ودعت موريتانيا قبل أيام في موكب جنائزي مهيب احد ابرز صحفييها المهنيين وأبنائها البررة ممن مثلوا نموذجا يحتذي في المهنية والأخلاق، انه المرحوم اعل ولد عبد الله الذي كان مدرسة ينهل منها الصحفيون مبادئ المهنة ويتعلمون منها عظيم الأخلاق .
.دفع المرحوم اعل ضريبة النزاهة والمهنية والترفع عن التملق ومحاباة الأنظمة وغيرها من المسلكيات المشينة التي أصبحت طريقا قصيرا للتعيين وشرطا لا غنى عنه للوصول للمناصب السامية في موريتانيا رغم امتلاكه كل الوسائل والمؤهلات فهو خريج معهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس بامتياز واستحقاق وخبير ترجمة معتمد ومثقف موسوعي لا يشق له غبار في مختلف العلوم والمعارف والآداب.
وقد طعم هذه الخبرة الكبيرة بتجربة مهنية رائدة حيث عمل مباشرة بعد تخرجه بالوكالة الموريتانية للإنباء إلي غاية تقاعده وقد تقلد بها كل الوظائف باستثناء الإدارة العامة، وظل محل أعجاب وتقدير كل الزملاء الذين عملوا معه وعرف بدفاعه المستميت عن حقوق العمال في وجه الإدارة ومناصرته للمظلومين والمستضعفين ومقته الشديد لكل أشكال الظلم والحيف ،كما كان له دور بارز في محاولات إصلاح وتنقية الحقل الصحفي و تمهين منتسبيه بفعل حضوره الكبير ومشاركته الفاعلة في الورشات والتكوينات والندوات التي تنظم بهذا الخصوص.
ظل اعل دائما يستحضر الموت ويعمل للقاء ربه فكان يحث الخطى إلي المسجد في كل الأوقات ،كما عرف بالصيام ،والقيام، وبر الوالدين، والصدق ،والإنفاق في سبيل الله ،وصلة الرحم ،وعيادة المرضى ،ومساعدة الفقراء والمحتاجين ،وإصلاح ذات البين خاصة في وسطه الاجتماعي
وقد حدثني احد أفراد أسرته الكريمة الفاضلة الصابرة المحتسبة انه قبل فترة قليلة اخبرهم أن لديه إحساس قوي بقرب رحيله، خاصة أن عددا من أصدقائه قد انتقلوا إلي واسع رحمة ربهم وقال:" إذا رحلت فلن اترك لكم المال لأنني لست من أصاحبه، ولكن كلما استطيع أن أأكد لكم أنه لن يعيركم احد أبدا بأن أباكم كان يصفق، أو يتملق، أو يحابى الأنظمة، أو يتكسب بمهنته أو..."
نزاهة اعل وصدقه وحسن سريرته صفات تجلت في حسن خاتمته وتوفيقه ،حيث سلم الروح لباريها ليلة سبعة وعشرين رمضان التي هي اغلب مظنة لليلة القدر، وهي ليلة ختم القرءان ، ولم يستطع بعد الشقة ،وتعقد الإجراءات المعهودة في نقل الجنائز، والظروف التي فرضتها جائحة كورونا ان تحول دون وصول جثمانه الطاهر خلال 48 ساعة فقط الي ارض الوطن حيث كان في انتظاره آلاف الموريتانيين يتقدمهم العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو ،متحدين في سبيل ذلك حظر التجول، وتأخر الليل ،وتمت الصلاة عليه في ليلة وترية هي الأخرى ،هذه المرة تسعة وعشرين، أي أخر مظنة لليلة القدر في السنة بل أكثر من ذلك في وقت السحر الذي ينزل فيه الله عز وجل إلي السماء الدنيا نزولا يليق بجلاله العظيم الكريم فينادى هل من داع فأجيبه ؟هل من مستغفر فاغفر له ؟
وفي نفس الليلة العظيمة وري جثمانه الثرى في إحدى اعرق المقابر الأهلية بولاية اترارزة ( أحسي السعادة) إلي جانب والديه الكريمين الذين عرفا بحبه ،واشتهر ببرهما.
تغمده الله برحمته واسكنه فراديس جنته مع الذين أنعم عليهم من النبيينوالصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا