هذا الفيروس مجرم حقا!.. فتك وما زال يفتك.. فرق الأحبة.. منع العناق، وجعلنا نعيش الصاخة في بعض تفاصيلها: "يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه...". لكن اللعين كوفيد، بالنسبة لي، كان داهية دهياء. لقد ظلمني أيما ظلم، إذ منعني من الحضور إلى "قصر عليه تحية وسلامُ= نثرتْ عليه جمالَها الأيامُ"، منعني من السفر إلى بيت شيخي وصديقي الحسين ولد محنض لأقدم له واجب العزاء في والدتنا العالمة، الناسكة، الحكيمة، المنفقة، زين العواتك: عائشة سليلة العلماء العاملين، أئمة القضاء، ودروع الفتيا.
.لقد سافرتْ المتهجدة بعد أن جعلت من الليل نافلةً لها، ومن النهار تسبيحة متواصلة بُكرة وأصيلا. إنها الزاهدة، التاركة جل الحلال مخافة حسابه، التاركة كل الحرام مخافة عقابه، جاعلة محظرتها تتلوى حزنا، وخميس نُصرتها يكاد لا يمسك "دمع العين وهو ذروف".
عندما نتحلق حول المغفور لها عائشة، في منزلنا المتواضع في تكند، حيث تستريح تارة وهي في طريقها إلى انْوَلْكي، وحيث تزور صديقتها زينب تارات، يكون هَدْيُها نبراسا كثيرا ما أضاء لنا الدرب المحتوم "وأنذرنا نارًا، وبشّرَ جنةً.. وعلمنا الإسلامَ، فاللهَ نحمد".
لقد هبت ريح فراقها من تلقاء آمنيكير، وأومض برق الرحمات "في الظلماء من إضم". ومثل مُلهمها البوصيري، دعت إلى الله فاستمسكت "بحبل غير منصرم".
فلا تجزع، شيخي الحسين، وكن صبورا محتسبا كما كنت وكما لم تزل، لأن الفاضلة، أم الفضلاء والفاضلات، لا خشية عليها بعد أن مهّدت الطريق وأزاحت كل أشواكه استعدادا لرحيل هي أبصر الناس بحقيقته.
فلها من الله "أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه"، ولك مني، كما للإخوة الأكارم، خالص العزاء. "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام".