ألقت دراستان جديدتان ضوءا غير مسبوق على العمليات المرضية في وباء السل، حيث حددت التغيرات الجينية الرئيسية التي تسبب تلف الرئتين والعلاج بالعقاقير لتسريع الشفاء.
والسل (TB) هو عدوى رئوية أودت بحياة البشر أكثر من أي شخص آخر، وحتى العام الماضي كان القاتل الأول للعدوى في جميع أنحاء العالم. وعلى الصعيد العالمي، يُصاب ما يقدر بنحو 10 ملايين شخص بالمرض كل عام.
وفي الدراسة الأولى، استخدم فريق من جامعة ساوثهامبتون نظاما جديدا للمستنبت ثلاثي الأبعاد طوروه لمراقبة التغيرات التي تحدث في الخلايا المصابة بالسل.
وعلى عكس نظام الاستنبات ثنائي الأبعاد المعياري في المختبر، حيث توضع الخلايا في طبق بلاستيكي مسطح، يستخدم النظام ثلاثي الأبعاد تقنية هندسية لتعليقها في قطرات، مثل سرء (بيوض أو نطاف) الضفدع.
ووجد الفريق أن الخلايا المصابة بالسل في القطيرات تستجيب بشكل وثيق جدا للخلايا الموجودة في رئتي المصابين بالمرض.
وهذه الملاحظة لها آثار واسعة النطاق لمزيد من الدراسات حول الأمراض المعدية، بما في ذلك "كوفيد-19".
ثم نفذ فريق ثان من جامعة ساوثهامبتون تقنيات التسلسل المعقدة على الخلايا لتحديد الأحداث التي يتسبب من خلالها السل في التهابات مفرطة وتلف الرئة.
وتولد طرق تسلسل الجينوم البشري معلومات عن عشرات الآلاف من التغييرات في الجينات من كل عينة، ما يجعل من الصعب تحديد التغييرات المهمة والتي تأتي صدفة. وجمعت مجموعة أنظمة المناعة في ساوثهامبتون مناهج رياضية مختلفة، مثل خوارزميات التجميع، لتقليل هذا إلى سبعة جينات يبدو أنها تدعم تدمير الرئة الذي يحدث في مرض السل.
وقالت الدكتورة ميكايلا ريتشمان من جامعة ساوثهامبتون، التي أجرت الدراسة: "إن دمج تقنيات التسلسل الحديثة مع العينات السريرية يسمح برؤية غير مسبوقة في آليات المرض، بينما يتيح لنا نظام زراعة الخلايا ثلاثية الأبعاد تكرار الحالات المرضية وتحديدها. وهي مناهج علاجية جديدة".
وفي الدراسة الثانية، قامت تجربة سريرية بقيادة الدكتورة كاثرين أونغ من جامعة سنغافورة الوطنية، بدراسة استخدام المضاد الحيوي الشائع، الدوكسيسيكلين، لعكس هذه التغييرات. وأظهرت تجربة المرحلة الثانية من التعمية المزدوجة التي أجريت على 30 مريضا أن الدوكسيسيكلين، جنبا إلى جنب مع العلاج من داء السل، يقلل من حجم تجاويف الرئة ويسرع بوادر استعادة الرئة نحو الصحة.
وتم إجراء تحليلات المعلوماتية الحيوية هذه بواسطة مجموعة أنظمة المناعة في ساوثهامبتون.
ووجد الفريق أن العلاج آمن، مع آثار جانبية مماثلة لتلك التي عانى منها المرضى الذين يتناولون الدواء الوهمي.
وتُظهر الدراسة وعدا في تقديم معيار رعاية جديد يمكن أن يمنع المضاعفات طويلة المدى.
وقالت الدكتورة أونغ: "يعاني مرضى السل الرئوي من تلف الرئة بعد السل، والذي يرتبط بالوفيات، وتدني نوعية الحياة. والدوكسيسيكلين هو مضاد حيوي رخيص ومتوفر على نطاق واسع يمكن أن يقلل من تلف الرئة، ويحتمل أن يحسن نوعية الحياة بالنسبة لهؤلاء المرضى".
ويسعى الفريق الآن للحصول على تمويل من أجل تجربة المرحلة الثالثة على نطاق واسع والتي تعمل بالطاقة الكاملة للتحقق من هذه النتائج.
ويهدف الفريق الدولي أيضا إلى ترجمة هذه الأفكار الجديدة إلى مناهج قد تقصر العلاج من الحد الأدنى الحالي وهو ستة أشهر وتحسين علاج الأمراض المقاومة للأدوية، والتي تتزايد تدريجيا.
واستندت التجربة السريرية إلى شبكة تعاونية تضم جامعة سنغافورة الوطنية وجامعة ساوثهامبتون ولندن سانت جورج، في حين تضمنت دراسة العلوم الأساسية أيضا معهد الأبحاث الصحية الإفريقي وجامعة ديربان وجامعة ييل وكولومبيا في الولايات المتحدة.