حاسي بجوره ومباني إدارة البيطرة (لفاج) ،وحماية الطبيعة(أهل اصدر) و دار البريد (البوصطة) معالم يوشك ان تختفي الى الأبد من على الأرض أولا ثم من الذاكرة أخيرا ، كما حصل مع مزارع ذات التساقط(لحرايث) ، فقد أضحى بعضها في مكب النسيان
..
ذكرني بهذا الأمر رحيل الوالد بلال ولد محمود تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته والذي توفي قبل امس ؛السبت الماضي ٢٠ يونيو ٢٠٢٠ عن عمر تجاوز التسعين عاما.بلال هو آخر "أنمراي" يقوم على البئر المعروفة ب(حاسي بجوره ) ، البئر التي ظلت لِردح من الزمن محط أنظار واهتمام قُدامى السكان الأوائل من أهل الصنكة لِكونها نُقطة الماء الأهم في المدينة خاصة عند تعطل الحَنفيات..
.ترى من هو بجوره هذا ؟ وما قصته مع البئر ؟
هو بجور ولد رمظان، حرطاني من قبيلة إجَغَنيه ، قدِم من ضواحي أبي تلميت في الثلاثينيات من القرن التاسع عسر والبلاد إذ ذاك تحت السيطرة الفرنسية ،قدم في مهمة إيصال قطيع من البقر للسيدة أنجايةمنت بلل رحمها الله .استقّر المرحوم يرعى الابقار (أنمراي ) وحفر عدة نقاط للماء كانت آخرها بادية للعيان الى عهد قريب في حائط لأسرة أهل اصويلح غرب التعاونية الزراعية وظل يستخدمها الى ان حفرت الحكومة البئر الشهيرة التي في الصورة . فقام عليها حتى أضيفت إلى اسمه .تزوج أولا بالمرحومة فالة منت همت ثم بالسيدة أما منت محمود لبلال رحمة الله على الجميع. والتي انجبت له السالمةمنت بجوره وباب أطال الله اعمارهم في طاعته و رزقهما حسن الخاتمة وبارك في ذريّتهما وقبله كان لها ولد هو محمود ولد ساعيد ولد عثمان ،نشأ و تربّي في حجر بجوره وكان برًا به لم يفارقه حتي وافاه الأجل يوم الأربعاء الموافق السابع عسر من رمضان سنة 1980 أثناء أزمة عطش خانقة دامت اكثر من شهرين سببها عطب في ماكنة جلب الماء التابعة لشركة الماء والكهرباء (صونلك) ولم يكن بالمدينة آنذاك من نقاط الماء سوى بئر بجوره و بئر خَيْنَه رحمة الله عليهما .وبينما كانت منطقة البئر مكتظة بالناس ،كل يريد الحصول على ماء قبل وقت الإفطار وكان وقت ذروة الازدحام (الحجمة) حين وقف بجوره على حافة البئر كعادته ومدّ يده لِيعتمد على الحبل المشدود بين ( الركائز )،لكن يده أخطأت الحبل فهوى في البئر التي يزيد عمقها على العشرين مترا. و فورًا أدخلوا محمود ثم المختار ولد عبدوت ليخرجاه ميّتا في جو من الحزن رهيب .اللهم ارحمه واغفر له وادخله الجنة و أجره من النار ، وبما أنه لم يكن يبيع الماء بل يمكن لكل أحد يأخذ من حوضه ما يشاء ، قالوا يومها: نتوضأ من الماء الذي جلب لنا ونصلي عليه لعل الله يرحمه . أقيمت صلاة الجنازة و مراسيم الدفن بعد صلاة المغرب بحضور جمع غفير من أعيان المذرذرة وخِيرتهم.كل يشهد له بالسعي على الأرامل والأيتام وخدمة الناس والكرم وحسن الخلق ولا غَرو ؛ فكم من الناس تغذّى من لبن تلك الأبقار الكثيرة وكم من الناس و الأنعام والطيور والوحوش شرب من ماء تلك البئر التي آلت مؤخرا الى بئر معطلة ،تُحاصرها البنايات في خضم الطفرة العمرانية التي سبق وأن أتت على "حاسي خَينَة" وتكاد تبتلع محشر الحيونات (الكتْ ) و بِنايَتي (ألفاج ) وأهل (اصدر) المُتهالكتَين .حتى الكثبان الذهبية الأجمل في البلاد (لغراد الشرقية )لم تسلم هي الأخرى من المد الاستيطاني ورمي القمامة.أما حاسي (لمويلح ) و دار البريد ( البوصطة ) ومساكن أسر افراد فرقة الحرس ،و مسكن مدير فرع شركة الماء فهي في طريق الاندثار. وعما قريب تصبح هذه المعالم أثرا بعد عين وتختفي كما اختفي.السجن (كَصو) و ( حاسي خداجة ) و الجرس ( احْديدة ميمدي) و مدفع دُوست العملاق الذي نُصب فوق مكتب الحاكم إبان حرب الصحراء .وما زلنا نذكر كيف تم إخفاء أرشيف فترة الإستعمار الذي ألقاه حاكم سابق في القمامة ...الخ
من هنا أطالب بلدية المذرذرة بفعل شيئ من أجل المحافظة على هذه المعالم فقد تساعد في جلب السياح مستقبلا وتبقى شاهدا على التاريج كما ادْعو منظمة "أبناء المذرذرة" للعمل على إنشاء متحف محلي يعرض الآثار وتاريخ المنطقة قبل استحالة الموجود منها إلى حكايات متضاربة . كما ارجوا من مدير قناة الثقافية إرسال بعثة صحفية لإنتاج أفلام وثائقية حول ما تبقّى من الآثار والمناظر السياحية