كلمة الإصلاح ترى الآن أن من واجبها أن تعطي رأيا للموريتانيين جميعا ولاسيما الأحزاب وتأكد حزب تواصل بالذات الذي يقول في رؤيته الفكرية: "أن مرجعيته ذات خلفية إسلامية" (مع أنني لا أعرف لهذا الوصف المجرد في موريتانيا معنى يعطي خصوصية)، إلا إذا كان معناه أن الحزب لا يقول قولا ولا يفعل فعلا إلا بعد أن يعلم حكم الله فيه، ومع أن هذا هو المطلوب من المسلم ولكن يحتاج إلى رؤية قوله تعالى: {فاستقم كما أمرت}.
.
وعلى كل حال فرأيي لكل موريتاني أن لا يأتي إلى الآخرة وهو متلبس بدور النعامة عندما يباغتها الخطر، وهنا يقول المولى عز وجل: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين}، مع أن المتيقن حالا أن حكام المسلمين الذين مكن الله لهم في الأرض والمأمورين بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا}، {الزانية والزاني فاجلدوا}، فدور النعامة هذا هو دورهم، فهم كل يوم يذهبون إلى ربهم وعملهم هو إبدال السجن بالحدود وكأنها مسألة اختيار، كأنهم لم يسمعوا أن المؤمن لا يخاف في الله لومة لائم، مع أن أمامهم قوله تعالى: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}.
ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى نبه رسوله صلي الله عليه وسلم أن اليهود والنصارى سوف لا يألون جهدا حتى يتبع ملتهم، وفي نفس الوقت نبهه أن ملتهم بنوها على أهوائهم لم يأخذوها من كتبهم المنزلة، وأن السلامة في إتباع الهدي المنزل من عند الله المتمثل في ملة إبراهيم عليه السلام يقول تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}، بل أمرنا نحن مباشرة باتباع هذه الملة في قوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل}، ومن المعلوم كذلك أن إتباع ملة إبراهيم هو إتباع ما بين دفتي المصحف من الفاتحة إلى سورة الناس مع إتباع ما صح عن الرسول صلي الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير في حياته إلى خطبة وداعه لأمته، كما أن الإتباع المطلوب من الإنسان لهذه الملة هو المحدد في فكر الإنسان وقوله وفعله المحصيين في سجله الذي سيعترف هو بأن سجله لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها كما في الآية.
أما بيت القصيد الأول في المقال هو أنه طرأت الآن على المسلمين ملة أخرى خليطا من ملة اليهود والنصارى الآن، ولكن قطعا ليست هي ملة إبراهيم التي أمر نبينا وأمرنا معه بإتباعها كما هو مبين أعلاه، وهذه الملة الجديدة هي ملة الديمقراطية في سلوكياتها وأوامرها ودستورها المكتوب ونظام تطبيقها.
فمفارقتها لملة إبراهيم واضحة فهي ليست لها آخرة فيها جنة للمطيعين ولا نار للمخالفين، ولا تشترط النية ساعة أداء أوامرها لأن النية قلبية ولا يطلع عليها إلا علام الغيوب، فإله الديمقراطيين لا اطلاع له على الغيب وليسمح القارئ بهذه العبارة المأخوذة من تعبير القرآن: {وقالوا أآلهتنا خير أم هو} أي عيسي ابن مريم الذي ألهه بعض إتباعه فاستجوبه الله على ذلك فأجابه بما في علم الله من عدم طلبه للتأليه إلى آخر الآيات المعروفة.
فالمؤلهون للديمقراطية الآن يفتخرون بحسن إتباعهم لها مع أنها لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم الغيب ولا تغني شيئا عن تابعيها ساعة فراقها، فدستورها عندما يكتب ويصادق عليه لا تجوز مخالفته فهو مقدس في نظر الملة الجديدة، مع أن دستور ملة إبراهيم وهو ما بين دفتي المصحف فيه كثير من الاستثناءات لصالح الفرد والمجتمع تنفذ تلقائيا وتارة تكون واجبة التنفيذ مع مخالفتها للمنصوص في دستور القرآن عند الضرورة، فالله تبارك تعالي يعطي للمسلمين إذنا وتارة يوجب عليهم ترك النصوص للضرورة مثل: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}، {إلا ما اضطررتم إليه}، {إلا أن تتقوا منهم تقية} إلى آخر ما يعرفه الجميع من هذا القبيل.
وأيضا فالموالون في ملة الديمقراطية تجب عليهم المصادقة ولو على الباطل، لأن الديمقراطية هي التي تملك أصواتهم، والمعارضة عليها أن تصوت ولو ضد الحق ولا عقوبة عليها، وفي كل هذا {فليتنافس المتنافسون} بمعنى أن الموالي من طبعه النفاق والتملق فليبالغ فيهما فهو المعول عليه في ذلك، فهو علي بينة من ملته، وفي المعارضة من طبعه التشدد والعناد فليبالغ في معارضته وهو المعول عليه أيضا في ذلك، فإذا كان التجريح محرما في ملة إبراهيم إلا لضرورة، فهو مباح في ملة الديمقراطية علي مصراعيه.
ومن هنا أطلب من الجميع أن يستمع لطرح هذا السؤال ويجيب عليه (وتأكد حزب تواصل لعنوانه الخصوصي أعلاه)، فنحن الموريتانيين بعد اتباعنا لملة الديمقراطية سنة 92 إلى يومنا هذا، فهل رحل منا إلى ربه أحد؟ والجواب طبعا ليس واحدا بل كثير من الناس لكن لم يعد إلينا بعد لقاء ربه إلا أننا نعرف عن طريق كتاب ربنا ما سئل عنه، إذا فهل سئل عن امتثاله لملة الديمقراطية أو امتثاله لملة إبراهيم؟ وهل رأى نتيجة افتراء حمقاء الإنسانية في الدنيا وهي أن نشاط الإنسان من فكر وقول وفعل مفرق بين حسنه وسيئه في العبادات والسياسة؟ فالعبادات هي التي يسأل المسلم عن حسنها وسيئها، والسياسة لا يسأل المسلم عن أي نشاط فيها، مع أن قرآن ملة إبراهيم يقول: {لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} إلى آخر ما في القرآن من الأمر بالعدل والإحسان مع كل شيء حي مما يطول القول في ذكره ويجمع ذلك قوله تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}: وهل يوجد عمل إلا بهذه الأدوات، ويتبع هذه الآية النهي عن البطر في المشي والتهكم على الإنسان في ذلك، إنك أيها الإنسان لن تخرق الأرض بهذا البطر ولن تبلغ الجبال طولا بمجرد ما في قلبك من الكبر في جسمك القصير.
ومن هنا أتحول إلى البيت الثاني للقصيد في المقال المعنون وهو توضيح لحزب تواصل ما أمر الله به أن يوصل: فالله أمر موسى أن يذكر قومه خصوصا بأيام الله، فأنا أيضا أذكر حزب تواصل بالبحث عن أسمائهم في كل مجلس للوزراء لإقالتهم من عمل الحكومة، كما أذكرهم بخطابهم الدائم الأول في كل دورة لمجلس شوراهم وما يبثون في بداية ذلك الخطاب من الحث على إتباع ما جاء في الكتاب والسنة واحتساب الأجر في كل ما سيقال في هذه الجلسات وما يصدر عن الدورة من قرارات، ولا شك أنهم يعرفون أن الله لا يعبد بما لم يأذن به، وأنا قد قرأت في المواقع أخيرا بعد أن سمعت شبه الإجماع أن الحكومة الآن ورئيسها مجتهدون كل الاجتهاد في البحث عن الأصلح لهذا الشعب، وأن لا محاولة الآن (في كوميسيوهات) في الصفقات أو التعيينات إلى آخر ذلك من ظاهر القول وزخرفه، وأنواع المكر الظاهر والخفي كل ذلك قد ذهب مع مكتسبه، ومع ذلك والحالة هذه فما زال حزب تواصل يمتثل أوامر ملة الديمقراطية وهي المعارضة الناطحة، والوقوف عند آخر نقطة منها لينادي على الجميع نحن هنا ولا رجوع، مع أنه كان من المفروض علي حزب تواصل أن يتبينوا الواقع: هل الأغلب في التسيير هو الإصلاح؟ وعندئذ فليقولوا ما قال النبي صلي الله عليه وسلم لليهود عندما وجدهم يحتفلون بعاشوراء لأنه اليوم الذي غرق فيه عدوهم ونجي فيه موسى فقال النبي صلي الله عليه وسلم "نحن أولي منكم بتعظيم نجاة موسي"، فكان على حزب تواصل أن يقولوا للنسخة الجديدة المعدلة من حزب الموالاة: "نحن أولى منكم وبصدق بمساعدة المصلحين وعونهم والإخلاص لخدمتهم" وليس بأوامر الملة الجديدة الديمقراطية ولكن بالأوامر الواضحة من من لا تخفى عليه خافية في قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، فإن قيل هل هذا النص طارئ نزوله فقولوا لا ولكن طرأ شيء على معناه، فقوله تعالى: {وأولوا الأمر منكم}: "فمنكم" فيها توجيه خاص يتفق مع الإيمان بإتباع أوامر أهله من نرجو أنه يزيد فيه ولا ينقص، فأولوا الأمر غير العاملين بأوامر الإيمان كلها عند المسلمين لهم معاملة خاصة بهم، فكان على حزب تواصل أن يتقدم إلى الأمام ومعه ملة إبراهيم مفصلة ويسقط هذا التفصيل على جميع أنشطته بما يلي:
أولا: ما تقدم من توجيه أولي الأمر المصلحين حتى يتبين العكس طبقا لقوله صلي الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" إلى آخر الحديث الصحيح المعروف.
ثانيا: في ملة إبراهيم قوله صلي الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" ونصرته حالة ظلمه رده عنه لا الدفاع عنه، ومسايرته لما عنده من النفع في ملة الديمقراطية عمل مخالف لما في الحديث.
ثالثا: كثير من الكتاب ندد بإخلاف الحزب لتعهداته مع المعارضة إلى آخره، فجواب ذلك أن ملة إبراهيم فيها أن كل شرط أو عهد ليس موافقا لتلك الملة فهو مرمي وراء الظهر، ويكون مكانه: "أينما تكون المصلحة فثم شرع الله".
وفي الأخير فإني أجيب ولو بدون سؤال عن لماذا هذا التوجيه لهذا الحزب خاصة؟
فالجواب أنه قبل خروجي طوعا من مجلس الشورى إرضاء لرغبة القليل، كنت أنظر ساعة اجتماع مجلس الشورى في وجوه ناضرة كلها برجالها ونسائها وشبابها وشيوخها، ونضارتها ليست عن كثرة استعمال البروتينات المادية ولكن أرجو أن يكون لكثرة استعمال "ابروتينات" أخرى الثابتة في كل الظروف، فبتلك النظرة جعلتني استثمر هذا التوجيه في مكان أظنه خصبا للاستثمار الدائم (ولا أزكي على الله أحدا).
وبقي أن أعلن أن كل عمل أو توجيه لأجل روتينية الملة الديمقراطية فلا يربو عند الله، بل ينطبق عليه {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا}، ومع ذلك أقول فالناقد بصير {وربكم أعلم بمن هو أهدي سبيلا}.
وأنبه مع ذلك أن المنطقة قد تم تلغيمها قبل المغادرة بتوجيهات من لا يخاف في إتباع أوامر الشيطان لومة لائم، ولكن الخير كل الخير في إتباع من يعلم أن الله قال لبني إسرائيل بعد ندائه لهم: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} إلى قوله تعالى: {وإياي فاتقون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}.
بقلم الاستاذ محمد البار