دقة - حياد - موضوعية

الزواج تحت جنح كورونا

2020-06-19 07:00:25

منذ منتصف مارس كثرت الزيجات (في العاصمة على الأقل) أو لعلها استمرت كما كانت لكن منافاتها للجو العام زادت انتباهي إليها. فلا أفتأ أسمع الزغاريد والمنبهات من موكب زفاف، تخرق سكينة التلاوات المنبعثة من مكبرات المساجد، وأرى مصابيحه في عهد وباء حالك لا أحد يدري ما يفعل الله به في شأنه. وقد أسمع بزفاف هنا أوهناك، دون أن أرى موكبا أو أسمع أصواته. ونشأ عن حظر التجول الليلي مصطلح "الترواح امع الصباح" وهو من أغرب ما سمعته. ويقال (والله أعلم) إن لهذا دوافع اقتصادية يفهمها الغبي.

.

وهذا (أعني الزواج) تصرف طبيعي لا يلفت الانتباه في الظروف العادية، لكن خصوصيات هذه الفترة أكسبته بعض سماتها بين داع وزاجر.

* فهو من ناحية ضوء في نفق حياتنا القاتم، وتحد للوباء وإصرار على استمرار الحياة كما كانت، على نحو يذكّر بالشابي في "نشيد الجبار". ثم إن الاستسلام لبواعث الحزن من أسوأ العوامل الممهدة للأمراض، المعينة لها بعد حصولها. و"لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس".

* وهو من ناحية أخرى استخفاف بآلام الناس وأحزانهم، في مجتمع كالجسد الواحد، لا يستسيغ إظهار الفرح أمام المكلومين؛ بل إني في طفولتي كنت أرى النساء يتجنبن ضفر رؤوسهن ثلاثة أيام إذا مات جار أو قريب، أحرى ضرب الأوتار والطبول والرقص والغناء..

كما أنه وسيلة لنشر العدوى في مجتمع يعوز الوعي الصحي أكثرَه، حين يتزاحم حامل الداء مع مئات الأصحاء ويؤاكلهم ويشاربهم، وقد يصافحهم ويعانقهم، وربما راقصهم.. هل أتاك حديث المرأة المصابة التي اتصلت بها الجهات الصحية في إطار متابعتها فاعتذرت (وهي لا تعلم من المتصل) بأنها الآن في عرس؛ آملة معاودة الاتصال في وقت آخر!!

قد يكون أخف الضررين عقدا يحضره الولي وشاهدان مع التحرز قدر الإمكان، ثم يدخل الباني بأهله بالرفاء والبنين، دون مدعوين ولا حفل ولا ضجيج.. لكن ربما لا يقبل هذا أحد في مجتمع يرسم فيه الفضوليون من أصدقاء وصديقات ومتشبهين مسار حياة غيرهم.

ولعل المقْدِمِينَ على الزواج في أيامنا هذه لم ينتبهوا للبحث عن حكمه الشرعي؛ فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والضرر المظنون تبنى عليه الأحكام الشرعية ولا تتغير بتخلفه، والشيء قد يحرم لعوارضه.

ثم إن في الفقه ما يسمى موانع النكاح؛ وهي أسباب تجعل احتمال الاستمرار مشكوكا فيه فلا يعدو الأمر إدخال وارث، ويجمع بينها وجود خطر محتمل على حياة أحد الطرفين (وأحرى كلاهما) وروعي الخطر فيها وإن غلبت السلامة في بعضها، كالحامل بعد شهرها السادس (إن أراد مُطَلِّقها بائنا العقد عليها) ومن قُرِّب للقطع حدا أو قصاصا، وحاضر ساحة القتال المرتقب.. إلخ.

وفي حياتنا المعاصرة لا يختلف حال من تهيأ لعملية جراحية مع حال من قُرِّب للقطع، ولا حال حاضر ساحة القتال مع حال من يعيش في زمن وباء فتاك عابر للحدود والقارات والأجسام..

وقانا الله وإياكم كل شر. 

بقلم محمدُّ سالم ابن جدُّ

تابعونا على الشبكات الاجتماعية