من المألوف لدينا، أن نتلقف الزائر بعفوية وترحاب مبالغ فيه، في بعض الأحيان، جئنا بذلك معنا من بداوتنا، ومن عادات "لفريق" الحي البدوي الذي تحرص فيها كل "خيمة" على إكرام من يحل بالحي، فيبقى ضيفا طيلة مقامه مهما طال.
هذه العادة الحميدة، دون شك، لها جوانب سلبية، خاصة في المدينة، وفي ظل التعامل الرسمي من قبل أجهزة الدولة والهيئات المنظمة وما شابهها، والذي يخضع عادة، كما هو الحال في كل دول العالم، لضوابط بروتوكولية محددة ودقيقة.
من الطريف أن هذه العادة، تثير الكثير من المشاكل، فهي تفرغ الزيارة من هدفها الأصلي، وتحد من تحقيق الضيف للهدف الذي جاء من أجله، فيضيع "دم مهمته" بين فقرات برنامج طويل عريض من اللقاءات والزيارات والندوات و"الندويات" دون أن يرى في أغلب الأحيان فائدة من ذلك.
ويقع الضيف في بعض الأحيان، ضحية صراعات محلية لا يفهمها، ولا يعلم عنها شيئا، بل يستغل في بعض المرات، في تصفية الحسابات الصغيرة، دون أن يعلم.
يحرص بعض "متعهدي الدعوات" على إبعاد أي منافس من برنامج ضيفهم، ويبالغون في شحن برنامجه بفقرات هزيلة وتافهة، في بعض الأحيان، لشغله عن أي دعوة تصله من أطراف أخرى.
"متعهدون آخرون" يحرصون على أن يطوفوا بالضيف على كل "أهل المروءة"، توخيا لأقصى استغلال ممكن للزيارة.
وفي بعض المرات يجد الضيف نفسه في وضعيات محرجة، بل غير مناسبة، حيث لا يستطيع نطق اسم مستقبله، ولا يعرف شيئا عن الهيئة أو الجهة التي يديرها أو يترأسها، ونكاد نقرأ في عينيه حيرة من دواعي وجوده في هذا المكان الآن بالتحديد.
كما يحدث أن يجد الزائر نفسه وسط هرج ومرج، وكاميرات الهواتف تلعب فوق صفحة وجهه، وهذا يأخذه من يده، وذاك يتعلق ببدلته للظفر بلقطة معه، تعلوها ابتسامة حائرة..
حدث هذا في مرات عديدة، مع سياسيين وإعلاميين ومفكرين في مناسبات متكررة.
يحدث مع وفود الحركات والتنظيمات السياسية التي تزورنا، في كل مرة، كما يحدث مع وفود الفعاليات المهنية والاجتماعية والفكرية والثقافية.
أما الزوار الدين تستقبلهم مؤسسات الدولة في مهمات عمل رسمية، فيواجهون وضعا لا يقل صعوبة، حيث تضيع معالم المهمة، التي جاءوا من أجلها، في سيل من اللقاءات الشكلية وحفلات الغداء والعشاء والسهرات الفلكلورية.
أسر لي مرة مسؤول دولي كبير، يزور البلد لأول مرة في مهمة عمل، تضايقه من هذه العادة في التعامل مع البعثات الزائرة، حيث تفاجأ بأن اجتماعات العمل، تتحول في الغالب بعد الدقائق الأولى، إلى لقاءات عامة دون ضوابط، تناقش كل شيء، إلا نقاط جدول أعمالها الأصلي.
وقال بنبرة استغراب، بأنه يلاحظ في كل مرة خلال اجتماعه بمسؤولين تنفيذيين من الصف الأول، غياب تلك النبرة التقنية التي يجدها في لقاءات الخبراء.
ويقدم خلاصة مزعجة استقاها من موقع الخبراء في جلسات العمل عندنا، حيث أنهم دائما في أقصى الجلسة، في حين يتصدر آخرون، يحملون صفات رنانة، دون أن تكون لديهم بالضرورة الكفاءات والمهارات المناسبة للتعامل مع ملفات تقنية من مستوى رفيع.
ليس عيبا أن نحتفي بالزائر، ولكن لكل شيء ضوابطه وترتيباته.
و الأولى، وضع برنامج مبسط، يحقق الهدف من الزيارة، بالنسبة للجانبين، الزائر والمزور، بما لا يرهق الضيف ولا يزعجه، وما يضمن ظروفا مثلى لأداء المهمة
من صفحة الكاتب الكبير محمد ولد حمدوc