التبراع جنس أدبي شعري مختصر قديم، اصطفته النسوة في أدبنا الحساني، يضمّنه لواعج صدورهنّ، ويتميز بشطريه المنفردين الموزونين ورحابة معانيه، وما تكتب آسية يشبه هذا الفن، تومض كلماتها، وهي توجز معاني كثيرة في ألفاظ قليلة، ومن نماذج ذلك ما كتبت في 26 فبراير 2020 "من لم يُصَب في قلبه، صحيح!.."وفي 13 ديسمبر 2013 "..مراجعة القلوب حسنات العشاق .."، وفي 9 إبريل 2016 "..أتوسّد أشواقي ..وأنام عاتبة..!"، وفي 25 مايو 2015 "ثقيل هو الحلم .. إن صار وهمًا!.."، وفي 23 ديسمبر 2013 "بالرغم من سخونتها..قهوتي بااااردة!!.."..وفي 30 ديسمبر 2015 "كأنّا إذْ تصافحنا.. تعانقنا بكفينا"، وفي 23 أكتوبر 2017 "..العيون الدامعة ترى بصورة أوضح..!.."، وفي 21 أكتوبر 2017 "توبة المُحب، اجتناب الغياب..!".
في هذه العبارات استغناء عن الحشو، واكتناز في الصور والوصوف التي جزت بكلمات قليلة، لكن اللافت أن ثمة شيء في كتابات آسية هو ذلك الشوق الغالب في دفترها وقاموسها وهي تكتب؛ بعض من الحزن المخبأ الذي يطفو جلياً، حكمة ومثالية في تخيل الود والصداقة ورسم الحياة، وهي تعترف بفضيلة الحب، مثل ما سطرت في 13 فبراير 2020، تحت عنوان "ثم ماذا؟!"، "..سنة أخرى مرت من العمر وما زلت أنتِ أنت؛ تجدين في الاعتراف بالحب فضيلة، وتحسبين أن أفضل الحب وأصدقه آخره، لا أوله، وأن ما يكسره الغياب يجبره الشوق!.."،
الشوق الكلمة المفتاحية التي تتوالد في خواطرها فيما يشبه الهذيان أو "اتهدريز الحمى" كما عنونت في خاطرتها 26 نوفمبر 2016، تدفق مشحون بالبوح المحموم كما في 30 مارس 2016 "..حين لا أخبرك عن اشتيـاق قلبي فذاك يعني أني أشتاق كالجمرة حين الاحتراق!.."، وفي 12 ديسمبر 2014 "أشتاقك حدّ علمِك وأكثر...!"، وفي 29 ديسمبر 2015 "..تصنّع اللّامبالاة وأنت من الشوق تكاد تصرخ..!"، وفي 21 مارس 2015 "..أصعب الشوق هو ما كان لحبيب لم يحدّد..!"، وفي 30 مارس 2015 "من الظلم أن تشتاق أنثى ..الأصل أن يُشتاق لها فقط.."، وفي 21 أكتوبر 2017 "..من هزمه الشوق فهو شجاع القلب قويّه، فليفتخر!"..وفي 28 ديسمبر 2015 ".. "المحبة متى اتسعت، صعُب التعبير عنها بالكلام..!"..
آسية عبدالرحمن حالمة وشفافة كزجاجة، تبوح كما تريد، وترسم العالم كما تتخيل، رغم أنها تصدم أحياناً، مثل ما كتبت في 3 يونيو 2016 "أسفي على صداقات يُتلف ودّها "ببهارات" حبّ فاسدة..!!.."، وفي 16 يناير 2018 "لا شيء أكثر مدعاة للأمن والسكينة من وجود شخص يُعوّل عليه!.."، وفي 9 ابريل 2020 "لا يوجد من هو مشغول دائما؛ يوجد من لا يهتم!.."، و"الحب الذي يطول فيه الخصام لعدة أيام، لا تتوقع له الدوام..!"..وفي 22 مارس 2020 "..ثمة أوقات طاردة للحزن؛ صنيعة قلوب نقية، لولاها ما كان لنا أن نتجاوز أزماتنا مبتسمين!..أيتها الصداقة الصادقة، نحتاجك كي نكون آمنين!.."..
تلجأ إلى الذاكرة كسند قوي في السرد، تقاوم موجات الحنين، مثل ما كتبت في 12 ابريل 2020 "..أخفيك عن الجميع، لكن حروفي تفيض بحضورك!" وفي 8 ابريل 2020 "في بعض الصباحات نصحو على ذاكرة انتقائية؛ تصر على عرض "لحظات عمر" وكأنها حدثت البارحة؛ تنهكنا بمطاردة أنفسنا ذات حلم، فنبتسم وكأننا والحب ما افترقنا يوما!"، وفي 26 فبراير "قاتل الله الصور، محفزة للذاكرة؛ تماما كالعطر والموسيقى!"، وفي 4 نوفمبر 2010 "..الألم يستيقظ متأخّرًا. إنّه يعيش طويلًا.. بعد الذكريات الجميلة.."، وفي 21 أكتوبر 2010، "عندما نراجع حياتنا نجد أنّ أجمل ما حدث لنا كان مصادفة و أنّ الخيبات الكبرى تأتي دوماً على سجاد فاخر فرشناه لاستقبال السعادة.."، وفي 23 أكتوبر 2011 "أيها المخبى بين جوانح الروح ...الساكن في ثنايا القلب ...أشتاقك و....أحتاجك.."، تعترف 18 ديسمبر 2013 "كم هو مؤذ للذاكرة إرغامها على ترتيب الأحداث بحسب "الأمزجة".."..
وتعاني الكاتبة من إسقاط التأويلات على حياتها الخاصة، بينما ترى هي الكتابة مواقف، ففي 10 ابريل 2016 أوضحت "..الكتابة موقف طبعا، وليست هذه مشكلة! المشكلة في التباين في قراءة الموقف..ليس بالضرورة أن تلتقي فكرة الكاتب مع القارئ، وعلى هذه الضرورة ليس له أن يُصادر موقف الكاتب ويُسقط عليه أحكامه..!بيننا دائما مساحة ذهنية يجب أن نُعطي فيها الفرصة لهذه #الفوارق والتباينات..".
ففي 7 أكتوبر 2017 تكتب "هناك أناس يكفرون بالحب ولا يجيدون التعامل معه، وإن أحسوا بأحد سكن قلبه وذاق طعمه، وصفوه بأشنع الصفات وأقساها..فالحذر الحذر منهم، فهؤلاء ما سلكوا طريقا إلا سلك الفرح غيره!!"..فالحب عند البعض، شِركٌ بعقيدة الحرية، أما عندها فهو إيمان بيقين الانعتاق..
وتتسآل في 2 يوليو 2011 "..لا أعرف لماذا يربط البعض بين ما نكتبه على صفحاتنا من خواطر وبين حياتنا الشخصية ..!!! ليس كل ما يكتبه المرء هو انعكاس لحالة يعيشها أو تعبير عن مزاجه أو وضعه...الكتابة أوسع وأشمل من ذلك بكثير.."، وفي 24 سبتمبر 2017، "من تعريفات الوجع الدقيقة أن يفسّر كلامك بعكس ما قصدت!.."
على المنحى الذاتي ثمة قضية بارزة، تدافع آٍسية عنها دائماً وهي تبحث عن #الكمال في الحياة، التوقعات/ الخيبات/ الحلم/ المؤمل/ الحب/ الرجولة / الكمال، مع أنها ترى بحث الرجل عن تلك الصفة من مهلكاته، فتتعدد الصور التي ترسم فيها مثل هذه التوقعات الحالمة والنبيلة، مثل ما كتبت في 25 فبراير 2016 "..الرجولة في تعريفها الأجمل عندي، تختصرها مقولة كاتب فرنسي يقول: الرجل الحقيقي ليس من يُغري أكثر من امرأة، بل الذي يُغري أكثر من مرّة المرأة نفسها..صباح الرجال الرجال..أعداء الكذب، أصدقاء الوفاء..!!""، وكأن ثمة شيء يوخز نفسها الحالمة، أو كأنها تصارع شيئاً ما، ففي 5 ديسمبر 2017 تكتب "ثوب الرجولة من نار، وقلة هُم مَن لا يضيقون به ذرعا!"، تلوي يد التحديات وتنحاز لهمتها وجنسها، كما كتبت في 13 ابريل 2020 "..لا عيب لبعض النساء غير #التميز، وعلو سقف الطموح!.."..
آسية جريئة في الكتابة وتقول إن "المرأة عندما تعشق بصدق تُحب بعاطفة خمسين أمّا..!"، كما دونت في 26 أغسطس 2015، وكماكتبت في 3 نوفمبر 2017 "النّظر إليكِ دون التغزل بكِ جهاد..!"، وفي 5 فبراير 2011، "مع حبك الهروب هو البطولة الوحيدة الممكنة فحبك كالطرق القروية في العالم الثالث نصفها مسدود والنصف الاخر يقود الى الهاوية!..وفي 9 سبتمبر 2012 "ابتسامتك سر سعادتي..لذلك أسعى إلى التزود منها ما وسعني ذلك.."، وفي 22 مايو 2015 " أصعب ما في الحب، الحيرة بعد الإفصاح..!!"،
ولا يخفى تأثرها البيّن بالروائية الجزائرية أحلام مستغانمي والشاعرة الكويتية سعاد الصباح، في الأساليب المعجم، كما تستشهد بكتاباتهما كثيراً، خاصة في تلك الجوانب النّدية من حروفهما للأنوثة مقابل الرجل ففي 14 أكتوبر 2010 تورد قطعة سعاد الصباح " يقولون : إنَّ الكلامَ امتيازُ الرجالِ فلا تنطقي!! وإنَّ التغزّلَ فنُ الرجالِ فلا تعشقي!! (..) وها أنذا قد سبحتُ كثيراً وقاومتُ كلَّ البحارِ ولم أغرقِ.."، وفي 3 أغسطس 2010 "عند ملاقاته بعد قطيعة، ارتدي كبرياءك، وتجمّلي بالأَنفة.." وهي مقولة أحلام مستغانمي وفي 25 يوليو 2010 عبارة لنفس الكاتبة يضاً "ابكي نفسك الى الله وأنت بين يديه , ولا تبكي في حضرة رجل يخال نفسه الله, يتحكم بحياتك وموتك.."، وفي 2 ابريل 2011 "أي علم هذا الذي لم يستطع حتى الآن أن يضع أصوات من نحب في أقراص، أو زجاجة دواء نتناولها سرًّا..".
بل انها في 28 ديسمبر 2014 تعترف بتأثيرها وتصفها بالعظيمة، وهي توقع استشهاد مستغانمي "ما حاجتك إلى "صدقة" هاتفية من رجل. إذا كانت المآذن ترفع آذانها لك وتقول لك خمس مرات في اليوم أن رب هذا الكون ينتظرك ويحبك.." بعبارة "العظيمة أحلام"..
لقد بلغ هذا الإعجاب أوجه في تلك السنوات من #تجربتها الفكرية والكتابية، وكان أيضاً نزار قباني حاضراً مع الكاتبتين، ومع هذا الثلاثي تشكلت تجاربها وبوحها الأول، ففي 7 ابريل 2016 تكتب "من يعص قلب امرأةٍ .. يكْفر"، وتستغيث بشعريته "رحمك الله يا حبيبنا نزار..ما أكثر العصاة بعدك..!!"، لكننا، نلاحظ أنها في السنوات الأخيرة أصبحت تميل إلى الاستشهاد بمقطوعات قصيرة وأبيات من عيون الأدب لمجانين الحب العذري في التراث العربي، وهو نضج أرى أنه سيحررها من التأثر بأساليب الكاتبتين الطاغية في أدبها، وبناء تجربتها الخاصة فهي كاتبة نقية الإحساس، نابهة الأفكار، صادقة في البوح والتعابير..
محمد بابا حامد