الكبرى للمغفور له بإذن الله أحمدلطلب ولد أبراهيم ولد السيد ضابط الدرك حسن السيرة و طيب الذكر من أمها تته منت الشيخ أحمد أطال الله بقائها سيدة فاضلة من أهل تنبدغة والدها إداري معروف سبق له أن عين لفترة حاكما لمقاطعتنا المذرذرة، وشقيقها هو رجل الدولة الوزير لمرابط سيد محمود ولد الشيخ أحمد رحمهم الله .
في سنة 1966 ولدت آمنة في تبدغة و نشأت في بيت والديها الذين ربياها أحسن تربية، عرفت بحسن الخلق و الرفق و كثرة الصدقة و العفة و عيادة المريض و صلة الرحم و إصلاح ذات البين ، لها أيادي بيضاء في الإنفاق و مواقف معروفة في الإصلاح بين الاقارب و تسوية الخصومات.
كما يشهد لها كل من يعرفها أنها أم مثالية اعتنت بتربية أبنائها و بناتها على أركان الدين الحنيف و مكارم الاخلاق، تكرم الوافد و الضيف وتعين الضعيف و المحتاج رحمها الله و جعل كل ما قدمت من بر و إحسان في ميزان حسناتها .
تلكم هي المرأة فمن هو الرجل العظيم و ماهو تاريخه و مساره المهني:
في سنة 1954 و في ضواحي أنواكشوط "تفيريت" ولد الطفل محمد لأبيه المختار ولد أبراهيم ولد السيد رجل من خيرة رجال الترارزة و من أحفظهم للود و أكثرهم جرأة على قول الحق ، لأمه السالمة منت أنجاك في بيت عز و كرم أشتهر أهله بالوفاء و حفظ العهد يقال عن أسلافهم : " حد كرهوه مايستراح ، وحد أبغاوه ما يستراح" لشدة عداوتهم وبأسهم من جهة و لحرصهم على مصالح من يحبون من جهة أخرى لدرجة أنهم لا يتركون له المجال للخطأ أو الاختيار غير السليم فلابد من القرار الصائب الذي يخدم المصلحة العامة.
تربى مثل أقرانه تحت رعاية ذويه
وفي سنة 1960 و هو في السادسة من العمر التحق بالمدرسة النظامية في أحسي المحصر لمدة أربع سنوات وبعد وفاة والدته رحمها الله وهو في سن التاسعة انتقل مع شقيقه الأكبر إلى أنواكشوط سنة 1964 ليكمل تعليمه الابتدائي في مدرسة التطبيق في كنف والده و جدته منينة منت بوشارب و خاله أحمدو ولد أنجاك المرافق الشخصي للرئيس المختار ولد داداه و صديقه المخلص رحمهم الله جميعا.
حصل على شهادة ختم الدروس الابتدائية و إلتحق بالثانوية الوطنية لمواصلة تعليمه الإعدادي و الثانوي .
في سنة 1973 كان محمد تلميذا متميزا في السنة السابعة وتقدم لمسابقة لمفتشي الشرطة، وبعد عدة أشهر من التكوين تخرج مفتش شرطة، ونظرا لطموحه وحرصه على التقدم في مساره المهني تقدم للبكالوريا سنة 1974 وحصل على هذه الشهادة ممافتح له باب المشاركة في مسابقة الضباط ومواصلة تعليمه الجامعي، وبعد سنتين من التكوين تخرج ضابط شرطة ، ونال شهادة المتريز في القانون من جامعة أنواكشوط و بعد مسابقة أخرى ترقى لرتبة مفوض ثم مفوض رئيس و مفوض إقليمي و هي أعلى رتبة في سلك الشرطة الوطنية:
مسار الرتب و الترقيات:
1974- مفتش شرطة (ملازم)
1977-ضابط شرطة (نقيب)
1983-مفوض شرطة ( رائد )
1992-مفوض رئيس ( عقيد)
2007-مفوض إقليمي( لواء )
* عين ضابطا مكلفا بإفتتاح و قيادة مفوضية الشرطة بمدينة الداخلة عاصمة ولاية تيرس الغربية قبل التنازل عنها للمغرب.
* 1975 عين رئيسا لمصلحة حماية الشخصيات المهمة بالإدارة العامة للأمن الوطني حيث كان قائدا لفرقة من الشرطة مختارة من أفضل العناصر الشابة و مجهزة بأحسن التجهيز و مدربة بعناية فائقة كانت مسؤولة عن حماية الرئيس المختار و كبار الضيوف من الرؤساء و الملوك و زعماء الدول .
قال لي رحمه الله: "كنا مزودين بقنابل دخانية تحول القاعات إلى ظلام حالك و لدينا نظارات خاصة للاستعمال في مثل هذه الحالة تمكننا من رؤية اي عنصر معادي و السيطرة عليه دون عناء" ويضيف " ربما تم تفكيك هذه الفرقة تمهيدا للانقلاب على الرئيس المختار و لو دار الانقلاب أثناء تواجدنا لما قبض على الرئيس بتلك البساطة".
* عين مديرا عاما مساعدا لمكتب الدراسات و التوثيق BED.
* 1978 عين ضابطا مكلفا بإفتتاح وقيادة مفوضية الشرطة بتجكجة عاصمة ولاية تكانت.
* 1982- عين مديرا لأمن أنواكشوط.
* عين مديرا جهويا للأمن في أزويرات عاصمة ولاية تيرس زمور.
* 1984 - إستحدثت إدارة جديدة بالإدارة العامة للأمن الوطني هي إدارة مراقبة التراب الوطني DST
وتم إختاره لإدارتها لكفائته و تميزه.
* عين مستشارا لوزير الداخلية.
* عين مديرا جهويا للأمن في أنواذيبو وخلال هذه الفترة تم تخطيط بعض الأحياء العشوائية و كانت هنالك رسوم رمزية تطلب من المستفيدين وقام بدفع هذه الرسوم عن عشرات الأسر المحتاجة فما كان من الساكنة ردا للجميل الا ان قامت بتسمية الشارع الرئيسي في تلك المنطقة بإسمه "شارع ولد السيد".
* عين للمرة الثانية مديرا لإدارة مراقبة التراب الوطني DST.
* عين للمرة الثانية مديرا لأمن ولاية انواكشوط.
* عين قنصلا عاما لبلادنا في النيامي عاصمة النيجر .
* عين للمرة الثالثة مديرا لأمن ولاية أنواكسوط .
* عين مديرا لإدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية و المالية.
* عين مديرا لإدارة الأثاث و البنى التحتية بالإدارة العامة للامن الوطني وظل يشغل هذا المنصب إلى حين إستفادته من حقه في التقاعد سنة 2014.
أستفاد خلال مسيرته المهنية من عدة دورات للتكوين في مجالات مختلفة تتعلق بالأمن عموما و الجرائم الاقتصادية و المالية و إدارة الازمات خصوصا.
في مدارس عليا و أكاديميات متخصصة في فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية و الاردن.
* 1994- تكوين في المدرسة العليا للشرطة بفرنسا.
* 2001- تكوين في أكاديمية الشرطة بالوزيانا بالولايات المتحدة الأمريكية.
*2005- تكوين في أكاديمية الشرطة "الملك الحسين" بالأردن .
كان رحمه الله محل تقدير و إحترام من رؤسائه و مرؤسيه في العمل ، تم تكريمه تقديرا لكفائته و خدماته الجليلة للأمة من طرف، رؤساء الجمهورية خاصة الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله، والرئيس معاوية ولد سيد أحمد لطايع حفظه الله، والرئيس أعل ولد محمدفال رحمه الله.
*حصل عدة مرات على وسام الشرف في نظام الاستحقاق الوطني من الدرجة الأولى و الثانية و الثالثة.
*حصل على وسام فارس في نظام الاستحقاق الوطني.
*حصل على وسام ضابط في نظام الاستحقاق الوطني.
*حصل على وسام ضابط كبير في نظام الاستحقاق الوطني.
*حصل على وسام ضابط في نظام الاستحقاق النيجري.
لا شك أن هذا المسار الاستثنائي ، وهذه المهام السامية وما قدم صاحبهما رحمه الله من خدمات جليلة للبلاد تضعه في خانة رجال الدولة العظام اللذين قدموا الغالي و النفيس خدمة للوطن و حفاظا على أمنه و مصالحه الحيوية.
عندما تعرضت مدينة انواكشوط لهزة أمنية عنيفة نتجت عن محاولة الانقلاب 8 يوليو 2003، وحصل انفلات أمني خطير تسبب فيه تسرب سجناء الحق العام و المجرمين من السجن المركزي بادر محمد رحمه الله وهو آنذاك مديرا للأمن في ولاية أنواكشوط و منذ الساعات الأولى إلى التدخل وإتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتصدي لهذا المشكل الأمني و حراسة الأماكن الحيوية مثل الأسواق و الوزارات و الإدارات الحكومية وقد أشرف مباشرة على تلك العمليات و لم يلذ بالفرار و الاختباء كما فعل بعض القادة العسكرين، ولعب دورا هاما في إستتباب الأمن و إعتقال الفارين من السجناء المدانين بجرائم تتعلق بالحق العام .
لاشك اني أطلت عليكم و مع ذلك لم
أقدم الا القليل من تاريخ هذا القائد الأمني الاستثنائي و "رجل الدولة" الفذ كما وصفه الرئيس معاوية عندما أتصل معزيا فيه.
ومع ذلك لابد من المرور دون إسهاب بجوانب من شخصية هذا الرجل الاستثنائي.
منها على سبيل المثال لا الحصر شغفه بالشعر الفصيح و الشعبي و كونه راوية للشعر القديم و المعاصر و "لغن الزين" و ناقدا كذلك فهو يعد من الفتيان و له أصدقاء مقربين من الأدباء مثل أبيه و باب "أولاد" هدار والداه ولد أباته والمختار أسلامة ولد عبد الكريم و باباه ولد أبته رحمهم الله، وأحمد ولد محمودي و أحمد ولد الشويخ أطال الله في أعمارهما مع الصحة و العافية .
و من الوارد الحديث كذاك عن إعجابه الشديد حد التأثر بالجنرال شارل دغول قائد فرنسا الحرة و أول رئيس للجمهورية الخامسة كان مهتما بحياة و تاريخ هذا الزعيم وقل ما يألف كتاب عن سيرته الا و حصل عليه محمد رحمه الله وقام بقراءته قبل الجميع و أعتقد أنه تأثر كثيرا بهذه الشخصية التاريخية و صفاتها القيادية و الكاريزمية وقد حباه الله بصفاتها الجسمية مثل طول القامة و الأناقة و قوة الحضور الشخصي، حدثي مرة رحمه الله عن جوانب من حياة الجنرال دغول فتهللت أساريره و تكلم بلغة الخبير عن نقاط هامة من حياة الرجل و عن أوجه خاصة من حياته العائلية لا يعرفها كثير من الناس فما كان مني إلا أن قلت انك مطلع كثيرا على تاريخ الجنرال دغول فرد بعفوية "أهل دغول ذوك أهل خيمتن" .
ومن ناحية أخرى يمكن التعريج على رئاسته للمجلس الجهوي، فرغم تحفظي الشديد على تجربة المجالس الجهوية و موقفي المعروف من أدائها إلا أنه لا خلاف على أن إختيار المرحوم محمد ولد أبراهيم ولد السيد لرئاسة المجلس الجهوي لولاية الترارزة كان إختيارا موفقا و مقبولا لدى الجميع لما يتمتع به الرجل من علاقات واسعة و ممتدة أفقيا إلى كافة مقاطعات الولاية و سائر تحالفاتها و حواضنها الاجتماعية، و لا أدل على ذلك من الإجماع المنقطع النظير الذي حظيت به تزكيته و مباركة التجديد له لفترة ثانية هذا المطلب الذي لم يأخذ في الاعتبار لأسباب غير معروفة و مفاجئة للجميع.
تميز كذلك رحمه الله بالبساطة و المرح وروح الدعابة، فلا يخلوا مجلسه من "المزاح الطايب" فورد فيه قول لمغن "يعرف لعيارة ما إزيد لعيارة عن لعيارة".
كما أنه رحمه الله "ماكان ساهي عن الدار الكدامية" عرف بالعبادة و الاهتمام بحفظ و تحصيل القرآن فكان له نصيب من الخيرية الواردة في الحديث الشريف الذي يروي عثمان إبن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القرآن و علمه" و أخذ القرآن عن شيخه الحافظ الشيخ ولد باب ولد الشيخ.
كان رحمه الله كثير الخطى إلى المساجد و مداوما على أذكار الصباح و المساء التي تأخذ منه وقتا ينقطع فيه عن كل من حوله و قد لاحظت هذه العادة عنده حتى على هامش بعض الاجتماعات الهامة.
رحم الله رجل المروءة و الفضل و بارك في أهل بيته و جزاه الله خيرا عن بلاده عامة و عن ولاية الترارزة خاصة ترك فراغا كبيرا في القلوب و الحياة العامة .
لعمرك ما الرزية فقد مال
و لا فرس تموت و لا بعير
لكن الرزية فقد حر
يموت بموته خلق كثير
إنا لله وإنا إليه راجعون .