تحل علينا في هذا اليوم - 29 ابريل 2024 - الذكرى الحادية عشر لإعلان وثيقة الميثاق من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية و الاجتماعية للحراطين ضمن موريتانيا الموحدة، العادلة و المتصالحة مع نفسها.
طبقا لروح و نص هذه الوثيقة، تشكل حراكا مجتمعيا مفتوحا انصهر فيه جل أبناء الشعب الموريتاني المؤمنين بأن قضية لحراطين قضية وطنية عادلة، يجب أن يهب من اجل تسويتها كافة الموريتانيين المؤمنين بمبادئ الحرية و المساواة خدمة للمصالح العليا للوطن.
ضم هذا الحراك كذالك معظم الحساسيات الحاملة لمظلومية لحراطين التاريخية بالإضافة إلى ممثلين عن بعض الأحزاب السياسية من الطيف المعارض أساسا.
شكل هذا التجمع غير المتجانس الركيزة الأولى لهيئات الميثاق التي سرعان ما أظهرت عجزها عن القيام بأية فعاليات نتيجة للخلافات البينة التي تأرجحت بين من يريد دفنه و إفراغه من أي مضمون لأنه يرى فيه عنصر تهديد لتنظيماتهم السابقة عليه، و بين من يريد أن يجعل منه رافعة أساسية لتجسيد نضال لحراطين على أرض الواقع بغض النظر عن تعدد تنظيماتهم و توجهاتهم.
ينضاف إلى هذين الفريقين، طرف ثالث هو الطرف السياسي الممثل داخل الهيئات و الذي كان يتحين الفرص للاستفادة من الديناميكية الناجمة عن هذا الحراك المجتمعي الجامح.
و كنتيجة لتلك الحالة، لم يتمكن الميثاق خلال السنة الأولى من عمره من القيام بأي نشاط سوى إصدار بيانات دورية حول بعض الأحداث الوطنية و ذالك على الرغم من أن الساحة كانت حينئذ متأهبة و مستعدة لمجاراته في كل ما يشير به عليها.
وصل الأمر إلى أن بعض الأطراف في هيئات الميثاق عارضت بشدة تنظيم المسيرة الأولى تخليدا لذكرى الإعلان قبل أن تقبل بها على مضض تحت تأثير الضغط الشعبي في الأسابيع الأخيرة قبل تنفيذها.
اليوم و بعد مرور عشر سنوات على تنظيم تلك المسيرة الأولى، لابد من الاعتراف بأن الآمال التي كانت معلقة على الميثاق، اضمحلت كثيرا إن لم نقل تلاشت نتيجة لإرادة التحكم من قبل من تم إدخالهم في هيئاته من غرباء على فكره و رؤاه و نتيجة كذالك لتكالب الأطماع الانتهازية و الأنانية لبعض أعضائه مع ما رافق ذالك من عبث من قبل أجهزة مخابرات الدولة و مكائد جهات سياسية معينة و ضعت نصب أعينها أن تجعل من الميثاق ظهيرا سياسيا لها.
يتضح الآن أن حراك الميثاق عانى من تشوه خلقي عند نشأته نتيجة لاختلاف الأهداف و النوايا مابين عناصر الرعيل الأول الذي تشكلت منه هيئاته بفعل عدم تجربة مؤسسيه الذين أحسنوا الظن بالجميع...
و تلكم كانت الغلطة الكبرى و الخطيئة الأصلية التي تسببت في نهاية الأمر إلى اضمحلال و ضمور ما شكل - في وقت ما - آمالا عريضة و نقطة فارغة في تاريخ نضال لحراطين و أصبح اليوم و كأنه فتات أو إسم بلا مسمى، يتنازعه بعض المفلسين سياسيا و حقوقيا و ثقافيا.
إن القيمة الفكرية و العلمية و الأدبية لوثيقة الميثاق لازالت و ستظل شاهدا على ما أنجزه فريق صغير لا يتجاوز عدده عدد أصابع اليد الواحدة من اجل خدمة قضية وطنية عادلة و جمع حولها معظم الطيف السياسي و الحقوقي الوطني قبل أن تطولها يد "الكزره" الراسخة في الثقافة الموريتانية و من المفارقات أن تكون من قبل من كانوا من ألد أعداء الفكرة و ظهر أنهم لم ينتموا أصلا إليها إلا من اجل العبث بها من الداخل حتى لا تشكل بديلا عن تنظيماتهم الفارغة من أي مضمون او محتوى فكري أو تثقيفي.
إن القضايا العادلة الكبرى مثل مظلومية لحراطين التاريخية، لا يمكن أن يحملها و يوصلها إلى بر الأمان إلا الصادقون... لا مكان فيها لمن يركب الأمواج و يدعي زورا و بهتانا ما يعرف القاصي و الداني أنه غير قادر عليه و لا مؤهل له و ليس له من مكان إلا في مؤخرة الركب إذا كان صادقا مع نفسه و لا يريد أن يفسد ما أنجز أو يحمد بما لم يفعل...
فلا أمل في دفع عجلة نضال لحراطين إلى الأمام من أجل تجسيد المساواة إلا بوضع حد لتنامي ظاهرة تبوء المراكز الأولى من قبل المناضل المتحمس و الجاهل أو المتطفل على الثقافة و الذي لن يلبث كثيرا حتى يظهر على حقيقته إن وجد لدالك سبيلا...
فلا يمكن أن نتوقع نتيجة إيجابية من نضال ما دام جزء كبير ممن يحملونه ليس لهم من برامج سوى الأحقاد الشخصية و تشويه الحقائق و الغش و التسويف، خدمة لأجندات شخصية تؤخر و لا تقدم.
آن الأوان لأن تعي الجماهير المطحونة أن خلاصها لا يمكن أن يكون إلا بتضافر جهودها في اللحظات المفصلية بغرض إحداث التغيير المنشود بعيدا كل البعد عن الاعتبارات العاطفية و الشخصية و الحسابات المصلحية.
تمثل فرصة الانتخابات الرئاسية التي على الأبواب إحدى هده اللحظات الفارغة أو المفصلية التي يمكن من خلالها إحداث التغيير شريطة اختيار من لا تشوبه شائبة التمالئ مع النظام القائم و المسبب لكل ويلات الشعب الموريتاني...
محمد فال ولد هنضي
رئيس الميثاق من اجل الحقوق السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للحراطين ضمن موريتانيا الموحدة، العادلة و المتصالحة مع نفسها.