دقة - حياد - موضوعية

ولد هنضي :رأب الصدع و إعادة اللحمة للمجتمع أمر ممكن و بسيط اذا توفرت الإرادة السياسية لذلك(مقابلة)

2020-05-05 04:20:39

محمدفال ولد هنضي ضابط سابق في الجيش الموريتاني عرف بالالتزام والنزاهة والصدق والوطنية خلال مسيرة المهنية سجن وفصل من الجيش اثر المحاولة الانقلابية الثانية على ولد الطايع من قبل فرسان التغيير سنة 2004. ليتفرغ بعد اطلاق سراحه نهاية شهر دجمبر من نفس السنة لممارسة العمل السياسي والنضال الحقوقي فشغل مناصب قيادية في حزبي حاتم والتكتل المعارضين وكان له تصور وحضور واضحين في النقاش الدائر حول ابرز القضايا الوطنية خاصة (قضية لحراطين) جيث يعتبر مع زميله محمذن ولد البو صاحب فكرة ميثاق الحقوق السياسية و الاقتصادية والاجتماعية للحراطين الذي يتولى حاليا رئاسة نسخته الأصلية كما انه من ابرز محرري وثيقته الاصلية باللغة الفرنسية وهو من تولى ترجمها الي العربية وهو الي جانب ذلك كله مثقف موسوعي وخطيب مفوه نواكشوط التقته لمحاورته حول مسيرة ميثاق لحراطين الذي يحتفل اليوم يذكراه السابعة و نظرته لواقع القضية ومستقبل التعايش في موريتانيا فكان لنا معه الحوار التالي الذي تميز بالصراحة ووضوح الأفكار:

.


صحيفة نواكشوط: السيد الرئيس كنتم من مؤسسي ميثاق الحقوق السياسية والاجتماعية للحراطين متى راودتكم هذه الفكرة، ومن هو صاحبها؟ -

الرئيس محمد فال ولد هنضي :فكرة الميثاق من اجل الحقوق السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للحراطين ضمن موريتانيا الموحدة، العادلة و المتصالحة مع نفسها، راودتني منذ نهاية العشرية الأولى من هذا القرن.

نتج ذالك عن انخراطي في السياسة و الحياة العامة بعدما فصلت من القوات المسلحة على إثر المحاولة الانقلابية الثانية على الرئيس السابق معاوية ولد الطابع في أغسطس 2004.

على إثر تجربتي خلال السنوات التي قضيتها في حزبي حاتم و التكتل مع الاحتكاك ببعض رموز نضال لحراطين، تبلورت لدي فكرة أن هذا النضال يفتقر إلى الأساس النظري و الثقافي الضروري ليشكل قاعدة للتفاعل معه من طرف الطبقة المثقفة حتى نتمكن من تجاوز و حل هذه القضية في إطار جامع و غير متحيز لأية جهة سياسية أو غيرها.

بدأت بتجسيد هذا المشروع على المستوى النظري مع زميلي محمذن ولد البو ابتداء من مساء الفاتح مارس 2012 حيث نظمنا عشاء عمل في منزل زميلي محمذن.

ضم هذا الاجتماع ما يزيد عن العشرين من كوادر و مناضلي التكتل من شرحة لحراطين و تقرر خلاله، تشكيل لجنة مكلفة بصياغة الأساس النظري لهذا المشروع.

ضمت هذه اللجنة زميلي محمذن ولد البو و أنا. بعد ما يناهز الشهرين من عقد هذا الاجتماع، قدمت هذه اللجنة مسودة أولية لما صار يعرف فيما بعد بميثاق لحراطين

صحيفة نواكشوط: مسيرة الميثاق شارك فيه كل الطيف المجتمعي الموريتاني مما ابعدها عن الطابع العنصري والشرائحي الضيق. هل تفاجأتم بذلك وكيف استقبلتم المشاركين من غير لحراطين؟

الرئيس محمد فال ولد هنضي :لم نتفاجأ مطلقا بالهبة الوطنية التي استقبلت إعلان الميثاق لأننا عملنا على ذالك انطلاقا من إحساسنا بأن مجتمعنا ينتظر هكذا مبادرة للتصالح مع الذات.

أؤكد لكم ان تحرير وثيقة الميثاق، شارك فيه بيظان إلى جانب احراطين؛ و القضية تهم المجتمع بأسره. كيف لا و نحن من جيل الاستقلال الذي عاش العصر الذهبي لتأسيس الدولة الحديثة التي تمنع أي تعبير عن أية خصوصية غير المواطنة الموريتانية.

لم يدفعنا لهذا العمل أية اعتبارات فئوية او غيرها، لكننا كنا مدفوعين بحوافز الغيرة على الوطن و عدم القبول بما نراه ماثلا أمام اعيننا من استهتار و لامبالاة الأنظمة السياسية التي ترعى و تؤطر انعدام المساواة بين المواطنين.

ربما كوننا منحدرين من شريحة لحراطين، جعلنا نحس هذه الامور أكثر من غيرنا و لكن لن يدفعنا ذالك إلى اعتبار ما نستنقص على بلدنا و مجتمعنا شئا آخر غير ترسبات لماض لم يعد صالحا لزماننا ولا ينبغي لمن يهتم بمستقبلنا ان يتشبث به.

صحيفة نواكشوط: المشاركة الواسعة في المسيرة تعزز النظرة الوطنية الجامعة للقضية هل تأكدت لديكم هذه النظرة وكيف تنظرون لمستقبل التعايش بناء على ذلك ؟ -

الرئيسمحمد فال ولد هنضي :فعلا. لقد شكلت مسيرة الميثاق تجسيدا للإجماع الوطني حول ما طرحته وثيقة الميثاق من تأصيل تاريخي لغبن و تهميش هذه الشريحة والتحليل الموضوعي مع المقترحات الهادفة و البناءة.

أما بالنسبة لمستقبل التعايش في وطننا الحبيب، فليست لدي أية مخاوف على هذأ المستقبل الذي أراه مشرقا - بل و باهرا - بمجرد ما تزول اسباب و مسببات التوتر و الاحتقان الآنفة الذكر.

صحيفة نواكشوط: هل كانت هناك محاولات من بعض الجهات لإجهاض مشروع الميثاق تمثلت في بعض التصرفات الطائشة والمعزولة خلال المسيرة الأولى مثل الاعتداء على الزعيم التاريخي للمعارضة الموريتانية السيد احمد ولد داداه؟

الرئيس محمد فال ولد هنضي :فعلا. كانت هنالك الكثير من المحاولات من طرف اجهزة النظام لبث الفرقة و العبث بالميثاق و تشويه صورته و دس المخربين.

كانت محاولة الاعتداء على الزعيم احمد ولد داداه خلال مسيرة 29 ابريل 2016 إحدى هذه المحاولات الاجرامية التي لم نتأكد من الجهة التي تقف وراءها.

صحيفة نواكشوط: بعد رحيل رئيس الميثاق السفير محمد سعيد ولد همدي عاش الميثاق خلافات قوية بين قادته انتهت بانفجاره الي الوضعية التي يعيشها اليوم هل لكم ان تحدثونا عن السبب الحقيقي لتلك الخلافات وهل تؤكد ما يذهب اليه البعض من ان اغلب دعاة القضية هم من النفعيين الباحثين عن مصالح شخصية؟

الرئيس محمد فال ولد هنضي :فعلا. بعد وفاة الرئيس المرحوم محمد سعيد ولد همدي، كان يجب على الميثاق ان يعين خلفا له.

طلبنا حينها من اللجنة الدائمة ان تستدعي مؤتمراً يضم المجلس الوطني و اللجنة الدائمة للميثاق لتعيين أو انتخاب رئيس جديد.

كان هنالك رأي آخر يقول بأن يتولى النائب الأول لرئيس الميثاق المتوفى، رئاسة الميثاق بشكل تلقائي.

لم نوافق على هذأ الرأي الأخير و تمسكنا بضرورة انتخاب رئيس الميثاق من قبل المؤتمر كما يسير بذلك العرف في كافة التنظيمات المماثلة لتنظيمنا.

تجدر الإشارة هنا إلى أن مناصب نواب الرئيس الستة، تم استحداثهم بعد سنتين من تأسيس الميثاق لضرورات إجرائية ارتأيناها في ذلك الوقت. لهذا لايمكن ان نعتمد ان الرئيس و نوابه لهم نفس المأمورية؛ بل هم يستمدون شرعيتهم من الرئيس الذي توفي و بزواله تزول هذه الشرعية.

ولم يكن لنا أي اعتراض على ان يقوم النائب الأول للرئيس بتسيير الشؤون الجارية بانتظار انتخاب رئيس جديد من قبل هيئات الميثاق المجتمعة في مؤتمر طارئ.

كان من ضمن أعضاء اللجنة الدائمة، رمزين من ضمن الرموز التاريخية لنضال لحراطين و تثمينا لتاريخهما النضالي، اقترحناهم من ضمن نواب الرئيس في مراتب متقدمة: ببكر ولد مسعود كنائب أول للرئيس و الساموراي ولد بي كنائب ثان. أ

أضيف كذلك انه بعد شهرين من اعلان الميثاق، تم اعتمادي من طرف الزملاء في الحراك كمنسق عام للميثاق اثناء اجتماع عقد بمنزل بيرام الداه اعبيد و بحضور زعامات التيارات المشكلة للميثاق عدى ببكر ولد مسعود الذي كان مسافرا الى الخارج.

بعد تعييني منسقا عاما، طلبت من الحضور تعيين محمد سعيد ولد همدي - الذي شرفنا بقبول ترأس حفل إعلان الميثاق - طلبت منهم تعيينه رئيسا للميثاق فوافقوا بعد بعض المداولات... رفضنا ان يتولى أي من ببكر او الساموري رئاسة الميثاق دون المرور بالمؤتمر وكنت مرشح بعض اطراف الميثاق لشغل منصب الرئيس.

يعود رفضنا لتولي أي من الرجلين لرئاسة الميثاق إلى كونهما ابديا معارضة شديدة لكل ما يزمع القيام به من نشاطات بما في ذلك مسيرة تخليد ذكراه السنوية التي لم يقبلانها إلا في اللحظات الأخيرة و فيما يبدو على مضض.

ولد لدينا هذا المسعى لسحب البساط من تحت أي نشاط يقام باسم الميثاق، ولد لدينا الشعور بأنهما يعتبرانه منافسا لمنظماتهم او حركاتهم.

لذلك عارضنا تولي اي منهما لمنصب الرئيس إلا بانتزاعه عن طريق الانتخاب في المؤتمر.

بعد مرور 13 شهرا على وفاة الرئيس محمد سعيد و لم يقبل الطرف الآخر بالذهاب إلى المؤتمر، قمنا نحن باستدعاء مؤتمر في 29 من أكتوبر 2016 تحت عنوان "مؤتمر إعادة التأسيس" الذي انتخبني رئيسا و شكل هيئات جديدة للميثاق.

اما بخصوص الانتفاعية فهي وصف ينطبق فعلا على البعض لكن لايمكن تعميمه على كل من يحمل هذا الهم الوطني ويهتم بهذه القضايا العادلة

صحيفة نواكشوط:كيف تقيمون جهود السلطات العمومية في مكافحة مخلفات الرق سواء على المستوى القانوني من خلال معاقبة التمييز والكراهية او تحسين ظروف العيش وتقريب الخدمات من المعنيين عمل وكالة التضامن وتآزر الان؟

الرئيس محمد فال ولد هنضي :أظن أن السلطات العمومية أحدثت ترسانة قانونية جيدة لمحاربة الرق.

فالنقص الحاصل يكمن أساسا في عدم جيديتها في تطبيق هذه النصوص سواء على مستوى السلطة الادارية أو القضائية.

أما فيما يخص مجهودات محاربة المخلفات و الفقر، فقد أنشئت لهذا الغرض وكالة التضامن التي فشلت بكل المقاييس في مهمتها.

والآن، تخلفها وكالة التآزر التي ننتظر ان نرى ما ستفعل...

صحيفة نواكشوط:ينظر الي مكونة لحراطين كجزء لا يتجزأ من مجتمع البيظان ولا يعني هذا البتة انه ليست لديها مظالم تاريخية لكن في السنوات الأخيرة بدأت دعوات تحاول خلق شرخ او هوة بين المكونتين كيف تنظرون لذلك؟

الرئيس محمد فال ولد هنضي لاشك ان ما كان يعرف قديما بمجتمع البيظان و ترضى بهذه التسمية جميع مكوناته، اصبح اليوم كيانين قائمين بذاتيهما: البيظان من جهة و لحراطين وبعض المكونات المهمشة كلمعلمين من جهة أخرى.

تسير الأمور و كأن " مجتمع البيظان" يتجزأ ويتفتت نسيجه الاجتماعي إلى اجزاء تتكاثر مع مرور الوقت.

من الواضح ان السبب في ذلك الثوب التقليدي الرث الذي يتطاير أشلاءا و لا زال قادتنا مصرين على إلباسه للمجتمع في الوقت الذي لم يعد يستر شيئا من العورة و الشرخ المجتمعيين.

لا شك ان هذا الشرخ راجع إلى الشعور بالظلم و التهميش من طرف هذه الشرائح التي ترى انها مقصية من التمثيل السياسي و من الحضور في العجلة الاقتصادية للبلد بالإضافة إلى استدامة التراتبية الاجتماعية التي تجعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية.

على العكس من الإخوة الزنوج، ليس لهذه المكونات أية مطالب ثقافية و كل ما تطلبه هو بعض الإنصاف و العدل في توزيع السلطة و الثروة مع بعض التغيير في السيكولوجية الاجتماعية.

فرأب الصدع إذا و إعادة اللحمة لهذا المجتمع هي امر ممكن و حتى بسيط إذا ما توفرت النية السياسية الصادقة و الفرقاء الوطنيين الذين تهمهم المصلحة الوطنية العليا أولا و أخيرا.

إن المجتمع الموريتاني يمكن ان نصفه الآن بأنه مجتمع مريض وكلما تأخّرنا في معالجة هذا المرض، كلما كبر و تفاحش و صعب علاجه وكلما أسرعنا في ذلك، كلما سهل الامر.

أظن انه يمكننا الآن السيطرة على الامور و إرجاعها الى نصابها؛ لكنني لست متأكدا من أنني سأكون بنفس التفاؤل إذا ما انتهت مأمورية الرئيس الحالي دون إحراث تقدم ملموس في هذا المضمار.

صحيفة نواكشوط:هل من كلمة أخيرة؟

الرئيس محمد فال ولد هنضي :أشكركم على إتاحة الفرصة و أقول في نهاية هذه المقابلة أن حراك الميثاق من اجل الحقوق السياسية و الإقتصادية و الاجتماعية للحراطين هو أولا و أخيرا حراكا وطنيا يضع المصلحة العليا بموريتانيا فوق كل الاعتبارات الشرائحية و العرقية و الفئوية و الأثنية.

حررنا وثيقة الميثاق و انشأنا الحراك الحامل لنفس الإسم من اجل لفت انتباه القائمين على شؤون البلد الى الاختلالات البنيوية التي تنخر جسم المجتمع و قد تكون مصدر تهديد لأمننا القومي مستقبلا إذا لم نؤمن فرصا متكافئة لجميع المواطنين؛ و ذلك ما لم يتحقق حتى الآن.

يهمنا كثيرا المساهمة في تحقيق الوحدة و الانسجام و إعادة اللحمة للمجتمع الموريتاني الممزق الذي لا يفوتنا انه يحتاج إلىَ تحول اجتماعي يطيح بالقبلية و بالتراتبية الاجتماعية و يؤسس لدولة المواطنة الحديثة التي تمد يد العون للذين تخلفوا كثيرا عن الركب و بالأخص ضحايا العبودية و مخلفاتها.

حراكنا مفتوح أمام كافة الموريتانيين الذين يتقاسمون معنا نفس الاهداف والتحاليل لواقع مجتمعنا ونحن بعيدون كل البعد عن أي تفكير ذا طابع خصوصي او متطرف و منفتحون على الجميع من اجل النقاش و تبادل الآراء و الإثراء المتبادل بالأفكار و المقترحات خدمة للعدالة و المساواة و تأمين مستقبل شعبنا و بلدنا.

شكرا السيد الرئيس

تابعونا على الشبكات الاجتماعية